الجمعة , أبريل 19 2024

رواية سان ستيفانو للكاتبة ريم أبو عيد .

كتب عصام ابوشادي

سان ستيفانو رواية جديدة للكاتبة ريم أبو عيد من إصدار دار جولدن بوك للنشر والتوزيع تشارك في معرض الإسكندرية للكتاب 2019، والرواية هي الجزء الثاني من رواية متروبول التي شاركت في معرض الإسكندرية للكتاب 2017.

العبقرية الثلاثية في رواية سان ستيفانو للكاتبة ريم أبو عيد :الزمان والمكان والإنسانية

بقلم المستشار : صالح شرف الدين

عضو شعبة النقد باتحاد الكتاب

ما أجمل أن نكتب لتزيد مساحات الحق والخير والجمال ، ما أجمل أن نكتب ويكون لما نكتبه هدف سام يحق الحق ويبطل الباطل ،ما أجمل أن ننحاز في الصراع الدائم بين الخير والشر- أن ننحاز للخير ،ونواجه القبح والشر بقوة الكلمة التي لا تشبهها قوة

والتي تستمد قوتها من قدرتها على التأثير والخلود ،تتوارد على ذهني هذه الخواطر وأنا أطالع رواية من أفضل ما قرأت من روايات مؤخرا ،وأكثرها عمقا وتأثيرا:

“رواية سان ستيفانو “وأحسب أن تميزها ينبع من:

عبقرية الزمان ،وعبقرية المكان ، وعبقرية الإنسانية.

-الزمان عبقري لأنه يمتد منذ عصر الفراعنة فتحكي لنا الرواية عن : الكاهن الفرعوني ، وقصة حبه وكيف ماتت محبوبته بالسم وكيف انتقم ممن قتلتها ،وكيف عاش بعدها ومات وهو متعلق بها ،وكيف تحيا روحه من جديد في أكثر من شخص

تقول على لسان الكاهن : “بلغت من العلم مبلغه ومن العمر أيضًا.. شاركت الكهنة العظام في إخفاء كنوز الملوك الراحلين عن أعين اللصوص.. كنا نحصن قبورهم بتعاويذ لا يستطيع إنس أو جان فك طلاسمها.. كنا وحدنا من نمتلك المعرفة والعلم..”

-عبقرية الزمان في الحيوات المتعدد التي عاشتها الروح في عدة شخصيات عبرالزمن ،أنطونيو جيانو ،وعمر سراج ،سارة رياض ،وسارة سمعان ،ياسر زهران …

-عبقرية الزمان في أنه يتفاعل بقوة مع المكان ويتعلق به الأشخاص ويؤثر فيهم .

-عبقرية المكان في الإسكندرية القديمة ،ومعالمها والإعجاب بها حد الشغف ،والدفاع عن جمالها القديم الذي يجب أن يصان ولا يشوه ،وفي القاهرة ،وفي مصر القديمة وفي تفاعل الأشخاص معه وفيه وتأثيرهم فيه وتأثرهم به ،وارتباطه بالزمان.

-تقول :”.. ألا تسجن نفسك في دائرة الماضي بتلك الصورالتي تلتقطها لجميع لتلك البيوت والمقاهي القديمة؟

ضحك حتى بدت نواجذه فبدا أكثر وسامة وجاذبية.. أخبرها أن الأمر يختلف.. فهو لا يلتقط تلك الصور لكي يسجن نفسه في ماضيها ولكن لكي يحتفظ بتاريخ الإسكندرية الجميل قبل أن تغتال يد التدمير ما تبقى منه.. هو ليس ضد أي تطوير للمدينة بل على العكس التجديد سنة الكون.. ولكن ثمة فرق شاسع بين التشويه والتجديد.. فما يحدث في الإسكندرية الآن لهو جريمة تشويه مكتملة الأركان.. وتعمد واضح لمحو تاريخ المدينة.. أتم حديثه وابتسم بأسى..

كانت تزداد إعجابًا به كلما زادها من حديثه.. كان يتحدث عن مدينته وكأنه عاشق متيم.. تعددت لقآتهما.. وفي كل مرة تلتقيه كانت تغوص أكثر وأكثر في عالمه الساحر وترى الإسكندرية وكأنها لم ترها من قبل.. كان يبهرها دائمًا بما يرويه لها من حكايات عن هذه المدينة وعن عشاقها الكثر.. حكى لها عن المعماري أنطونيو لا شاك.. وأراها ما تبقى من المعمار الذي شيده ذلك العاشق للإسكندرية.. المدينة التي أصبحت قضيته الوحيدة في الحياة وشغله الشاغل وعشقه الأبدي الذي توارثه عن جده

طاف بها في كل شبر منها والتقط لها صورًا تذكارية أمام كل بناية جميلة باقية.. أخبرها أنها المرة الأولى التي يشرك فيها فتاة أو امرأة في صوره التي يتلقطها لمعمار الإسكندرية التاريخي..”

