الجمعة , أبريل 26 2024
د. ماجد عزت إسرائيل

ثقافة اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ!!

  د.ماجد عزت إسرائيل

 إن البشر طوال تاريخهم على سطح الأرض، حاولوا أن يتكيفوا مع بيئتهم؛ واستغلالها فى أشباع حاجاتهم من أجل البقاء والاستمرار لأجسادهم ولأسرهم،ولذا نجد أن القدماء المصريون،اهتمواً بالموت مع كراهيتهم له وتعلقوا بالأمل في البعث بعد الموت،فقد كتبوا عنه:”الموت أمر بغيض يجلب الدموع والأحزان، ويخطف الرجل من بيته ويلقي به على كثيب رملي في الصحراء، لن نعود إلى الأرض أو نرى الشمس” كما أن الموت فى الثقافة العامة هو نهاية الحياة لأى نظام اجتماعى حى مثل الأجساد والجماعات والمجتمعات، الموت ينهى الفعل الاجتماعى والممارسات الاجتماعية، ولذلك نُظر إلى الموت فى ثقافتنا الشرقية، بإنه شر وقدر محتوم.

ومن فكرة أفلاطون عن “التدريب على الموت” إلى التحليل الوجودى لهايدجر،والذى كشف عن”الوجود نحو الموت”، وقد ساروا بعض الفلاسفة على نهج “أبيقور عن الموت” الذي كانت رؤيته عنه:” الموت هو لا شىء”، فإذا كان الموت مجرد لا شىء، ولا معنى له بالنسبة للحياة، فلن نستطيع أن ندرس الحياة من حدها، بل على العكس يجب أن ندرسها لذاتها، وحينها سيتضح معنى الحياة من داخلها.

وهذا الخط من فلسفة الحياة والموت عبر عنه الفيلسوف الهولندى باروخ سبينوزا (1632-1677م) “قائلاً:” الموت هو أخر ما يفكر فيه الرجل الحر”.

وقد كتب كيبريانوس (200-258م) أسقف قرطاجة إلى شعبه، حينما حدث فى  أبرشيته وبأ والذى حصد الكثيرين من أبنائه، فإنزعج البعض وحزن آخرين على الذين ماتوا، فكتب لهم أسقفهم رسالة تعزية حتى لا يهابون الموت، الذى يعتبره الجسر أو الطريق إلى الحياة الأبدية.

وقد لخص لنا نيافة الأنبا متاؤس رئيس دير السريان حاليًا، فى مقدمته لمقالة الراهب أباكير السرياني عن الموت حيث ذكر قائلاً:”الموت هو جسر ذهبى به ننتقل إلى عدم الموت وبرحيلينا من هذه الحياة الفانية ننتقل إلى الحياة الباقية، فالموت ليس هو نهاية بل بداية حياة أخرى، عبور ورحلة إلى الخلود إلى الحياة الأفضل”.

  وقد ورد بالكتاب المقدس قائلاً: “اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ…” (أم 18: 21). هنا نؤكد أن سليمان الحكيم يعطى فكرة عن أهمية اللسان عند توقف الحياة أو الموت؛ البركة أو اللعنة، التبرير أو الدينونة عليه. هناك حقيقة غائبة عن كثيرين فربما يتكلم البعض لمجرد الكلام، أو تسلية  أو شغل وقت الفراغ وكثيرا ما يخرج من الفم كلام لا يليق، بل وكثيرا  من هذا الكلام كذب أو افتراء باطل وربما يرتكبه من عامة الشعب أو من رجال الدين دون إدراك لقيمة اللسان.

ولقد حذرنا السيد المسيح قائلا: “إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ.” (مت 12: 36). ولقيمة اللسان ومكانته أفرد معلمنا يعقوب الرسول صفحات عدة عنه ووصفه بأنه عضو صغير يمكن أن يكون بركة “بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآبَ.” (يع 3: 9).

وأيضًا  “فَمُ الصِّدِّيقِ يَنْبُوعُ حَيَاةٍ…” (أم 10: 11). وكذلك يشكر القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات الله من أجله قائلاً:”ووضعت فيَّ موهبة النطق. وفتحت لي الفردوس لأتنعم. وأعطيتني علم معرفتك. أظهرت لي شجرة الحياة. وعرفتني شوكة الموت”.

ومن الممكن أن يصير لعنة “… وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ.” (يع 3: 9). وأيضًا “… وَفَمُ الأَشْرَارِ يَغْشَاهُ ظُلْمٌ.” (أم 10: 11). وكذلك ـ”اللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ.” (يع 3: 6).و “أَمَّا اللِّسَانُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا.” (يع 3: 8).

   إن اللسان هو أكبر أعضاء الإنسان ارتكابا للخطايا سواء من حيث النوع أو العدد. فيمكنه أن يتركب الكثير خلال اليوم الواحد نذكر على سبيل المثال السب والشتيمة أو الكذب أو خطية القسم أو الحلف “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ، لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ اللهِ،”(مت 5: 34). هنا نتذكر إنكار بطرس وخيانته لمعلمه في أقل من دقيقة قائلاً:«إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» وَبَعْدَ قَلِيل جَاءَ الْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: «حَقًّا أَنْتَ أَيْضًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ!»  فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ.(مت 26: 72- 74).

أو الشهادة الزور “لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.” (خر 20: 16).

أو عدم قول الحق أو تحوير الكلام . كما ورد على لسان السيد المسيح قائلاً:«إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يو 8: 32). أخيرًا،… للحديث بقية طالما في العمر بقية.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.