الخميس , أبريل 25 2024
أنطوانى ولسن

هل المتأسلمون مصريّون ؟

كل منا له تجاربه وحكاياته وقرءاته في مصر ، بل وبعلاقاته مع الأخر إن كان هو مسلما أو مسيحيا .

لأني أرى في الحديث الصريح الواضح قد يخدم شباب مصر الحالي الذين هم في حالة من التأرجح بين ما يسمعونه عن علاقات المصريين بعضهم وبعض وكل منهم يؤمن بدينه دون أن يسيء لدين الأخر .

هكذا كنا ، وهكذا يجب أن نعود إلى ماكنا عليه من مودة ومحبة وإخلاص لبلدنا جميعا مصر .

أعود إلى الماضي الذي عشته في مصر ولربما تأخذني الذاكرة إلى ما يمكن أن أكون قد كتبت عنه من قبل من باب الحكايات .

المرحوم أخي صدقي في صغره كان معروف عنه شقاوته بين من في سنه ومحبة شباب الحي له لشجاعته . ذات يوم دق جرس المنزل فقامت المرحومة أمي بفتح الباب وكان الطارق جارتنا والدة سعيد ، عن نفسي عرفتها . كانت غاضبة ، لكن بكل أدب وإحترام بدأت تشتكي لأمي ضرب أخي لأبنها سعيد .

ببساطة قلب أم محب سألتها عن من تكون هيّ وأبنها سعيد ؟ مما جعل الجاره تتعجب فأجابتها أنا جارتك يا ست أم ولسن .

أتذكر جيدا على الرغم من مرور كل تلك السنوات العظام ، أن أمي بعدما سمعت منها أنها جارتنا مدت يدها وأمسكت بمعصمها قائلة لها بالحرف الواحد ” أهلا حبيبتي تعالي نشرب القهوة وماتخافيش على الولاد ، يتخنقوا ويتصالحوا .

لكن أنا سعيدة إني تشرفت بمعرفتك .

سامحيني إنتِ عارفه الأولاد ومطالبهم ” .

تفضلت الست أم سعيد بالدخول وجلست مع أمي ودار بينهما أحاديث وأحاديث استمرت لسنوات عديدة وكل منهما تسأل عن الأخرى في محبة وإحترام .

وكان هذا أول درس تعلمته من أمي في معنى الجيرة ومحبة الجار والذي شاركتها فيه جارتنا خالتي أم سعيد وديانتها مسلمة ولم تحدث خلافات بين سعيد وصدقي شقيقي.

كان هذا في أواخر الأربعينات من القرن الماضي والذي استمر حتى تركنا المنزل رقم 18 شارع السندوبي بشبرا مصر .

في عام 1951 بدأت الدراسة الثانوية للسنة الأولى ثانوي بمدرسة ” الأمير فاروق ” بالترعة البولاقية .

جاء جلوسي في أخر الفصل وكان جاري أخي وشقيقي الذي لم تلده أمي ولم ينجبه أبي بل و شقيقي في الوطن مصر المرحوم محمد عبدالله الخولي ، لأن الصفوف الخلفية كانت ” للطوال ” وكنا بالفعل طوال القامة والمحبة وإحترام كل منا للأخر إلى أن وصل الحال بنا إلى تعارف العائلتين فأصبح لي شقيق ووالدة ووالد عم عبدالله على الخولي إمام مسجد الحي .

فهل يوجد إمام مسجد له نفس صفات ذلك الرجل الذي لي مع عائلته أجمل ذكريات مصر ممثلة في شخصه وفقهه ومحبته ومعرفته لما بين يديه من قرآنه الكريم ؟؟!! .

لا أظن !. لو أخذتكم في جولة من ذكرياتي في مكان أخر من مصر .. فليكن المكان بلاد النوبة التي أخذت مصلحة الأحوال المدنية على عاتقها عملية تهجير أهل النوبة إلى مركز كوم أمبو محافظة أسوان .

تصادف أن وقت وجودنا هناك كان مع بداية شهر رمضان ، وأهل النوبة جميعهم مسلمين ، والذين معي من الزملاء مسلمون ما عدا فايز وأنا .

وكان الفنان النحات المسيحي أحد الموجودين في أول قرية توجهنا إليها .

لم أعط للموضوع إهتماما كبيرا .

لكن حينما جاء وقت الغداء فوجئنا بعمدة القرية يدعونا وكل من هو غير صائم إلى الطعام .

بالفعل كان الطعام جاهزا وانضم إلى ثلاثتنا زميل مسلم لم يصوم ويبدو أنه كان متوترا لتركه زوجته وأولاده في أهم أيام السنة ، شهر رمضان . تنقلنا بين قرى النوبة .

بقينا في بعضها ثلاثة أيام ، وفي البعض الأخر من القرى مدة أسبوع .