-عبقرية الإنسانية في: الأبطال والصراع الإنساني الصاخب الرومانسي :سارة ..إيفيلين غادة.. مريم ..إسماعيل ..عمر سراج ..ياسر زهران ،هذا الصراع الذي تنتصر فيه الإنسانية فتترك أيفيلين حبيبها الذي تخلى عنها مدة وعاد ليجدها تغيرت وتعلقت بذلك الذي غاب عن الوعي ،تضحي من أجله وترفض شخصا باعها مرة فخسرها للأبد ، تنتصر الإنسانية عندما تنتحر مريم لأن أخت إسماعيل تؤنبها وتهددها ، ويرفض اسماعيل أن يعيش بعدها ويحتضن ماء البحر ليذهب إليها ،عبقرية الإنسانية في ترك سارة لعمر سراج ،ورفضها أن تحيا على أطلال حياة سابقة أو تحت تهديد ياسر زهران الذي يفيق هو الآخر ويرفض أن يستخدم قدراته الخاصة في الشرويندم على ما فعل ،ويغادر ليرى ابنته التي تركها تسافر مع أمها ،عبقرية الإنسانية في خروج أنطونيو جيانو ، وعمر سراج من الغيبوبة ومواصلة الحياة من جديد .

عبقرية الإنسانية في ارتباطها القوي بعناصر الرواية الزمان والمكان والأشخاص والعقدة والحل .

تقول :” أن تكون مختلفًا عن الآخرين يعني أن تدفع ثمن اختلافك في كل لحظة من لحظات حياتك.. حتى وإن كان الثمن هو شعورك بالغربة عن الزمان والمكان.. وأن تشعر بالغربة يعني أن تنصهر في بوتقة المعاناة الأبدية ولا تجد الخلاص إلا بخلاص روحك من أغلالها المادية المتمثلة في ذلك الجسد الذي تسكنه دون اختيار منها والذي يلزمها أن تستكمل دوره على خشبة ذلك المسرح العبثي المسمى بالحياة حتى النهاية وبإتقان شديد يرغم الجميع في نهاية الأمر على أن يصفقوا لبراعتك.. ويتساءلون في تعجب كيف تمكنت من البقاء على قيد تفردك دون أن تفقد ابتسامتك رغم أشواك الطريق”

-لقد قامت الكاتبة بتضفير أحداث رواية متروبول مع أحداث الجزء الثاني سان ستيفانو ،وفتحت الباب لجزء ثالث حينها يمكن أن نطلق عليها :ثلاثية الإسكندرية

-لقد شغلت مسألة الروح الإنسان في جميع العصور ،وتناول مسألة الروح الكثير من العلماء والكتاب والأدباء والفنانين ،وتناولتها الأديان ،وما يجذب الجميع غموض المسألة وعدم الوصول لِكُنْهِ الروح ،وعندما سئل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن الروح ،ولم يجب وانتظر الوحي لم يأت الوحي بتفسير شاف للروح بل بما يجعل الحيرة مستمرة :”ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا “85الإسراء ،لقد جاءت كلمة (الروح) ومشتقاتها مفردة في اثنين وعشرين موضعا في القرآن الكريم ،تحتاج إلى التأمل ،ومما يحسب لرواية متروبول ،وهذه الرواية تسليط الضوء على هذه المسألة ، ومواصلة البحث في نواتج التأمل في كل ما كتب قديما وحديثا عن الروح .

-لقد عالجت الكاتبة هذه المسألة بوعي ورأي خاص بها ،وميزت بين الروح والنفس ،وحاولت استجلاء حقيقة القدرات الإنسانية الخاصة التي يتميز بها بعض الناس ،وبينت أثرها عليهم وعلى من حولهم ،وأن الأفضل لهم أن يعيشوا حياتهم كأشخاص عاديين فهذه القدرات الخاصة قد تجلب لهم التعاسة لا السعادة تقول :

“.. بعد لقائه الثاني بمليكة الزاهد والذي قرأت له فيه إحدى حيواته السابقة وأخبرته عن قصته حين كانت روحه تعيش في جسد الكاهن شابكتا.. بدأ يمارس بنفسه رياضة اليوجا والتأمل لمعرفة المزيد عن الحيوات التي عاشتها روحه فيما مضى.. كان قد سمع من بعض معارفه وموظفيه عن رواية متروبول تلك الرواية التي تتحدث عن تناسخ الأرواح والتي أحدثت ضجة هائلة بعد صدروها لما أعلنه كاتبها عن أنها مستوحاة من أحداث عاشها هو بنفسه.. أثارت في نفسه الفضول لقراءتها.. وهاله ما قرأ.. وكلما توغل في صفحاتها تأكدت ظنونه أكثر.. تلك التفاصيل التي تعج بها الرواية عن حياة دانيال سولومون.. لقد رآها من قبل.. تحفظها ذاكرة روحه عن ظهر معرفة..

