الثلاثاء , أبريل 16 2024
د. ماجد عزت إسرائيل

فى ذكرى رحيله….أحمد لطفى السيد علامة مضيئة في تاريخ مصر (1872-1963م)

ولد أحمد لطفى السيد فى(15 يناير 1872 م) بقرية برقين- مركز السنبـلاوين – بمحافظة الدقهلية (المنصورة)، وكان ينتمى لعائلة آل السيد التى تحتكر منصب العمدة بذات القرية، وفى سن الرابعة من عمره التحق بـ “كتاب القرية” وعرف عنه حبه لتعلم القراءة والحساب لدرجة وصلت إلى حفظه القرأن الكريم قبل أن يبلغ السنة العاشرة من عمره، وفى عام(1882م) التحق بمدرسة المنصورة الأبتدائية واتم تعليمه بها عام 1885م، ثم سافر إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة الخـديوية، وللأمانة العلمية لم تكن شهادة الابتدائية والبكالوريا معروفتين فى ذلك الحين، بل كان الانتقـال من مرحلة إلى أخرى بالنجاح فى امتحانات المدرسة، ولكن صدر قـانون قبل(1888م) خاص باعتماد شهـادة البكالوريا لتكون هى المؤهلة لالتحاق بمدرسة الحقوق والآداب، وفى سنة 1889م حصل” لطـفى الســيد” على البكالوريا،والتحق بمدرسة الحقوق وتخرج فى عام 1894م.

وفى مدرسة الحقـوق(كلية الحقوق حاليا) تعرف على الشيخ “محمد عبده “هو ورفاقه وهم: على إسماعيل صدقى وإسماعيل الحكيم وعبدالهادى الجندى وعبدالخالق ثروت ومحمود عبدالغفار، فتـشكلت بذرة جيدة نحو ثقافته التـنوير،وهى التى توجت بإنشاء “مجله التشريع”،كما سمحت له الظروف بالسفر فى صيف1893م إلى مدينة استانبول التركية، وهناك التقى بالشيخ” جمال الدين الأفغــانى” ولازمه أكثر من شهراً وتأثر بأفكاره التنويرية.

على أية حال، بعد أن تخرج فى كلية الحقوق عام 1894م،عين بالقاهرة هو ورفاقه ككتبة فى النيابة، وفى عام 1896م صدر أمر بنقله إلى مدينة الإسكندرية ،وقد مكث بها شهراً ثم انتدب إلى محافظ بنى سويف كوكيل نيابة مع صديقه “عبدالعزيز فهمى” وكيل النيــابة بذات المدنية،فشكل معا جمعية سرية كان هـدفها تحرير مصر من سلطات الاحتلال البريطانى،وفى مدينة القاهرة التقى بـ “مصطفى كامل”واتفـق معه على إنشاء حزب وطنى يجمع شمل الأمة المصرية بمـباركة خديوى مصر”عباس حلمى الثانى”(1892-1914م) الذى التقى “أحمد لطفى السيد” وكلفه بالدراسة بذات الدولة والحصول على جـنسيته ـ كانت سويسرا تمنح الجنسية بعد سنة من الإقامة.من أجل إنشاء جريدة مقاومة لسلطات الاحتلال،وفى أثناء وجوده فى سويسرا درس علم الأخلاق فى جامعاتها،وتعرف على ثقافات متعده من خلال احتكاكه اليومى مع زمـلائه الطلاب الدارسين من دول متعدة بالجامعة، كل ذلك ترك أثره فى فكره التنويرى.

على أية حال،عاد أحمد لطفى السيد إلى مصر، ليجد فى انتظاره غضب الخديوى “عباس حلمى الثانى” منه لصلته بالشيخ “محمد عبده”ومن ناحية آخرى رفض الباب العالى اكتسابه الجنسية السويسرية، وفى بيت” محمود باشا سليمان” تألفت شركة “الجـريدة “وانتخب لطفى السيد مديراً لها ورئيسا لتحريرها لمدة عـشر سنوات ثم تألف حزب الأمة الذى نادى بالاستقلال التام، ووقع الاختار على تولى” لطفى السيد” سكرتيراً عاماً له،واستطاع بقلمه محاربة قانون “المطبوعات” الذى صدر إبان الثورة العرابية وأرادت الحكومة المصرية بعثة من جديد عام 1909م ،وأن لم يكتب لحملته النجاح، ولم يهدأ لطفى السيد لدرجة تعرضه لوعكة صحية سافر على أثرها إلى أوروبا،وبعد شفائه عارض مشروع مد أمتياز شركة مقابل اربعة ملايين من الجنيهات،وبعد مقابلته “بطرس غالى” الذى وعده بعرضه على الجمعية العمومية التى رفضت المشروع، وكان هذا انتصاراً شعبياً، كما كافح فى ميدان التعليم فخصص بالجريدة مقالات ثقافية وتنويرية كان هدفها زيادة الوعى الثقافى والحفاظ على تراثناُ الثقاف،فأصبحت الجريدة قبلة الطلاب من الشباب المتعلم وجمهرة المثقفين،بالإضافة لعقد الندوات والمؤتمرات التى كان يحاضر فيها كبار الأساتذة والمحامين فى ذات الفترة.

