الجمعة , مارس 29 2024
هنرى

نادية هنري تكتب : فصل القمامة وإعادة التدوير .. رقيٌّ وحضارة

عشنا جميعًا في بيئة تحب اكتناز الأشياء ولا ترغب بالتَّخلي عنها أو رميها، نرى فيها أسطح بيوتنا وعماراتنا وقد امتلأت بالأخشاب وقطع الأثاث القديمة، والثياب العتيقة والأدوات الكهربائية المعطلة، وحين نسأل أنفسنا لمَ نفعل ذلك؟ نرد بإجابات مختلفة، منها المليء بمشاعر الحنين والارتباط العاطفي المغمور بالذَّكريات. ومنها أجوبة فيها الكثير من الاستخسار والاستحرام، فنقول من باب الشُّعور بالحنين والخوف من أن نخون من نحب حين نرمي أشياءهم العفنة: «هذا الكرسي كان أبي قد اشتراه وصحيح أنَّه برجل واحدة ومخلوع وخشبه مليء بالسُّوس ولا مجال لتصليحه، لكني لا أستطيع رميه فهو يذكرني بأبي.»
ومن باب الاستحرام والاستخسار، نقول: حرام أن أرمي هذا التلفزيون نعم هو أبيض وأسود ونظامه قديم ولا يعمل، ولا يمكن لأحد بث الروح فيه وإيقاظه من سباته العقيم والعميق، لكني لو تدرون كم دفعت ثمنًا له، آنذاك دفعت سبعين جنيهًا يوم كان الدولار بثلاث جنيهات، فهل لكم أن تتخيَّلوا كم صار ثمنه الآن، صحيح أن لا أحد يقبل بأن يشتريه، لكنَّ ثمنه يعتبر ثروة في هذه الأيام«.

اهلنا بواقي الماضي، نُبدل أشياءه المتكسرة بأشياء جديدة، ونُحل مكان أفكاره القديمة العتيقة، أفكارًا عصرية حاضرة ومتحضِّرة، جديدة ومتجدِّدة؟

هناك أمل
فقط لو مددنا أعناقنا أو وقفنا على أطراف صوابع أقدامنا لنرى كيف يتصرف الآخرون في الدُّول المتقدِّمة بعيدًا عن عالمنا الثَّالث.

أخبار عالمية
السويد تتخلص من كلِّ قمامتها، وتستورد القمامة… يا للهول ما هذا الخبر، غير معقول يستوردون القمامة؟ هذا الحبر نشر في أخبار مصر، يوم 23- 04- 2017، وهو يقول: «حققت السُّويد ثورة في مجال إعادة تدوير المخلفات لدرجة أنَّها أصبحت خالية من القمامة تمًامًا، وبات عليها استيراد القمامة من دول أخرى فقط للإبقاء على هذه الصِّناعة المُربحة.»

ماذا صناعة مُربجة؟ 
يتابع الخبر فيقول: «وحسب إحصاءات رسميَّة سويديَّة، فإنَّ نصف المخلَّفات المنزليَّة تقريبًا يتمُّ تحويلها إلى مصادر للطاقة لتدفئة المنازل في البرد القارس. وبدأت السُّويد رحلتها مع تدوير المخلَّفات منذ عقود، وفي عام 1975 كان بإمكانها الاستفادة من 38 في المئة من قمامتها. أما الآن فيجري تدوير 99 في المئة من المخلفات، وفقط 1 في المئة منها لا يمكن إعادة استخدامها وتذهب إلى مكبَّات النِّفايات.
فالجرائد المستعملة يتمُّ تحويلها إلى ورق يمكن استخدامه مرَّة أخرى، والزُّجاجات القديمة تذاب وتستخدم في صناعات جديدة، أما البلاستيك فيستخدم في صناعة مواد خام. ولبقايا الطَّعام استخدامات عدَّة، فيمكن أن تصنع منها أسمدة زراعيَّة أو غاز حيويٍّ يستخدم كوقود. وبالنسبة لمعظم السُّويديين أصبح فصل المخلفات في المنازل ثقافة، ومن ثم إلقاء كلِّ صنف في مكانه المخصص في مراكز التَّدوير الموجودة بجوار كلِّ منطقة سكنية هناك.

