الجمعة , مايو 3 2024

إيليا عدلى يكتب : بكاء الخريف

  • ما أن يحتضر الصيف بلفحاته الملتهبة، وحرارته الحارقة المرهقة في منطقتنا بالشرق الأوسط، حتى نتنسم هواءً رطباً، مشبعاً بعبق أوراق الشجر المتطاير.. عبير عصارته التي بخّرها الصيف بقسوة يخترق أنوفنا؛ يخاله الشرق أوسطي – على غير الحقيقة- ربيعاً.. ينتعش الأطفال ويركضون بالحواري غير عابئين بأقدامهم الحافية، وصدورهم العارية.. تتراقص الأشجار غير منتبهة لجفاف أوراقها وضعفها؛ فتسقط وتترك الشجرة عارية! يشارك الأطفال انتعاشهم وفرحتهم الطفولية الحالمون والفنانون والكتاب والآملون والثائرون والوطنيون.. ينتظرون ريح الربيع التي طال انتظارها بصحراء بلادنا القاحلة الجافة القاسية.. أرى أمامي خالد يوسف تتراقص عيناه المتألقة براعة لرؤيته الفنية التي باتت واقع وحقيقة، ولكن بعد أن أمتعنا فناً، وآلمنا من شدة واقعيته.. بعد برهة انطفأ نور السعادة بالربيع، حين اتضحت حقيقة الخريف بنسماته الأولى المتشبهة بالربيع المزيف. أرى أمامي دريد لحام، الذي أضحكنا في أعماله السينمائية حتى الثمالة.. ضَحّكنا بمرارة في فيلمه “الحدود” ، بطل الفيلم شخص لا يستطيع الحركة في وطنه الذي انقسم إلى “شرق ستان” و “غرب ستان”.. يضطر للعيش على الحدود، يحتمي بغربها حين يطرده شرقها والعكس.. رأيت دريد لحام يتأمل بقلق قدوم الربيع المزيف تماماً بسوريا، حتى ضرب سوريا أسوأ خريف في تاريخها، أطاح بالأخضر واليابس.. أشركني لحام في بكاءه على خشبة المسرح يرثي وطنه قائلاً: ” إذا وطني غلطان أنا معه ..إذا سخنان أنا رقوته ..إذا حفيان أنا صرمايته لأنه سيدي وتاج راسي وتراب امي فيه”. أرى أمامي لطفي بوشناق يحتضن عوده بمرارة على خشبة المسرح، وسط تخته الموسيقي، وحين اشتدت عليه لفحات الخريف التونسي العاصف، ناح طارداً ما بجوف حزنه هاتفاً: “ثورتي كانت غنيمة وافرة لحضرة جناب.. أنا حلمي بس كلمة: أن يظل عندي وطن.. خدوا المناصب والمكاسب.. لكن خلولي الوطن” والعراق الأصيل أخرج لنا نزار قباني وبلبله المغرد كاظم الساهر.. كم أطربنا بكلمات نزار العاشقة الوطنية التنويرية، حلم نزار بالربيع وكتب كثيراً نحو الربيع الغائب وغنى كاظم له؛ فخدعه الربيع وأبكاه وجماهيره حين رثى عراقنا الأصيل: “أطفال بغداد الحزينة يسألون عن أي ذنب يقتلون.. يترنحون على شظايا الجوع ثم يودعون..” كم وكم منا انتظر الربيع الذي أسعد كل بلاد العالم إلا الشرق الأوسط.. الجرداء الخريفية الأبية عن أي ربيع.. المحبة لنيران الصيف، العاشقة لبراكين العنف والكراهية.. كم غنينا لك أيها الربيع.. تخلص من قيودك وكن مخلصاً؛ فالخريف يلتهم ما تبقى منا بفعل الصيف!

     

     

 

 

 

شاهد أيضاً

ليلة أخرى مع الضفادع

في ضوء احداث فيلم الوصايا العشر بشأن خروج بني اسرائيل من مصر التى تتعلق بالضربات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.