وفى عام 1912م دعا “أحمد لطفى السيد” إلى تاليف نقابة للصحافة المصرية، وقد استجاب االصحفيون على اختلاف مشاربهم إلى هذه الدعوة واجتمعت الجمعية العمومية لانتخاب النقيب والوكيلين وكان هو احدهما، وفى عام 1912 صدر أمر بتعينه مديراً لدار الكتب المصرية خلفاً للدكتور” شادة” المدير الألمانى،فشكل لجان فرعية قامت بحركة ترجمة أمهات الكتب إلى العربية، كما انتخب عضوا بمجلس شورى القوانين عام 1913م، ولا أحد ينكر دوره فى نشأة مجمع اللغة العربية، وقد ظل” لطفى السيد” مديرا لدار الكتب حتى مارس عام1925م،حيث صدر مرسوم بتعينه مديراً للجامعة المصرية(جامعة القاهرة)،ففتح الباب امام تعليم المرأة المصرية بها ،وفى سنة 1928م اختاره رئيس وزراء مصر “محمد محمود باشا” وزيرا للمعارف فى وزارته،بجانب رئاسته للجامعة، فكان توليه بمثابة امتداد لخدمة الامة عن طريق تطوير التعليم والتوسع فى شتى المجالات الثقافية والتنويرية،و عمل على ضم بعض الكليات الى الجامعة المصرية، فضمكل من كلية الهندسة و التجارة و الطب البيطرى وظل مديراً للجامعة حتى اوائل أكتوبر عام 1932م،وتولى حقيبة الداخلية، فى وزارة “محمد محمود “عام 1937م، ثم أثر على الاستقالة عند إعادة تشكيل الوزارة.مرة آخرى، على أية حال كافح لطفى السيد بقلمه ،فترك لنا تراثنا من ثقافته جمعها لنا الأستاذ ” إسماعيل مظهر” وهى: المنتخبات (فى جزئين)، تأملات، صفحات مطوية، ومن ترجمــاته عن الفرنسية “سانت هيلير” لأرسطـو، والأخلاق والطبيعة والسياسة.

لقد ظل أحمد لطفى السيد رغم كبر السن ووهن المرض فى مركز القيادة فى كثير من نواحى الحياة الثقافة والتنويرية ، فكان رئيس المجمع اللغوى، ورئيس الجمعية الخيرية الاسلامية وعضو المجمع العلمى ورئيس جمعية العلم المصرى وهى جمعية أدبية كان وكليها ” الشيخ الخضرى” الذى كان مراسلاً للمجمع العلمى العراقى،وأيضًا عضو المجمع اللغوى الايران، والجمعية الجغرافية. ولدوره فى المجال السياسى والثقافى فقد كرمته بعد دول العالم بأوسمتها الفخرية منها دول أنجلترا وبليجيكا والمغرب والمانيا فانعم عليه ملك بليجيكا بنشيان(جران) اوفيسية من طبقة ليوبولد الثانى وانعمت دولة المانيا عليه بنشان النسر الألمانى من الدرجة الأولى عام 1938م كما منحته المغرب نشان وسام الفخامه،ومنحته مصر نيشان النيل ووسام الجمهورية العربية للعلوم والفنون فى العلوم الاجتماعية، وكان متزوجاً ولديه أبنة واحدة هي “عفاف لطفي السيد” وهي أستاذة العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا- بيركلي بالولايات المتحدة الأمريكية،ورحل عن عالمنا الفانى فى(5 مارس 1963م). بالحق كان علامة مضيئة في تاريخ الثقافة المصرية!

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

التعليم ـ الرهبنة ـ الإدارة : محاور الأزمة ومداخل الإصلاح

كمال زاخرالإثنين 15 ابريل 2024ـــــ اشتبكت مع الملفين القبطى والكنسى، قبل نحو ثلاثة عقود، وكانت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.