نحتاج استيراد مثل هذه الثقافة
هل يمكننا فعل ذلك؟ هل نستطيع تعميم هذه الثقافة في بلادنا؟ هل ستواجهنا صعوبات؟ ما هي يا ترى؟

صعوبات قد لا تخطر على بال
قد نتوقع بأن الصعوبات التي يمكن أن تواجهنا، هي ما سبق وتحدثنا عنه في افتتاحية المقال عن ارتباط الشعب المصري نفسيًا وعاطفيًا بالأشياء وبما توحي إليهم من ذكريات وشجون، أو حتى موضوع استخسار بيع الأشياء لو أن قيمتها الحقيقية ستقل. لكن ليست هذه هي الصعوبات! فما هي الصعوبات التي تواجه هذا النوع الجديد من الثقافة؟

مافيا القمامة 
في مقال بعنوان «نادية وشيرين ومافيا القمامة» نُشر في البوابة نيوز بتاريخ الجمعة 24 مارس 2017، يتحدث الكاتب الصَّحفي محمود نفادي فيقول:«مشكلة المشاكل في مصر والَّتي فشلت جميع الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلٍّ نهائيٍّ لها هي مشكلة القمامة رغم إنفاق ملايين الجنيهات من قبل على التَّعاقد مع بعض الشَّركات الأجنبيَّة ومنها شركة إسبانيَّة وأخرى فرنسيَّة ولم تتمكَّن البرلمانات المتعاقبة أيضًا من المساهمة بأيِّ أفكار أو حلول لتلك المشكلة المزمنة.
ورغم قيام الحكومة بفرض رسومٍ إجباريَّة على فواتير الكهرباء وتحصيل ملايين الجنيهات من المواطنين تحت اسم رسم النَّظافة فإنَّ المشكلة ظلَّت قائمة ومستمرة ووصلت تلالُ وأكوام القمامة في بعض المناطق والأحياء بالعاصمة إلى ارتفاع الأهرامات دون أن يتحرك أحد من مسئولي الحكومة.

وأمام هذا الفشل الحكومي والصَّمت البرلماني جاءت مبادرة فرديَّة مجتمعيَّة من النَّائبة نادية هنري والنَّائبة الدُّكتورة شيرين فرَّاج وطرح فكرة إقامة أكشاك للقمامة ودعوة المواطنين لبيع القمامة الخاصة بهم لتلك الأكشاك بدلًا من إلقائها في الشَّوارع من أجل تحويل القمامة إلى مصدر للدَّخل للمواطنين كمرحلة أولى لإقامة منظومة متكاملة لنظافة العاصمة المصريَّة القاهرة.

وقوبلت الفكرة بترحيب وتشجيع من جانب محافظ القاهرة الدُّكتور عاطف عبدالحميد خاصة أنَّ المحافظة لن تتكلف أيَّ مبالغ من الميزانية الخاصة بها وبدأت التَّجربة تجني ثمارها على أرض مدينة نصر وحتى مصر الجَّديدة كنقطة بداية وسارع المواطنون ببيع القمامة لتلك الأكشاك وتقرر نقل التَّجربة إلى أحياء أخرى لولًا الحرب الشَّنعاء الَّتي تمَّ شنها على هذه التَّجربة من مافيا القمامة.«

الوجه الحقيقي لمافيا القمامة
يتابع الكاتب الصحفي محمود نفادي في مقاله فيقول: «وفجأة كشفت مافيا القمامة في مصر عن وجهها الحقيقيِّ وشنَّت هجومًا عنيفًا على تلك التَّجربة والسعي إلى التَّشهير بأصحاب التَّجربة نادية هنري وشيرين فرَّاج ومحاولة الإساءة إليهما والتَّشكيك في النوايا الحقيقيَّة وراء هذه التَّجربة وللأسف استخدام بعض الفضائيات في هذه الحرب القذرة على التَّجربة النَّاجحة.

وكشفت تلك الحرب عن مفاجأة كبرى أنَّ القمامة بمثابة كنز قارون لعدد من متعهدى جمع القمامة وخاصة نقيب الزَّبالين وأنَّها تحقق أموالًا طائلة لهم بل إنَّهم يقومون بتصدير القمامة للخارج لتشغيل مصانع أجنبيَّة وحرمان مصانع مصرية من استخدام القمامة وإعادة تدويرها في تصنيع بعض المنتجات المنزليَّة.

فمافيا القمامة سعت بكلِّ الطُّرق إلى تحطيم هذه التَّجربة النَّاجحة وحرمان المواطنين من الحصول على عائد مالي مقابل بيع تلك القمامة للأكشاك الجديدة وأن تحتكر تلك المافيا وحدها عملية جمع القمامة وجني هذه الأموال الطَّائلة دون المساهمة في تجميل ونظافة العاصمة وشراء معدات حديثة لذلك.