فكانت نفس المعاملة للمسيحيين والمسلمين غير الصائمين . حدث في إحدى القرى أن ضرب الزميل المتوتر الأعصاب خفير العمدة ولم أكن موجودا وقت ما حدث ، وكنا قد إقتربنا إلى موعد الأفطار .

جاء وقت الأفطار ولم يرسل العمدة طعام الأفطار .

إنتظرنا قليلا وأقترح البعض أن نخرج طعامنا الذي اشتريناه ومنعنا العمد وأهل القرى من استخدامه كرما ومحبة منهم .

سألت الزملاء إن كان أحدهم لديه فكرة لما يحدث . فكانت الأجابة من أكثر من واحد أن الزميل ضرب خفير العمدة كما سبق وأوضحت .

طلبت من الزملاء البقاء في أماكنهم وتوجهت إلى دار العمدة

استقبلني الرجل بوجه فيه شكوى . قلت له أنني هنا لأشكرك وأشكر أهل القرية على كرمكم ، وأننا سوف نستخدم ما معنا من أطعمة .

نهض الرجل واقفا مستسمحا وبدأ يقص عليّ ما حدث . لم أجعله يُكمل وقلت له وصلني الخبر وعرفت السبب أن الخفير لم يحترم الزملاء وأراد تخطي الطابور ومعه أحد أقاربه وهذا بالطبع شيء ممنوع سواء كان خفيرا للعمدة أو العمدة نفسه.

أدرت ظهرى وههمت بالعودة ، فإذ بالرجل ينهض من جلسته ويمسك بيدي طالبا منى أن أتفهم الموقف أمام أهل القرية .

كان ردي بسيطا إذ قلت له كان يجب عليك أن تأتي مع الخفر الحاملين للطعام وخاصة نحن في شهر رمضان وتخبرني بكل ما حدث أمام الجميع !.

شعر الرجل بالخجل وأمر بإحضار الطعام وسار معي معتذرا للجميع .

المضحك هنا أن شباب القرية أصروا على عدم بيع السجاير للزميل ، والتجارة عن طريق ” الفلوكا ” فكنت أضاعف طلبي وأتقاسم معه حتى انتهت فترة بقاؤنا بالقرية .

لم يمتنع أهل القرية عن تقديم الطعام للزميل فايز المسيحي وأنا والزميل المسلم الغير صائم في أوقات الصباح والظهيرة والعشاء . ولم نكن نُحرم من المشاركة وقت الأفطار والسحور .

ما أجملكم يا أهل النوبة .

عظمتكم من عظمة الفراعنة واليوم آتي لتعود مصر لأهلها من المصريين مسلمين ومسيحيين ومن كل دين أو مذهب أو ملة للتقدم إلى الأمام . هذا هو المسلم الذي تسلم الناس من يده ولسانه . نأتي إلى المتأسلم الذي لا يسلم الأنسان من يده ولسانه .

صُدمت في زيارتي لمصر عام 1991 بهذا الكم من التغير إلى الأسوأ . ا
لعالم يتقدم ومصر تتخلف بصورة مذهلة وغير متوقعة . الناس تغيرت ، الوجوه تغيرت ، مفردات الكلام تغيرت ، عدد الناس في ذلك الوقت بالطبع تغير إلى اللامعقول ، العلاقة الحميمة بين الناس لم يعد لها وجود ، الثقة في المعاملة والتعامل تكاد تكون في ذلك الوقت معدومة .

رجال لم نتعود على رؤيتهم يرتدون الجلباب القصير الأفغاني وسروال ، الذقون الطويلة ، ” الذبيبة ” تعلو الجباه وكلما كبر حجمها هاب الناس صاحبها ، المرأة تحجبت وأصبح للحجاب أشكال وألوان ، لن أتكلم عن المنتفبات ولن أدخل في جدال حول ما يرتديه الرجال أو النساء في مصر .

لكن الذي أحزنني كثيرا الوجوه العابثة وغياب روح المرح التي كان يتميز بها المصري . كمية الكُره للأخر المسيحي أو من يتبع مذهبا أخرا من المسلمين .

تشعر وأنت سائر في الطريق أنك تسير بين أشباح متحركة لا هم لها سوى المظهر الخارجي ولكنها بعيدة كل البعد عن الأنسان الآدمي الحي . كان من الطبيعي لم أر عم عبدالله إمام المسجد ولا من الأصدقاء والجيران .

بدأت أبحث عن أخي المصري وأختي المصرية بغض النظر عن إنتمائاتهم الدينية أو العقائدية . بإختصار أُصبت بكآبة ولم أعد أرغب في البقاء في القاهرة ، ومع الأسف تكرر نفس المشهد ففضلت البقاء بعيدا عن الشارع محاولا تجفيف دموعي وأنا أردد مع شادية ” يا حبيبتي يا مصر ” .

