السبت , أبريل 20 2024
تمثال امنحوتب الثالث والملكة تى

اخناتون وفلسفة التوحيد .

بقلم : أحمد الدسوقى
عندما تولى أمينوفيس الثالث ” أمنحوتب الثالث ” حكم البلاد كانت مصر تتمتع وقتها بإزدهار لا مثيل له بل أنها كانت بالفعل إمبراطورية كبيرة تصل حدودها إلى آسيا وأواسط إفريقيا ، وتزوج أمينوفيس الثالث من الملكة القوية ” تى ” وفى العام الثانى عشر من حكمه ولد طفله الثانى الذى حمل اسم ” أمينوفيس الرابع ” والذى يعنى آمون السعيد .
تولى اخناتون الملك شريكا لأبيه ، وتزوج من نفرتيتى (الجميلة أتت)، وأقام معه فى طيبة ولكن منذ أن أصبح له شىء من الأمر بدأ يفكر فى الدعوة إلى عبادة الشمس واختار أحد مظاهرها وهو ” آتون ” الذى عبر به عن القوة الكامنة فى قرص الشمس ، وبعد ذلك بدأت كهنة آمون يحسون بالخطر الجديد الذى أخذ يهددهم ، ولم يمض وقت طويل على أمنحوتب الرابع فى طيبة حتى بدأ يشتد تعصبه الدينى ووقف فى وجه كهنة آمون وغير اسمه من ” أمنحوتب الرابع ” إلى اسم جديد لتأكيد صلته بمعبوده فأختار اسم ” أخ – ان – آتون “.

وقد عكف اخناتون على وضع أجمل النصوص والأناشيد والقصائد الشعرية الدينية لعبادة الإله الواحد خالق كل شىء وقد عقد كثير من المؤرخين مقارنات تحليلية بين نصوص الأناشيد وبين نص المزمور (باركي يا نفسي الرب.

يا رب الهي قد عظمت جدا مجدا وجلالا لبست.

2 اللابس النور كثوب الباسط السموات كشقة.

3 المسقف علاليه بالمياه الجاعل السحاب مركبته الماشي على اجنحة الريح

4 الصانع ملائكته رياحا وخدامه نارا ملتهبة

5 المؤسس الارض على قواعدها فلا تتزعزع الى الدهر والابد.

6 كسوتها الغمر كثوب.فوق الجبال تقف المياه.

7 من انتهارك تهرب من صوت رعدك تفر.

8 تصعد الى الجبال تنزل الى البقاع الى الموضع الذي اسسته لها.

9 وضعت لها تخما لا تتعداه.لا ترجع لتغطي الأرض

10 المفجر عيونا في الأودية بين الجبال تجري.

11 تسقي كل حيوان البر، تكسر الفراء ظماها.

12 فوقها طيور السماء تسكن ، من بين الاغصان تسمع صوتا.

13 الساقي الجبال من علاليه، من ثمر اعمالك تشبع الأرض.

14 المنبت عشبا للبهائم وخضرة لخدمة الانسان لاخراج خبز من الارض

15 وخمر تفرح قلب الانسان لالماع وجهه أكثر من الزيت وخبز يسند قلب الانسان.

16 تشبع أشجار الرب ارز لبنان الذي نصبه.

17 حيث تعشش هناك العصافير أما اللقلق فالسرو بيته.

18 الجبال العالية للوعول الصخور ملجا للوبار

19 صنع القمر للمواقيت الشمس تعرف مغربها.

20 تجعل ظلمة فيصير ليل ، فيه يدب كل حيوان الوعر.

21 الاشبال تزمجر لتخطف ولتلتمس من الله طعامها.

22 تشرق الشمس فتجتمع وفي ماويها تربض.

23 الإنسان يخرج الى عمله والى شغله الى المساء

24 ما أعظم اعمالك يا رب، كلها بحكمة صنعت، ملانة الارض من غناك.

25 هذا البحر الكبير الواسع الأطراف، هناك دبابات بلا عدد ،صغار حيوان مع كبار.

26 هناك تجري السفن، لوياثان هذا خلقته ليلعب فيه.

27 كلها أياك تترجى لترزقها قوتها في حينه.

28 تعطيها فتلتقط، تفتح يدك فتشبع خيرا.

29 تحجب وجهك فترتاع، تنزع ارواحها فتموت وإلى ترابها تعود.

30 ترسل روحك فتخلق، وتجدد وجه الأرض

31 يكون مجد الرب الى الدهر، يفرح الرب بأعماله.

32 الناظر إلى الأرض فترتعد، يمس الجبال فتدخن.

33 أغني للرب في حياتي، ارنم لالهي ما دمت موجودا.

34 فيلذ له نشيدي وأنا افرح بالرب.

35 لتبد الخطاة من الأرض والأشرار لا يكونوا بعد، باركي يا نفسي الرب، هللويا)

العهد القديم “إصحاح 104”.
ونظرا للتشابة بين أناشيد إخناتون وبين المزمور 104 من التوراة جعل بعض المؤرخين وعلى رأسهم “جيمس هنرى بريستد” وهو من أكبر المتشبعين لإخناتون والمعجبين به أن اخناتون هو أول من وحد الله فى العالم.
وفى السنة الرابعة من حكمه ذهب إلى المدينة الجديدة التى سماها ” آخت آتون” أى “مشرق آتون” وكان لإختيار هذه المدينة الجديدة عدة أسباب ومنها ، البعد عن اضطهاد كهنة آمون فى طيبة التى لم تكن صالحة لنشر دعوته ، أنها مكان بكر لم ينشر فيه أى دين من قبل وبالتالى تكون صالحة لنشر الدين الجديد ، أنها مكان متوسط بين البلاد وبالتالى يسهل عليه انتشار الدين الجديد .