ليس هو الوحيد إذن الذي عادت روحه من جديد لتعيش في جسد آخر في هذه الحياة.. أعادته الرواية إلى قصة الحب القديمة التي عاشها دانيال سولومون مع سارة سمعان.. قرر أن يبحث عن الكاتب عمر سراج ليصل من خلاله إلى سارة رياض التي كان قد رأى صورتها في إحدى صفحات الجرائد التي نشرت أخبارًا عن الرواية وأبطالها.. ولاحظ الشبه الكبير بينها وبين سارة سمعان التي لا تزال ذاكرة روحه تحتفظ بملامحها.. ظل أيامًا يفكر كيف يمكنه لقاءها.. حتى قادته المصادفة إليها ذات نهار..”

-وهنا نصل لجوهر التميز السردي عند الكاتبة فهو سرد يسمو بأهدافه ،وتسمو به الأهداف التي تميزه ،فرغم مزج الحقيقة بالخيال فلم يحلق بعيدا ،ولم يغرق في الذهنية بل حرص على أن يجعل الواقع أكثر جمالا ،والإنسان أكثر سعادة ،والخير أكثر انتشارا ، والمكانى أكثر ازدهارا .

تقول :” .. قامت من على مقعدها واتجهت إلى غرفة عمر في الوقت الذي كان سليم ودينا يغادران.. دلفت إلى الغرفة ووقفت أمام السرير الذي يرقد عليه عمر وظلت تتأمله بألمٍ عميقٍ بدا ظاهرًا على ملامحها.. همت بالكلام ولكنها أجفلت.. وماذا بعد أن تتحدث إليه.. هل سيسمعها؟ هل سيجيب عليها.. هل سيعود إلى دنياها بعد طول غياب.. ندت من شفتيها كلمة خفيضة.. لماذا.. لماذا يا عمر؟.. خُيل إليها أن أحد أصابع يده تحرك وكأنه يشير إليها إشارة ما.. أغمضت عينيها وعادوت فتحهما مرات متتالية علّها تتحقق مما رأته.. ولكن جسده أبى أن يمنحها أي إشارة تنتشلها من دوامة الأفكار التي تبتلعها.. اقتربت منه وأمسكت بكفه وقبلت باطنه ثم غادرت الغرفة وقد امتلأت عن آخرها بالأسى على ماضٍ ولى وحاضر موجع.. أما ذلك الممدد على فراش غرفة العناية المركزة فكانت روحه تراقبها وهي تغادر.. ولكن لم يكن باستطاعتها أن تنادي عليها أو تسرد لها ما شاهدته من عجائب طيلة الفترة السابقة.. لم يعرف أحد أن عمر كان يرى بعيني روحه ما حدث لماريو جيانو بعد مقتل سارة.. وأن تفاصيل حياة ذلك الجاسوس العاشق ما زالت محفورة في ذاكرة الروح التي سكنت جسده فيما مضى قبل أن تسكن جسد عمر.. والتي تقف الآن معلقة بين عالمين لا تدري إلى أيهما ستمضي في النهاية..

ويحدث أن تستعيد ذاكرة الروح تلك التفاصيل التي عاشتها فيما مضى من حياة أو حيوات.. وتكشف ستر أسرارها الدفينة لتضيء جنبات النفس التي تسكنها بنور الحكمة وتهبها وهج المعرفة لتنعم بحاضر يضوع بعطر الحياة ذاتها.. رأت روحه – فيما ترى روح الغائب عن وعيه – ما لم تكن تراه عين خياله.. استطاع أن يعرف تفاصيل بقية الحكاية القديمة التي عاشها.. وما آلت إليه حياة ماريو (أنطونيو) جيانو.. وما عاشته تلك الروح – التي سكنت أنطونيو سابقًا وسكنته فيما بعد – من حياة سبقت حياة أنطونيو في ذلك الزمان البعيد من القرن التاسع عشر..”

-الرسم الفيزيائي للأشخاص ،والرسم الاجتماعي ،والرسم النفسي بديع يجعل منها أشخاصا حميمة لا نشعر معها بالنفور أو الغربة رغم مساحة الخيال والأبعاد التاريخية لها ،حرصت الكاتبة على أن يكون التشويق نابعا من تشابك الأحداث بصورة تجذبنا لنصل لحلول لتلك العقد التي بدت لنا طبيعية من خلال مزج الحقيقة بالخيال بصورة لا تمكننا من الفصل بينهما ،وتقودنا للبحث عن الحلول التي لم تأت جميعها بعد ..

-لغة الكاتبة فصحى سهلة تبتعد عن التفاصح وغريب الكلمات ،تضيف حيوية في السرد وفي الحوار .

-أحسب الكاتبة وفقت في جعل سان ستيفانو رواية مشوقة ؛فعندما تقرأها تتمنى أن تقرأ متروبول ،وتشتاق أن تقرأ الجزء الثالث من هذه السلسلة .

-وفي ختام هذه القراءة االسريعة لا يسعنا إلا أن نبارك للكاتبة على هذا المنجز القيم،ونتمنى لها المزيد من التألق والإبداع ..

الجيزة

فبراير 2019م

شاهد أيضاً

ع أمل

دكتورة ماريان جرجس ينتهي شهر رمضان الكريم وتنتهي معه مارثون الدراما العربية ، وفى ظل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.