وتحوَّلت كلُّ من النَّائبة نادية هنري والدكتورة شيرين فراج إلى متهمتين بدلا من تكريمهما ومنحهما الأوسمة على هذه التجربة الناجحة التي ستوفر آلاف فرص العمل للشباب وتقديم القمامة إلى بعض المصانع المصرية لإعادة التدوير بدلا من لجوء هذه المصانع إلى استيراد قمامة من الخارج لتشغيل ماكينات تلك المصانع….«

لا يزال هناك أمل
نعم هناك أمل، فكما سبق وذكرت آنفًا، تحرير المجتمع من القمامة، يقابله تحرير المجتمع من الأفكار المغلوطة وتجديد الذِّهن، حين يدرك المواطن المصري حقيقة ما يجري في الواقع المعاش، حين يعي بأنَّ هناك الكثير من الذِّئاب في ثياب الحملان تحيط به، تسعى لنهش جسده واستغلاله وسرقة لقمة عيشه، حين يبحث عمَّا وراء الأمور وخباياها وأسبابها وتاريخها وبواطنها، دون الأخذ بالمسلمات والاستسلام لها، يستيقظ المجتمع.

وحين يستيقظ المجتمع يحدث الآتي
كتب محمد سليمان في مقال نشر في اليوم السَّابع بتاريخ 30- 5- 2017، يتحدث فيه عن موضوع فصل القمامة ويصف من خلاله ما يحدث في محافظة كفر الشَّيخ، يقول: «تُعدُّ محافظة كفر الشَّيخ من المحافظات الرَّائدة في تطبيق فصل القمامة من المنبع، بالإضافة لتحفيز المواطنين لبيع المخلفات الصَّلبة بدلًا من إلقائها بالشَّوارع لتستفيد منها ربات المنازل بدخل يوميٍّ أو أسبوعيٍّ أو شهريٍّ حسب نوعية وكم المخلفات التَّي تُجمعها لتبيعها في الأكشاك المخصصة لذلك.»
كذلك كتب هاني الحوتي مقالا نشر في السابع يوم 14- 5- 2017 بعنوان «رجال الأعمال: الاستثمار في تدوير القمامة مربح … وغياب الرَّقابة يهدر 70% من قيمتها.» 
يقول فيه: «أكد المهندس صفي الدَّين المنشاوي استشاري وخبير إدارة المخلَّفات ضرورة إدارة المخلفات بصورة جيدة للاستفادة منها وحسن استغلالها لأنَّها تمثل ثورة هائلة، لافتا إلى أن 70% من المصانع الخاصة بالمخلفات معطّلة وهو ما يشكل خطورة بالغة على تلوُّث البيئة وعدم استغلالها بالشَّكل الأمثل. 
وطالب «المنشاوى» الحكومة بالاهتمام بالمناطق التي تسيطر على جمع وفرز القمامة مثل طُرة والمرج وأرض اللواء ومنشية ناصر، مشيرًا إلى أنَّ عدم وجود آلية ورقابة من الحكومة على عمليات الجمع والفرز التي يُشرف عليها «السَّريحة» يهدر 70% من قيمتها نتيجة لفرز البلاستيك والمواد الصَّالحة للصناعة فقط وترك المخلفات العضويَّة.«

كلام في الهدف
تابع هاني الحوتي في مقاله قائلًا: «وأكدَّ الدُّكتور على القريعي أهمية مناقشة منظومة جمع القمامة في مصر، حيث إنَّ تلك المنظومة تمثّل مشكلة كبرى لم يتمُّ إيجاد الحلول لها منذ عدة سنوات. كما أكد أهميَّة بحث الحلول الاستثمارية لمنظومة جمع القمامة في مصر حتى يتمُّ استعراض الخطوط العريضة لكيفيَّة مشاركة القطاع الخاص ومجتمع الأعمال المصري في الاستثمارات لتلك المنظومة، وذلك لتخفيف العبء عن الحكومة.»

بدلًا من التعلق بالماضي، هيَّا بنا إلى المستقبل
آن الأوان بنا لنبي مجمعًا متحضرًا، لنقطع يد كل من تسول له نفسه استغلالنا، لنضع النقاط على الأمور ونسوِّي أمورنا بأنفسنا، نقف ضد مافيا عرقلة الحياة وإيقاف المراكب السائرة، ننظر إلى المستقبل ونفكر بأولادنا، نسعى لنقدم لهم مجتمعًا نظيفًا خاليًا من كل أنواع القمامة، سواء كانت أشياءًا أم أذهانًا أم تقاليد وأعراف.

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.