الجمعة , مارس 29 2024
مستشفى بوسطن

سألتني المريضة هو الموت بيوجع؟ سؤال خطفنى ، وليلة من ليالي العناية المركزة

بقلم الدكتور سامح أحمد

من أسبوع كنت شغال في العناية المركزة لقسم زرع نخاع العظام BMT وكان الشغل زحمة جدا والحالات معظمها حرجة. 
وفي وسط زحمة الشغل طلبت مني الممرضة اروح اشوف مريضة علشان أمها بتزورها وعندها أسئلة.

طبعا مقابلة أهل المريض جزء من العملية العلاجية بس لما تبقى العناية زحمة والساعة ٣ الصبح يبقى الطلب غريب شوية. 
ابتسمت للممرضة و قلتلها تقول للام أني ها شوفها حاضر بعد ١٥ دقيقة.

قبل ما اروح أكلم الأم قلت أراجع الكمبيوتر وأشوف اخر معامل وابحاث واستشارات على الحالة علشان اعرف أرد على اي سؤال بشكل دقيق.

الحالة بنت عندها ٢٧ سنة مصابة بسرطان في الغدد الليمفاوية و اتعالجت من ٦ سنين بالعلاج الكيماوي والإشعاع والمرض خف بس رجع تاني من ١٠ شهور بشكل اعنف ولا يستجيب الكيماوي او الإشعاع فتمت عملية نقل نخاع من المريضة لنفسها بعد قتل الخلايا السرطانية خارج الجسم Autologous SCT لم ينجح واصيبت بعدوي فطرية في الدم غير قابلة للعلاج و حالتها متدهورة جدا من فشل حاد في الكبد والكلية ونزيف في الأمعاء وقروح مؤلمة جدا في الفم والبلعوم والمرئ.

لما رحت أكلم الأم والبنت لقيتهم بيبكوا بس بصوت مخنوق.

سألتني الام عن حالة البنت فقلت لهم ان الحالة متاخرة ومافيش حاجات كتير نقدر نعملها غير المسكنات.

سألتني البنت هو الموت بيوجع؟ 
السؤال خطفني.

سكت شوية وبعدين قولتلها أكيد شعور مش حلو بس انتي مش ها تحسي بحاجة من المسكنات. 
سألتني: انت بتخاف من الموت؟ 
وشفت الرعب في عينيها وهي بتسألني لدرجة اني قلقت جدا وقلتلها بتوتر ايوة بخاف منه جدا. 
قالتلي: لو انت مكاني تعمل ايه؟ 
سكت كتير لأني مابحبش اكذب وقلتلها بهدوء لو مكانك اقرأ قران واصلي واطلب الجنة.

ظهر في عين البنت والام دهشة واستنكار وقالوا لي احنا مش مؤمنين ان فيه إله أساسا بس الكلام ده احنا كنّا منتظرين نسمعه من قسيس المستشفى اللي جاي بكرة مش من الدكتور.

قلتلها انتي سألتيني بشكل شخصي لو مكانك هاعمل ايه مش سؤال طبي. 
انا اقدر اقول لك خطة العلاج بالتفصيل واشرح لك اي حاجة فيها لو تحبي

بكت البنت وقالت لي: يعني انت فعلا تقصد الكلام ده ولا بتقول لي كلام ديني وخلاص؟
قولتلها: انا مقتنع بكل حرف قولتهولك. 
قالتلي طب ممكن تشرح لي شوية أكتر.

طبعا البيچير وتليفون الاستدعاء كان عمال يضرب متواصل وكان لازم اسيبها وأروح اشوف المصائب اللي برا ، بس حاجة خلتني استنى وأتكلم معاها ومع مامتها. 
قولت لها: شوفي، احنا كلنا محكوم علينا بالإعدام في سجن كبير اسمه الدنيا وكل يوم بيتنفذ الحكم في مجموعة من المساجين.

لو انتي فكرتي ايه اسعد لحظة للمسجون؟ 
قالت لما يخرج.
قولتلها بالضبط، السجن اللي احنا فيه كل المساجين فيه محكوم عليهم بالإعدام ولابسين بدل إعدام حمرا بس مش شايفينها. 
انت لابسة البدلة والحكم ها يتنفذ فيكي قريب بس انا ومامتك برده لابسين نفس البدلة الحمرا والحكم ممكن يتاخر شوية بس كده كده هايتنفذ.

قالتلي: كلمني عن الإفراج عن المساجين الي قولت عليه. 
قولتلها: في ناس بتنسى نفسها وتعيش في حياة السجن ويعملوا عصابات جوا السجن ويركزوا جدا في حياة السجن بس. 
قالتلي: بس انا طول عمري بأحاول اعمل الصح وعمري ما اذيت حد وكنت مرتاحة وسعيدة في حياتي مع البوي فريند بتاعي وكنا بنخرج ونتفسح وعمري ما حسّيت ان فيه إله ولو حتى كان فيه ماكانش عندي اي حاجة تخليني احتاج له أو أفكر في الموضوع أصلا. 
قولتلها: حتى ده فهو برضه حياة السجن بس من غير اشغال شاقة لكن مهما كانت عادية وجميلة فالخروج من السجن يفضّل احسن بكتير من القعاد فيه. 
الحرية مهما كانت متعبة افضل جدا من السجن مهما كان مريح 
قولتلها: انا عندي إيمان ان الإعدام هو الطريق الوحيد للخروج من السجن لأن ماحدش يقدر يهرب منه بس بعد الإعدام والخروج خارج الأسوار فيه حياة تانية ممكن تكون كويسة وممكن لا.
قالتلي: انت متاكد من الكلام ده؟ 
قلتلها:انا عندي يقين بس ماحدش مات ورجع يحكي فكل اللي اقدر اقولهولك الكلام اللي اتعلمته من القران. 
قالتلي: انت عمال تقول قرآن بس انا عمري ماشفته وما كنتش مهمته اقرأه لأَنِّي مش متدينة. 
قولتلها: انا عندي قرآن صغير بتاعي عربي وإنجليزي لو تحبي. 
قالتلي: ممكن أخده؟ 
قولتلها ممكن تستعيريه النهارده وها أجيبلك واحد تاني بكرة يبقى بتاعك هدية مني.

وطلعت فوق لأوضتي وجبت القرآن اللي في شنطتي واديتهولها. 
وانا باديهولها مسكت ايدي وكانت أيدها ساقعة وضعيفة و بتترعش وقالت لي بصوت مبحوح وخافت شكرًا. شكرًا حدا. حقيقي من قلبي.
فشديت على أيدها ومشيت.

قبل ما امشي من المستشفى الساعة ٧ الصبح جالي استدعاء لغرفة نفس المريضة.

قابلت مامتها على باب الغرفة وكانت بتبكي بحرقة وادتني القران بتاعي وحضنتني لمدة طويلة وهي بتبكي وقالت لُي هي ماتت الساعة ٥:٣٠ الصبح وكانت مبتسمة لما حطت القران بتاعك تحت المخدة ونامت.

قالتلي انت قولتلها كلام جميل جدا عمرنا ماسمعناه من دكتور الأورام او الجراحين. هي قالتلي لما تصحى من النوم ها تقرا في القران بتاعك بس ماصحيتش.

الحقيقة ااتأثرت جدا وروحت البيت ساكت وكل اللي فاكرة نظرة الخوف اللي كانت في عينيها وهي بتسألني عن الموت.

ومش قادر أنسى لمسة أيديها الضعيفة النحيله وهي بتسلم على آخر إنسان في حياتها.

كانت زي ملاك نايم على السرير

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.