الثلاثاء , أبريل 16 2024
محمد توفيق جاد الله القباحى

مغسل كورونا يسرد وقائع ما حدث معه وزملائه أثناء تغسيل متوفى كورونا

حكي لي المغسل الرئيسي ذات يوم تم الاتصال به لتغسيل إحدى الحالات في المستشفيات التي كنا نتردد عليها , وعندما وصل عرف أن أولاد الحالة كانوا مصممون تماما على أخذ الميت وتغسيله في بيتهم .

وأصروا علي الخروج بحالتهم من المستشفى دون غسل .

وأصر مدير المستشفى  على تغسيل الحالة داخل المستشفى طالما أنها توفيت داخل المستشفى  حسب التعليمات . وأمام إصرارهم الشديد اضطر مدير المستشفى أن يستدعى الشرطة اثناء التغسيل .

وهنا جاء دور  المغسل الرئيسي لكى يغسل تلك الحالة , وكانت تلك الحالة لرجل وكان من المعروفين والمشهورين في بلدهم والكل يعرف له مواقف مع كل الناس في بلدته , فعند الغسل وجد أن أبناء الحالة جمعيهم واقفون معه في الغسل , وكان عددهم يزيد عن الأربعة , بل إنهم دخلوا الي الغسل بدون كمامات بدون جوانتات بدون آية مهمات وقاية من فيروس كورونا , فطلب منهم لبس مهمات الوقاية فرفضوا جمعيا أن يلبسوا آي مهمات  وقاية .

رغم أنه أكد عليهم أن هذا الفعل فيه خطر على صحتهم وعلى بيوتهم , رفضوا أيضا .

بل إنهم انكبوا على حالتهم وهم يبكون ويقبلونه في يديه ورجليه ورأسه وكل أجزاء جسمه , وهم يقولون من مات ليس نحن بأغلى منه يا ليتنا متنا نحن وبقى هو . إنه اغلى ما لدينا وهم في حالة حزن وشجن وبكاء ,

وتم الغسل وهم بملابسهم وكامل وضعهم بدون أية مهمات وقاية

المهندس محمد توفيق جاد الله القباحى

ومن مفارقات الغسل أن إحدي  المغسلات وهي تغسل سيدة في إحدي المستشفيات انقطعت عنها الكهرباء , وكان الغسل في الليل

فاضطروا لأن يدخلوا دراجات نارية الى داخل المشرحة لكى تكمل غسل الحالة ,

ورغم أنى حضرت ومارست عدد من مرات الغسل إلا أنى لم أر  مريض كورونا وأعراض المرض أمامي , بكل ما فيها من الم شديد , الم قبل  الموت  كورونا .

حدث هذا عندما اتصل بي صديق عزيز لدى وطلب منى أن أذهب إلى منزله وعرفت السبب إن له ابن عم مريض بكورونا محجوزاً عنده في شقته المقابلة لشقه مسكنه , حيث لا يوجد سرير له في العناية المركزة  وسوف يقومون بإخلاء سرير له بعد ساعات , فطلب مني أن أتابع  قريبه المريض حتى يجهز بعض أشياء لأطفاله , فذهبت ورأيت أعراض مريض كورونا أمامي .

النفس بسرعة وصعوبة و يتقلب على جنبيه لا يعرف كيف ينام ؟

النفس يعلو ويهبط باستمرار , يصرخ ويقول زود أكسجين رغم أن قياس الأكسجين بجهاز القياس في المستوى المسموح به ,  كل بضع دقائق يصرخ ويقول سوف أموت الحقوني ,

وأنا لا أدرى ماذا أفعل له ؟ التكييف شغال وهو يتصبب عرقا .

عملت له سوائل ينسونا وزنجبيلا , حتى جاءت الإسعاف وحملته إلى المستشفى ,  وعرفت بعد ذلك  عندما سألت عليه بأنه  اصبح ميت كورونا بعد دخوله المستشفى بساعات , فقلت في نفسى : ليتنى لم أره ولم أرى ألمه أمامي , فبكيته وحزنت لسماع خبر  موته وأخذت أدعوا له بالرحمة والمغفرة ودعوت لأهله ولأمه , لأني عرفت أن له أكثر من أخ قد توفى قبله بكورونا .

وحدث بعد ذلك ما لم يكن في الحسبان .

كنا في إحدي المرات نوزع بعض المساعدات على إحدي مستشفيات العزل في البلاد , وجاءني تليفون جعلني أتعصب وأحزن , فقال لي صديقي المغسل  : ماذا بك ؟ قلت له : إنهم في شغلي لم يتركوني في حالي , فقال : سوف أدعوا على من تنمر عليك ذلك الإنسان  المتسلق الذى يعتبر نفسه يفهم كل شيء في مهنته ويفهم آي شيء.

ودعا عليه أن يصاب بكورونا . وحقا فقد أصيب بكورونا ,  وكأن الدعوة قد أجيبت , ودخل مستشفى العزل  , وبل وأرسلت وزاره الصحة خطابا الى جهة عمله بقفل المكان وعزل كل الأفراد في العمل لمدة 15 يوما .

نفس المدة التي كان السبب في أنى أمكثها في منزلي عندما غسلت أول حالة ميت كورونا , واستمر في العزل مدة تجاوزت الشهر وأكثر .

رغم أنه كان يتحفظ تماما في تعاملاته مع الآخرين ولعل ما حدث  عبرة له لكى يعرف قيمة ما نقوم به في التغسيل . كنا قد بدأنا فى اواخر شهر رمضان الكريم  نغسل في أي وقت وفى القرى والمستشفيات لا يعوقنا أحد , وأصبحت صفة مغسل كورونا شرفا  تدخل به أي مكان وفى أي وقت , الكل يقدرك ويحترمك , وزاد الوعى لدى الناس وبدءوا يعرفون قيمه مغسل كورونا ,

لأن انسحاب المغسلين في القرى والنجوع أظهر من استمر في العمل  ومن انسحب من الغسل والتغسيل .   

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

التعليم ـ الرهبنة ـ الإدارة : محاور الأزمة ومداخل الإصلاح

كمال زاخرالإثنين 15 ابريل 2024ـــــ اشتبكت مع الملفين القبطى والكنسى، قبل نحو ثلاثة عقود، وكانت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.