سألت الناس ونفسي عن ما حدث لمصر !.

وإكتشفت أن رئيس مصر قد بدأ يبتعد عن الشعب المصري . وحلت محله الجماعات المتأسلمة التي أخذت وبشكل غير مألوف الهيمنة على عقول الناس وتجنيدهم لمصالحهم الشخصية كل جماعة وأهدافها.

لا أخفي عليكم أنني شعرت بالرهبة والخوف . الرهبة والخوف ليس من تلك الجماعات ، لكن من نفسي . نعم من نفسي فلم أعش في مثل هذا الجو البغيض والبعيد عن ما كنا نعيشه كأسرة واحدة مهما إختلفنا التسامح كان هو شعارنا ومبدأنا وحياتنا .

تركت مصر وأنا حزين وأقسمت بعدم العودة مرة أخرى . لكن أصرت روحي أن تبقى في مصر ، وعقلي وجسدي في وطني الثاني أسنراليا .

مرت مصر بفترة من أخطر فتراتها .

إحتل مصر من أول الأسكندر الأكبر إلى الغزو العربي الأسلامي واجهت فيه تغيرات وتقلبات تهبط بمصر إلى قاع الهوان ثم سرعان ما تنهض مرة أخرى، تعود للهبوط مرة أخرى ثم تنهض وفي كل مرة لم تتخطَ مصر حاجز التأخر والتخلف إلى أن إستقل بمصر محمد على باشا وأنفصلت عن الخلافة العثمانية التي أذلت الشعوب التي تحكمها .

ظهرت جماعة الأخوان المسلمون عام 1928 على يد مؤسسها الشيخ حسن البنا وبدأت فكرة عودة الخلافة تطفو على سطح الأحداث ويكون لها تأثير واضح في مجريات الأمور في مصر إن كان التأثير سياسي أو ديني .

أصبح للجماعة تنظيم يسعى ويعمل على الوصول إلى الحكم مهما كلفهم ذلك من تضحيات .

إستمر ذلك الأمل يراودهم ولم يكلوا أو يملوا ، بل أخذهم هذا الأمل إلى التعامل مع الشيطان للوصول إلى سُدة الحكم في مصر والتي ستكون المقر الذي سينتشرون منه إلى العالم أجمع ، وأصبح قول الغاية تبرر الوسيلة هو كتابهم المفضل والذي يتّبعونه في معاملاتهم وأعمالهم داخل مصر حتى وصولهم بالفعل إلى سُدة الحكم في 30 يونيو 2012 .

أعطاهم الشعب الثقة ، البعض أخطأ وأراد الأبتعاد عن حكم العسكر . ماذا فعلوا بمصر والشعب المصري ؟ كلنا نعرف ماذا حدث .

وكلنا عشنا ومازلنا نعيش حالة التوتر بعد عزل الرئيس . لكنهم مازالوا يهددون ويجتمعون في الخارج ويطالبون الغرب ” الكافر ” في نظرهم لقتال المصرين بعد أن فشلوا في تحقيق حلم إسرائيل والسيد العبد لله تعالى الرئيس باراك حسين أوباما الذي في رقبته وأولاده دماء الأبرياء الذين قتلوا لتمكين الأخوان السيطرة الكاملة على منطقة الهلال الخصيب .

وها هي مصر تعيش على صفيح بركان ساخن . وإصرار الأخوان على خراب مصر وليس إعمارها ليحققوا ما بدأوه من بيع مصر لمن يدفع لهم . وطوز وألف طوز في مصر والشعب المصري .

فهل المتأسلمون سواء من الأخوان أو غيرهم حقا وفعلا مصريين ؟؟!!.

أترك لكم الأجابة ******* لقد سبق ونشرت هذا المقال في شهر سبتمبر عام 2013 . ومع ذلك بعد إنتهاء التصويت لإنتخاب الرئيس رقم 7 لعام 2014 وعلى الرغم من الأنتظار للنتائج النهائية وإعلان المشير عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر .

رأيت أن أذكر الشعب المصري والقاريء المصري والعربي بما مرت به مصر والشعب المصري من أحداث جميلة وأحداث لا تشبيه لها إلا أنها أحداث الخيانة فيها واضحة وضوح الشمس في الظهيرة .

أرجوكم بكل تأنى وبكل ثقة لا نهتم بمهاترات الخونة أعداء مصر من الإخوان وأمثالهم ونضع الثقة في إختيار الله لمصر رئيسا لا شك في حبه لمصر والشعب المصري ونمد أيدينا له ونشجعه على ما هو مقدم إليه من مشاق حقيقية سوف تواجهه لإعادة مصر إلى ما كانت عليه من محبة وتآخي وعمل جاد مثمر . والله الموفق

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.