الثلاثاء , أبريل 16 2024
مختار محمود

تربيطات جوائز الدولة!!

مختار محمود

متى تخلو جوائز الدولة التي تمنحها وزارة الثقافة من المجاملات والتربيطات والشللية؟ لا أعلم إن كان هذا السؤال ساذجًا أم لا، كما لا أعلم إن كان طرحُه يُعتبر إبحارًا ضد التيار أم لا، ولا أعلم أيضًا إن كانت الإجابة عنه سوف تُغيِّرُ واقعًا يستعصي على التغيير أم لا.

قبل الاستطراد والاسترسال في الإجابة عن هذا السؤال وغيره من الأسئلة والاستفسارات ذات الصلة، فإنه لا يجب أن ننسى أنَّ جوائز الدولة بتنويعاتها المختلفة: النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية لا تزال مثار جدل من المنتسبين إلى المشهد الثقافي أنفسهم، حيث يجمعون فيما بينهم على خضوعها للشللية والتربيطات والمجاملات الصارخة! وحتى لا يكون اتهامي بلا سند أو دليل، أو كلامي مُرسلاً لا تدعمه الحُجَّة ولا يُقويه البرهان، أحيلكم إلى المعركة التي وقعتْ قبل عامين بالتمام والكمال، وسبقت إعلان أسماء الفائزين، حيث كتب الشاعر الكبير حسن طلب متأسفًا: “وجدت نفسى على غير انتظار فى مواجهة جديدة مع الدكتور جابر عصفور؛ فقد رشحتنى وإياه لجنة الفحص لينالَ أحدُنا جائزة النيل للآداب فى التصويت الذى سيتم إعلان نتائجه اليوم بحضور وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم؛ ولعلنا لا نكون أجدر اسمين بين الأسماء الأخرى المحترمة التى لم يقع عليها اختيار اللجنة؛ ولكن هذا ما رأته اللجنة”، مضيفًا: “لن أستقبل غير ما أتوقع ويتوقع معى الجميع إذا ما تم إعلان فوز جابر عصفور بالجائزة اليوم؛ فأنتم تعلمون ما يدور فى الكواليس من اتصالات وتربيطات يكون لها الدور الحاسم فى منح الجوائز؛ وهو أمور يجيدها الدكتور جابر بمهارة لا تُبارى”، وبالفعل..لم يخب حدس الشاعر الكبير يومئذ، وذهبت الجائزة دون رضاها إلى صائد الجوائز جابر عصفور! وإن كان هذا دليلاً قديمًا، رغم أنه لا يسقط بالتقادم، فإنَّ هناك دليلاً أحدث، شاب جوائز هذا العام، ضمن شوائب كثيرة وعديدة، يتمثل في فوز أحد أعضاء لجنة التصويت بجائزة النيل، أرفع الجوائز وأغلاها معنويًا وماديًا.. فهل تحتاجون بعد هذا دليلاً؟ إذا كانت الإجابة: “نعم”، فسوف آتيكم بدليل ثالث، ولكن بعد قليل..فلا تذهبوا بعيدًا!!

إنَّ المتابع لجوائز الدولة التي منحتها وزارة الثقافة خلال جميع النسخ الماضية التي وصلت إلى النسخة الخامسة والستين هذا العام، سوف يدرك، دون عناء، مخاصمتها لكل من يحمل للإسلام راية، ليس هذا فقط، بل سوف تكتمل قناعته بأنها تعرف طريقها بسهولة ويُسر ودون معوقات، إلى كل من يُعلن عداءً صريحًا ومستحكمًا للإسلام، وهذا حدث، على سبيل المثال وليس الحصر، عندما تم منح المثير للجدل سيد القمني جائزة الدولة التقديرية، قبل أن يدبَّ الغضب في نفوس المصريين وصدورهم ويثوروا من أجل دينهم، ويتم سحب الجائزة منه بحكم قضائي مشهود، قبل اثني عشر عامًا! كان المصريون ينشدون في الوزيرة الحالية خيرًا، ولكن يبدو أن الأمواج داخل قلعة العلمانية المتطرفة في مصر، عاتية وعالية وقادرة على فرض كلمتها على الوزيرة، التي يهمها في المقام الأول الاحتفاظ بمنصبها، ولا يتم وصمها بأنها ضد التنوير المزعوم، وهي تهمة مطاطة تشبه “مُعاداة الساميَّة”، وخلال ثلاث سنوات لم تتمكن الوزيرة من تغيير هذا الواقع المؤسف، وبقيتْ جوائز الدولة على حالها أسيرة المنطق المعكوس والضمير الغائب، حتى صارت تُشكل في مُجملها عُدوانًا على المال العام، وفي حاجة ضروية ومُلحة لإعادة النظر في آلياتها، حتى لا تفقد معناها وجدواها بمرور الوقت.

إنَّ حرمان خريجي وأساتذة الأزهر الشريف هذا العام مثلاً من جوائز الدولة، أمر مؤسف ومخجل جدًا، رغم إنتاجهم الأدبي والعلمي الذي أبهر العالم، حتى غدا كثير من الأزهريين ضمن الفائزين بالجوائز الرفيعة من كبريات الجامعات الدولية والعالمية، وصارت أسماؤهم حاضرة وبقوة في أشهر المجلات العلمية وأعظمها شأنًا.

وضربًا للمثال وليس الحصر، فإنَّ الدكتور محمد أبو ليلة الذي قضى نحبه مؤخرًا، قامة علمية رفيعة المستوى والشأن والقدر، لا يضاهيها كثيرون ممن يحتكرون جوائز الدولة؛ فالرجل – رحمه الله- ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، ودرس في جامعات أوروبا، وصاحب مؤلفات مهمة ومؤثرة، وأشرف على عشرات الرسائل العلمية، ورغم ذلك لم تنعه وزيرة الثقافة عند وفاته، لأنه أزهري، ولم تفكر في تكريمه وتقديره بعد وفاته، وقِسْ على “أبو ليلة” الكثير والكثير من أكابر العلماء والأدباء النوابغ ممن تخرجوا في معاهد وكليات جامعة الأزهر الشريف، وحققوا السبقَ في مجالات أدبية وعلمية عظيمة.

أمّا الدفعُ بأنَّ الفائزين بهذه الجوائز، يتم ترشيحهم من جهات ومؤسسات للمجلس الأعلى للثقافة، فهو كلامٌ هابطٌ وكاذبٌ ومُتداعٍ؛ إذ ما أكثر المناسبات التي اختار فيها المجلس أسماء من خارج دائرة المتقدمين للحصول على الجوائز، وفي النسخة الأخيرة ذهبت إحداها إلى روائي توفاه الله منذ شهور.

وإخيرًا.. فإنَّ الإصرار على إقصاء فئات معينة من جوائز الدولة، وقصرها على فئة معروفة بأهوائها ونوازعها، وإخضاع هذه الجوائز لقواعد غير أخلاقية، أمورٌ يجب التوقف عندها مليًا، وتصويب مسارها فورًا؛ حتى لا يحصل من لا يستحق على ما لا يستحق، وحتى لا يحتل الصغار أماكن الكبار، فتلك، وأيمِ الله، إحدى الكُبَر.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

التعليم ـ الرهبنة ـ الإدارة : محاور الأزمة ومداخل الإصلاح

كمال زاخرالإثنين 15 ابريل 2024ـــــ اشتبكت مع الملفين القبطى والكنسى، قبل نحو ثلاثة عقود، وكانت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.