الجمعة , مارس 29 2024
أحمد الشيمى

عنبر الباطنة

بقلم … أحمد الشيمى
لليوم الثالث على التوالى يداهمه المغص الشديد وكل وصفات زوجته من حلبه حصى وشيح وكمون وابتلاع ثوم قبل الفطار ذهبت سدى و فشلت ان تهون من الالم الذي كان يتطور ويتسع . هو ربما يتحامل انما يخشي القعود ، ولذلك كان لامحيص -في النهاية-من الذهاب الى الطبيب، وحين ذهب مرغما كان يعتقد انه بذلك ينهي هذا الامر العارض، لكنه- في الواقع- كان للتو بدا .
حوله الطبيب الى مستشفى الجامعه فى المحافظه وبعد التردد عدة مرات بطنه انتفخت وحار الاطباء فى حالته فنصح بالسفر الى القاهرة والعرض على اساتذة فى القصر العينى
استسلم واجر ارضه وباع بهيمته ولملم قروشه وصرها فى يد زوجته و احتفظ بالقليل منها لزوم السفر والعلاج وعلى الرغم من انهما كانا يدركان ان هذه الاجراءات هى الخراب المعجل بعينه الا ان اداركهم بانه ليس لديهم رفاهية الاختيار كان اوقع .
ذهب الرجل ولحق بالقطار المميز (اسما لا صفة ) وكعادة قطارات الصعيد ذاق الأمرين حتى عثر علي مكان يتقوقع فيه وما كاد حتى اغمض عينيه ودعا الله الا يذله بالمرض وان يعجل باحد الامرين شفاء او موت .
في الصباح اخذ دورة في عيادات القصر العينى الخارجيه ,وبعد الفحص ادخل الى العنبر فوجد نفسه بين العشرات من المرضي يستلقون على اسرة رثة ذات فرش بالية ومتسخة ، وبعد ان استوى على احد هذه الاسرة شعر انه لم يعد فى قدرته السيطرة على الالم وان الامرفاق مستوى التظاهر بالجلد فتاوة بعمق ثم بدا يصرخ طالبا النجده ولم يمضى وقت طويل حتى غاب عن الوعى .
استيقظ اخيرا وحين رفع جفنية تراى له ان احدا يجلس بجواره وينظر الي عينيه مباشره ، اراد ان يرفع يده فتبين له انها موصوله بانبوب المحلول فتسائل عن ماذا حدث واين هو ؟ فرد عليه الرجل الذى كان يجلس عند ساقه – بعد ان تحمد له بالسلامه – انت فى عنبر الحظ وتل السعادة الذى لا يختل !!
رفع نصفه الاعلى واسند ظهره للخلف ثم قال لمحدثه :
من انت ؟ وعن اى حظ تتحدث ؟
قال : انا فلان عمدة هذا العنبر وقد اكرمك الله مثلى ومثل هؤلاء الناس بمرض نادر مما يعنى انك اعتبارا من صباح الغد ستصبح مادة تعلمية لطلبة الطب وهذا فضل من ربك لو تعلمه عظيم
قال له : انا لا افهم شي مما تقول اما ان توضح لى الامر واما فالتبتعد عنى وكفى
رد عليه الرجل فى تبرم : اسمع يا صعيدى لا تدعى الغفله انت لاتعرف شي هنا وبدونى ستضيع فرصتك هباء ولذلك ساكتفى منك بالف جنية فى اليوم والباقى لك ..
توالت الأيام ولقد عرف بانه يعانى من مرض غريب و قاتل فى الكبد لكنه كان يتكسب فى اليوم الواحد بسبب هذا الداء اكثر مما كان يكسبه فى عام من الفلاحة فتمكن من استئجار شقة بحى السيدة زينب القريب من المشفى واحضر زوجته واطفاله للاقامه معه لكن فى نفس الوقت حالته الصحية كانت تسوء يوما عن يوم واصفرار عينيه اصبح ظاهرا للاعين
وبمرور الوقت لم يعد في حاجه الي سمسار يرشد الطلبه عن حالته فقد ذاع صيته واشتهر في محيط مجتمع القصر العيني كما انه اصبح مادة للتندر اذ انه استطاع بذكائه الفطري ان يتوصل الي اشارات سرية يرسلها للطلبه اثناء الاختبارات علي حالته لكي يفهموا منها ماهي العلامات الحيوية التي يجب ان يهتموا بها مثل ان يشير باصبعة خلسة لموضع معين في جسمه يستوجب فحصه او ان يهمس في اذن الطالب ( الاظافر) حتي يتحقق من تغيرات في شكلها اولونها تدل علي تطور المرض حتي اطلقوا عليه لقب ( برنس الباطنة)
وذات يوم مر عليه احد الاساتذه وبعد ان اعطي تعليماته العلاجيه قال له هل اعجيك المقام هنا ام انك ترفض جراحة الزرع لانك امتهنت التجارة بمرضك … تعسا لها من سلعة ؟؟ الا تعلم انك ستموت حتما قريبا ان لم تجري لك العملية وحينها لن ينفعك احد تهتم به مها قُرب ولا مال تجنية من كثر ، اتقي الله في نفسك فانت محاسبا عليها ؟
وبعد ان غادر الدكتور تبعة الي الخارج.
وفي الطريق الي شقته حدثته نفسه في ان يعيد النظر فى خياراته ، لكنه عاد وتذكر ان هذا الدكتور الذي تحول فجاءة الي ناسك يملئ عليه النصح بتقوي الله ، ما هو الا منحط اخر في منظومة القذارة التي تحيط بكل شي ، علي الاقل هو لا يملك سوي هذا الداء الذي شاءت الاقدار ان يؤمن من خلاله شي لمستقبل أطفاله بينما يتاجر -الدكتور الناصح- بعلمه حين يمتص يوميا دماء الطلبه وزويهم في المجموعات الخاصة ويكاد يأكل لحم مرضي الأقاليم حين يرفع عليهم الفيزتا في عيادته ثم يحولهم دون مقتضي الي معامل اشعة وتحاليل هو شريك في ارباحها يبيع شرفه المهني وامانته حين يجامل ابناء زملائة في الامتحانات كي يجامل ابائهم يوما ابنائة ، يتاجر في كل شي يملكه ولا يملكة وياتي اليوم أمام الطلبة وفريق العمل ويقول قولته في اعجوبة الله الرحيم الذي جعل من ازمتي رحمة ، احتمال ان اعيش عام اخر او اقل لكن ان لجأت للجراحة قد اموت لحظتها او اعيش مفلسا وفي النهاية سيدركني الموت بأي حال مثلي مثل كل حي علي هذه الارض لذلك فقد حق لي ان اغتنم الفرصة واستخلص املا من بين انياب هذا الواقع المحبط ، في نفس اللحظه التي استقر فيها على القرار كان يعبر شارع القصر العيني فجاءة سمع صرخات وصرير مكابح سيارة فتسمر مكانه والتفت فاستحال كل شي صمت وظلام …
تمت

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.