الجمعة , مارس 29 2024
د. أماني ألبرت

السوشيال ميديا “كرة الثلج المندفعة”

د. أماني ألبرت
من حوالي نصف قرن تنبأ أستاذ الإعلام والاتصال “مارشال ماكلوهان” في كتابه “الثقافة هي عملنا” أن الحرب العالمية القادمة لن تكون كالحرب العالمية الأولى والثانية بل ستكون حرب معلومات.

وبعد أن كانت المؤسسات الإعلامية هي المتحكمة في نوعية المعلومات التي يتم بثها أو نشرها. دخل لاعب جديد في معركة المعلومات الضخمة وهو المواطن العادي الذي لم يعد متلقيًا فحسب للمادة الإعلامية بل منتجًا ومروجًا لها بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.

وحدث تغير في قواعد اللعبة، إذ تغير مفهوم حراس بوابات المعلومات. فبعد أن كانت المؤسسات الإعلامية الكبرى هي التي تقرر الأخبار التي يصلح تسليط الضوء حولها وتلك التي ليس لها أهمية، ظهر آلاف بل ملايين من المواطنين الذي أصبح لديهم قرار بنوعية المعلومات التي يمرروها عبر بوابات حساباتهم في السوشيال ميديا في ظل عدم وجود قيود على هذه المعلومات. وتغيرت الاهتمامات، فما كان يتم تجاهله في الماضي على أنه أخبار لا قيمة لها، أصبح الآن من السهل نشره وتحريكه عبر الملايين.

والخطر في المشهد الجديد هو أن ما يتم نشره وتداوله قد يحمل معلومات مضللة وقد يستخدم صورًا أو تسجيلات مفبركة وأخبارا مغلوطة كأحد أهم أسلحة حروب الجيل الرابع. كما فعل العالم الأمريكي جورج بابكيون الذي اخترع تكنولوجيا فبركة الصوت، واستخدمها في حرب العراق حين تم بث تسجيلات مفبركة تطالب الجنود العراقيين بالانسحاب لأنهم هزموا.

وهنا يحدث ما يسمى تأثير كرة الثلج، فحين تتدحرج كرة ثلج صغيرة على منحدر ثلجي تلتصق بها حبات ثلج أخرى فيزداد حجمها وثقلها ويصبح اندفاعها مع حجمها الكبير مدمرًا. وبالمثل خبر صغير مجهول المصدر ينشره أحد المواطنين، يعلق عليه آخر ثم يشاركه آخر ثم يعلق عليه غيره وهكذا يحدث تراكم وتجمهر وحشد لخبر معين وتلوكه الألسن لفترة معينة ثم يهدأ الموقف وبعدها بأيام يحدث الشيء نفسه وكأننا ندور في حلقة مفرغة.

هروب شخص بأموال الشعب، عمليات نصب كبرى على المواطنين، زواج بعض المشاهير، تصريحات لمسؤولين لا يتفق معها البعض، زيادة في أسعار بعض المنتجات، التقليل من قيمة ما يتم إنجازه لبعض المشاريع القومية.

والأمر لا يتوقف عند ضآلة أو أهمية الخبر فالمشهد الجديد يحمل داخله نوعًا من أنواع التشويش والتخبط وتشويه سمعة الآخرين واقتحام حرمة الحياة الشخصية ومحاولات لهدم الدولة، بغرض تأليب كافة الأطراف على بعضها البعض، الشعب ضد الحكومة، المرؤوسين ضد الرؤساء، تشويش صارخ في كل الاتجاهات.

خبر يتم تأكيده ثم نفيه ونفس من قاموا بمشاركته هم من يقومون بنفيه. أصبحوا أمهر في ترديد المعلومات من الببغاوات، بل احترفوا إضافة التعليقات الساخرة السمجة أو الصور البلهاء مع سيل جارف من السباب والشتائم والإساءة لمن اختاروه هدفًا.

والسؤال، لصالح من يتم نشر أخبار تشاؤمية أو أخبار كاذبة، ولصالح من يتم إهانة الدولة أو رموزها؟ هل كانت هذه لغة الحوار بيننا؟ للأسف، أصبح السباب والشتائم أحد أدوات التفاخر عبر السوشيال ميديا! وكله يصب نحو هدف واحد هو شغل الرأي العام وإحداث نوع من البلبلة في الجبهة الداخلية وتصدير صورة بسوء المسؤولين وعدم معرفتهم وقلة خبرتهم وخطأ قراراتهم فهي بالمقام الأول حرب نفسية يتم شنها ضد المؤسسات الحكومية بغرض إسقاط الدولة.

بالطبع، على الجهات الرسمية أن تواجه حرب المعلومات المزيفة بالحقيقية بشكل سريع قبل أن تكبر كرة الثلج. وحبذا لو تم الكشف عن المصادر المفبركة. فكثير من الشائعات انتهت تمامًا حين تم الكشف عن الأخبار أو الصور القديمة التي أُخذت منها بمكانها وزمانها الحقيقي.

وإن استطاعت كرة الثلج الصغيرة أن تكبر وتكون كرة ضخمة لا يمكن تجاهلها بسبب المشاركات والإعجابات والتعليقات العابرة. فهل نفكر قليلًا قبل أن نترك تعليقًا؟ هل نحاول فلترة ما يتم ترويجه من أخبار قبل أن ننساق مع الحشود المتزاحمة؟ فتأثير كرة الثلج يمتد ليؤذي كل من يقابله، إذ يُصدر كمًا غير عادي من الإحباط وانقطاع الأمل بالتغيير للأفضل.

بالطبع، لا أحد منا يرغب أن يكون شريكًا في الجرائم الموجهة ضد الدولة، ولا أحد منا يرغب أن يخدم أجندات معادية دون أن يقصد. لذا علينا توخي الحذر في طريقة تعاملنا مع المعلومات، ومدى تمريرنا لها والمشاركة في إنتاجها دون التحقق أو قبل الرجوع للجهات الرسمية.

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.