هاني صبري – المحامي
أقيمت أول شعائر صلاة الجمعة في آيا صوفيا بعد تحويلها إلي مسجد ، وقد ألقي رئيس منظمة الشؤون الدينية التركية الخطبة حاملاً سيفاً بيده ، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجمع غفير من المصلين.
أن اختيار أردوغان إقامة الصلاة الأولى في هذا التوقيت بالتحديد له دلالة رمزية، لأنه الذكرى الـ97 لاتفاقية لوزان التي رسمت حدود تركيا الحديثة، التي يطالب بتغييرها لذلك احتل أجزاء من سوريا والعراق ولبيبا، ويحتل أكثر من ثلث قبرص، أردوغان يحنّ إلى الإمبراطورية العثمانيّة.
يتساءل الكثيرين ما معنى أن يؤم رئيس الشؤون الدينية التركي صلاة الجمعة في آيا صوفيا حاملاً السيف بين يديه ؟!
فهذا الأمر له مغذي عند الأتراك.
أن استخدم ” السيف” في الثقافة واللغة السياسية التركية إشارة إلي إبادة المسيحيين والأرمن ويطلقون علي الناجين من المذابح التي إستهدفت بشكل رئيسي الأرمن واليونانيين والآشوريين في الأمبراطورية العثمانية، ” بقايا السيف ” وهي العبارة الأكثر إزدراء والتي تحمل معاني كثيرة من الكراهية والبغضاء وهي إهانة شائعة الاستخدام في تركيا.
حيث إن حمل السيف لا يهين الضحايا والناجين من المجازر فحسب، بل فيه تهديد أيضاً لسلامة المسيحيين المتواجدين في تركيا، الذين يتعرضون بصفة مستمرة لضغوط عديدة.
كما أن حمل السيف له رمزية حيث يقلد الخطيب سلطانه محمد الفاتح، الذي كان يخطب بالناس أثناء صلاة الجمعة حاملاً بيده سيفاً في رسالة تبث الخوف في قلوب الأعداء.
وتعدّ “آيا صوفيا” تحفة معمارية، شيّدها البيزنطيون في القرن السادس كاتدرائية مسيحية، وكانوا يتوّجون أباطرتهم فيها، لكن بعد نحو 900 عام من استخدامها ككنيسة، استولى عليها العثمانيون، وحوّلوها إلى مسجد حتى عام 1934م، ومنذ ذلك التاريخ لم تُقم أي صلاة جماعية في “آيا صوفا” منذ تحويل الموقع إلى مُتحف.
قد أُدرِج الموقع على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، عام 1985م ، وهو واحدٌ من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول. وفي العاشر من يوليو الجاري، وافق مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية في تركيا، على طلب جمعيات عدة بإبطال القرار الحكومي الصادر في عام 1934، والقاضي باعتبار الموقع متحف، الحكم كان متوقعاً لأنه كان يحظي بدعم وتأييد أردوغان .
أن آيا صوفيا ليست غنيمة أردوغان، إنها ملك للإنسانية، وتمثل إرثاً حضارياً للعالم. في تقديري الشخصي إن تغيير وضع آيا صوفيا فيه إعتداء على الحريّة الدينيّة، وسيتسبّب في دعوة للفرقة بين الشرق والغرب، ولا ينسجم مع تقاليد الشراكة الإنسانية والتقارب والتعايش المشترك، والتواصل بين الشعوب والحضارات، ويجب المحافظة على هذه المعلم وصونه من أية تجاوزات أو انتهاكات تطال مكانته وقيمته التراثية الحضارية الإنسانية، وذلك احتراماً وصوناً لكل القوانين والمعاهدات الدولية، التي تعنى بحفظ وحماية المعالم المدرجة على قوائم التراث العالمي.
لقد آثار أعلان أردوغان تحويل مُتحف آيا صوفيا إلى مسجد، موجة انتقادات في الخارج لهذه الخطوة لأنه يمسّ القيمة العالمية لهذا الصرح. يلعب أردوغان علي مشاعر البسطاء من شعبه وعلي مشاعر شعوب أخري في محاولة منه إحياء حلم ما يسمي دولة الخلافة العثمانية ، علي الرغم من أنهم لم يضيفوا شيئاً للإنسانية بل علي العكس دمروا وخربوا البلاد التي احتلوها واستولوا علي مقدّراتها.
ويحاول أردوغان استغلال آيا صوفيا لكسب شعبية في ظل تراجع شعبيته السياسية، ولجعل الناس ينسون الوضع الاقتصادي المتدهور حاليّاً نتيجة ازدياد معدلات البطالة والتضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية لمستويات غير مسبوقة ، وقريباً جداً سيثور الشعب التركي عليه وعلي نظامه الديكتاتوري وعلي سياساته الخاطئة التي أثرت علي تركيا والعالم بأسره ، وإن غداً لناظره قريب. لذلك نناشد المجتمع الدولي بفرض عقوبات اقتصادية علي تركيا، لحين التراجع عن هذا القرار الخاطئ ، والحفاظ على وضع آيا صوفيا القانوني، وطبيعته المعمارية والإنشائية.
وحمايتها واجب علي الجميع. كما يجب التصدّي لأطماع أردوغان التوسعية والنهج السلبي له في منطقة الشرق الأوسط.
مسجد قصر الحمراء (في إسبانيا الحالية)، شيده الملك أبو عبدالله محمد الأول بن الأحمر في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي والذي يعد واحداً من أجمل الآثار الإسلامية وقد تعرض لهدم بعض أجزاءه عند سقوط الاندلس 1236، وتحويله لكنيسة “سانتا ماريا” جنوب العاصمة مدريد.
* مسجد قرطبة الكبير (إسبانيا) أمر بتشيده الملك أبو عبدالله محمد الأول بن الأحمر عام 754، وأفتتحه الأمير عبدالرحمن الثالث للمصلين عام 987 في مدينة قرطبة، ثم تم تحويله إلى كاتدرائية “مريم العذراء” بعد سقوط الأندلس.
* مسجد باب المردوم في طليطلة (إسبانيا)، تم بناءه عام 999، وعند استيلاء ألفونسو السادس (ملك قشتالة)، على المدينة سنة 1085 تم تحويله إلى كنيسة “نور المسيح”، ثم تحول إلى مزار سياحي اسمه مسجد نور المسيح.
* جامع إشبيلية الكبير والذي افتتح للمصلين عام 1182م في عهد الخليفة أبو يوسف يعقوب وبقى كذلك حتى سقوط إشبيلية بيد ملك قشتالة فرناندو الثاني الذي أمر بتحويل الجامع إلى كنيسة “جيرالدا بسيفييا”.
هناك فارق بين مسجد شيده محتل، فلا يستحق ان يكون له ذكرا.. وبين كنيسة استولى عليها محتل وحولها الى جامع!