وقد وضع اخناتون لوحات على جانبى النيل فى سفح النيل فى سفح الهضبتين الشرقية والغربية وبنى معبده وقصوره ومدينته الجديدة فى الناحية الشرقية من النيل ومكانها الآن على مقربة من قرية تل العمارنة وقد بناها على مقربة من بيوت العمال وأبناء الشعب البسطاء فى طابع ديمقراطى يعبر عن فكرة المساواة بين جميع المخلوقات أمام الإله الواحد ، كما أُلغيت أماكن “الحرملك” وهى الأماكن التى كانت مُخصصة للحريم فى قصور الملوك والنبلاء للدلالة على تأكيد حق المساواة بين الجنسين .

وقد استمر العمل فى إنشاء المدينة الجديدة عامين كاملين انتقل بعدها اخناتون ومعه عائلته ورجال قصره ومن تبعه من خاصته إلى تلك العاصمة الجديدة وقد أرادها مدينة جديدة فى كل شىء تعبر عن جوهر الفلسفة الآتونية فى التغيير والإنتقال من القديم إلى الجديد ، وقد حدثت تطورات هائلة فى فنون العمارة والنحت والتصوير فقد انكسر جمود القواعد الصارمة التى ظلت تحكم الفن المصرى القديم ، وحلت محلها ابتكارات جديدة تعبر عن اتجاهات واقعية ورؤية فنية جديدة تمجد فكرة “الحياة فى الحقيقة” وهى جوهر الفلسفة الآتونية.
ولم يترك الحكام المصريون أو الأمراء والزعماء الأسيوين المخلصون لمصر وسيلة من الوسائل إلا لجئوا إليها فأرسلوا الكثير من الرسل إلى الملكة الأم ” تى ” فى طيبة فأخذت بدورها تنبه ابنها وتحذره .

وبدأت المؤامرات على حياة الملك وكاد المتآمرون مرة من المرات أن يصلوا إلى أغراضهم لولا يقظة رئيس حراسه الذى أسرع للقبض عليهم وخشى اخناتون على حياته فأنزوى فى قصره .

وبالرغم من أن اخناتون فشل فى حركته وبالغ أعداؤه وفى مقدمتهم كهنة آمون فى القضاء على آثاره وعلى ذكراه اعتبروه ملحدا خارجا على الدين وقد كتب كثير من الباحثين فى هذا الموضوع لعلاقته الوثيقة بموضوع هام وهو نشأة ” التوحيد ” .
وكانت للديانة الآتونية بعض المبادىء ومنها ، كره اخناتون تصوير إلهة على صورة من الصور سواء كانت إنسانية أو حيوانية وجعله فقط قرص الشمس التى تعطى آشعتها – كان آتون هو الإله الواحد الذى لا شريك له وهذا لم يكن جديدا على الديانة المصرية القديمة ولكن الجديد هو تحريم عبادة آلهة آخرى فى الوقت نفسه – كان اخناتون هو الوساطة والرسول بين آتون والناس ولكن لم يمنع ذلك وجود كهنة لآتون سواء فى العمارنة أو فى البلاد الأخرى.
وإذا دققنا الفحص فى ديانة آتون لوجدنا أنها محاولة أولى للإتجاه نحو التوحيد ونحو التخلص
من عبادة آلهة متعددة فى وقت واحد ولكنها لم تصل إلى الكمال الذى وصلت إليه الديانات
السماوية فيما بعد .

وقد خطى اخناتون فى هذه الديانة خطوة وأضفى عليها معانى أوغل فى الروحية وأبعد عن المادية وأقرب إلى المذهب التوحيدى فيها إلى ما سواه فلقد جعل اخناتون من الشمس إلها ذا سيادة كاملة على العالم سيادة لا يشاركه فيها غيره وبعد أن كان إله الشمس يمثل بقمة هرم مرة وبقرص الشمس مرة أخرى وبقرص الشمس المجنح مرة ثالثة ظهرت صورة آتون تنشر الآشعة منه على هيئة يد مبسوطة على شئون البشر جميعا ومحى إسم ” آمون ” ليحل محله إسم ” آتون ” الإسم الجديد لإله الشمس الذى ينطوى العالم كله تحت سلطانه .
أخذت ديانة آتون انقساما كبيرا فى البلاد موقف العداء أو على الأقل موقفا سلبيا انتظارا لتطور
الأحداث وهكذا أراد اخناتون دينا عالميا يحل محل الدين القومى ، وكان أهم ما فيه بعد هذا
الإتجاه إلى الطبيعة بما فيها من جمال كامن وسحر خفى ونظام ولقد كان لهذا الإتجاه أثره فيما
بعد فى النتاج الفنى .

كما أظهر اخناتون نفسه انسانا يفيض عطفا لا فرعونا جبارا كما كان من قبل وثمة تمثال صغير غير تام الصنع لاخناتون نرى فيه هذا الفرعون قد جلس وابنته الصغيرة جالسه على ساقيه يقبلها وعلى الرغم من تلك الحرب القاسية الغاشمة التى شنت عى هذا المذهب بعد وفاة صاحبه ” اخناتون ” فلقد ظلت تلك الروح العاطفية تسود النفوس وأصبحت القلوب عامرة بالحب والإلهام كما عمرت بالخشية والندم والخوف من الإله

أحمد الدسوقى

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

لوبي باراباس الجدد ..!

لماذا لم يفكر هؤلاء الاشاوسه في نشر فيديوهات للأسقف مار ماري عمانوئيل ضد المثلية والبابا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.