الجمعة , أبريل 19 2024
الأديبة السورية نادية خلوف

نادية خلوف تكتب: دعوات أمّي المستجابة

كانت فنّانة، وكنا نجلس معاً على مقاعد الدراسة. جميلة، هادئة.

زرتها مراراً في منزلها في دمشق، وكانت أمّها تقدّم لنا الطّعام.  أمّها أجمل منها، وتبدو في مثل عمرها.

 تركت دمشق، وبعد عشرة أعوام من افتراقنا التقينا ثانية بينما كنت سوف أغادر سورية قبل زمن طويل.

كانتصديقتي  تعيش أزمة. قرّرت أن تذهب إلى الخليج للعمل كمعلّمة بعد أن تزوج زوجها بأخرى.

قالت لي: كانت أمي تخرجني معها في الزّيارات، ونمشي معاً في الأماكن المزدحمة. تعرضني للزّواج. لم يطلبني ذلك العدد من العرسان، فلا أحد يقول عن الفتاة جميلة إن لم يبد عليها مظاهر الغنى والدّلال، ونحن متوسطي الحال . عملت أمّي وأبي جاهدين، واشتروا لي بيتاً بالأقساط. أشاعت أمّي الخبر ، وفوراً أصبح النّصيب يطرق الباب.

خيرتني أمّي بين ثلاثةشبّان . اخترت صاحب الشّهادة كون العلم يعطي الإنسان قيماً، ثمّ غيّرت رأيي. قلت لأمّي لا أرغب في الزواج، لست جاهزة لذلك الأمر. أجابت: وماذا أصنع بك. هل أخلّلك؟

هل أنا عبء عليك يا أماه؟ إنني أعمل، وأصرف على نفسي.

فكّرت في الأمر؟ إن لم أتزوج ماذا سوف أفعل؟

لو لم يكن الزّواج يلبي حاجات البشر لماذا يتزوجون. هبّ عليّ العقل فجأة وبدأت أسعى إتمام الزواج من ” المتعلّم”

كنت أستمع لدعوات أمّي وهي تقول: ” اللهم ارزق ابنتي بابن الحلال”

تزوجت. أنجبتابنيّن . الحضانة ليست لي. لدي عقد عمل في الإمارات. سوف أذهب وكنت أخشى أن أفارق أولادي.

عندما كنت أشكو لأمّي إهمال زوجي كانت تقول: ” الله ياخدو” دعوات أمّي مستجابة . دعت لي بالزّواج، فتزوجت، ثم دعت عليه فأخذه الله.

جارتنا تزوجت في الخامسة والأربعين. أنجبت طفلين، ثم حدّدت النسل ، ومع أنّها تسمي زوجها : “دبو”  لكنّني أراه مثاليّاً. عمره في السّتين، زوجته الأولى توفيّت ، فلقطته جارتنا، وكانت دائمة الحديث عنه قبل الزواج. حيث كانت ولا زالت تنظر إليه” كدّبو”

الزّواج ليس نصيباً. هو ذنب أمّي، فقد حارت كيف تعرضني. شعرت أنّني غير مرغوب فيّ . تسرّب إلى ذهني مفهوم العنوسة، أصبحت أبحث عن الزّواج.

سألت صديقتي لماذا هي غاضبة؟ هل من أجل أولادها؟ قالت: لا. عندما سمع أنّني سوف أذهب  إلى الخليج تخلى عن الأولاد لي، لكنّني غاضبة من نفسي. كيف حاولت أن أرضيه مع أنّني لم أحترمه لحظة. غاضبة من أمّي لأنّها اعتقدت أنّها سوف تخلص من أعبائي فأصبحنا ثلاثة نأكل من مالها، وعالة على حياتها  تسببنا في تعاستها . كنت أنفق عليه راتبي. غاضبة لأنّني تزوجت شخصاً يحمل شهادة لا يعرف مضمونها ولم تعلّمه الفضيلة.

غاضبة لأنّني وضعت نفسي في غرفة مظلمة، ولم أحاول الخروج إلى العالم.

غاضبة لأنّني تأخّرت في القول له وداعاً قبل أن يقول هو.

التقينا في الإمارات مع أولادها برفقة شخص يبدو أفريقياً . عرفتني به على أنّه زوجها.

رأيتهم عدّة مرّات، وفي كلّ مرة كان زوجها هو الذي يدفع ثمن فاتورة الطّعام .

كنت أحسدهما عندما أراهما يتحدّثان معاً ، وكأنّهما عاشقين.

قالت لي: لو كانت أمي على قيد الحياة لما وافقت على هذا الزواج. أمي تقول زيوان البلد  ولا حنطة جلب. أنا لست أمّي.

 

شاهد أيضاً

أمريكا

المصريون يعلقون على زواج التؤام الملتصق “أهى زوجتين فى زواجه واحدة بدون غيرة “

بدون غيرة وكيد النساء المتمثل فى الزوجة الثانية ، التى وصلت فى بعض الحالات هى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.