السبت , أبريل 20 2024
فريد بشارة

مصرى فى الحى اليهودى

شاءت الاقدار حينما كنت قادما جديدا لكندا أن تتعطل سيارتى بسبب تساقط الثلوج بكثافه أثناء احدى العواصف الثلجيه فتوقفت سيارتى غرسا بالثلوج ، وكنت فى منطقه قريبه من شارع باثيرت وهو الشارع والمنطقة المحيطة به التى طالما اشتهر بأن معظم الجالية اليهودية بكندا يقيمون به وحوله ، وهو يمتد من وسط بلدة تورنتو شمالا ، حاولت إخراج سيارتى من الثلوج العالقه بعجلاتها الأربعه بلى جدوى .

أدرك أهل المنزل أن سيارتى قد توحلت أمام منزلهم فاغلقت المدخل الخاص بهم وتطوع احدى أفراد أسرة هذا البيت لإزالة الثلوج لمساعدتى أو لإزاحة سيارتى من أمام الطريق الخاص بمدخل منزلهم ، أدركت أن أهل هذا المنزل من الجالية اليهودية حيث وضعوا نجمة داود على مدخل المنزل كما يفعل الكثير منهم فى هذا الحى اعتزازا

اخيرا نجحنا فى اخراج سيارتى وافساح الطريق وتقدم رجل كاهلا من داخل نفس المنزل واقترب الرجل ويبدو أنه ادرك ان ملامحى عربية فحيانى وقال لى مبتسما من اى بلد اتيت قبل كندا قلت له انى مصرى فقال لى وأنا ايضا مصريا صمت للحظات مندهشا وانا انظر واتطلع لنجمة داود على جدران منزله فقطع الرجل اندهاشى وقال أنه مصرى تريى فى حى السكاكينى فى احدى المدارس الفرنسية ، وكان أبوه رجل يعمل محاسب حر كان يمتلك مكتبا خاصا بشارع ابراهيم بحى مصر الجديدة ، وبعد قيام الحرب انتقل إلى كندا ولم يفضل الانتقال إلى تل أبيب بل أنه لم يزورها طوال حياته .

رايت فى وجه الرجل اعتزازا كبيرا بمصريته واشتياقا كبيرا فحكى لى ذكريات جميلة وماضى أجمل قد عاشه فى مصر قال لى كم اتمنى يوما العوده لمصر ولكن لا اعتقد أن فى العمر بقية حتى أن احلم بزيارتها فالراجل كهلا يتكلم ويتحرك بصعوبة بالغة قال لى أنه قد اقترب أن ينهى عقده التاسع من العمر.

وهنا تذكرت هؤلاء المصريين الفاريين الى تركيا وغيرها الذين طالما خرجوا علينا مهاجمين لبلدهم مصر فأين هؤلاء الناس من هذا الرجل المصرى اليهودى الذى يتكلم أمام احفاده والجميع بكل اعتزاز وفخر مرددا أنا مصرى أنا مصرى .

الرجل رفع مستوى الحديث بيننا فنحن مختلفون دينيا وسياسيا فلم يتكلم الرجل فيما نختلف بل تكلم فيما نتفق عليه وهو أننا مصريون نعيش بكندا قد اجتمعنا على حب مصر بل أين هذا الرجل من بعض هؤلاء المصريين فى المهجر المهاجمين لبلدهم الذين طالما يسخرون من بلدهم ويقللون من شأنها .

وهنا تذكرت ابياتا جميله لأمير الشعراء أحمد شوقى قال فيها الدين للديان جل جلاله لو شاء ربك لوحد الأديان نعم سيدى أمير الشعراء انحنى احتراما لك ولكن حتى لو وحد ربك الأديان لوجدنا الاف الناس يختلفون حتى داخل الدين الواحد بل يتناحرون وقد يصل الاختلاف بينهم الى حد القتال احيانا ،وكما قيل قديما وللناس فيما يعشقون مذاهب .

فقد جاءت الأديان باختلافها رحمة للإنسان ولحكمة آلهية فليس الحل فى توحيد الأديان والمذاهب بل الحل يكمل فى احترام الآخر واحترام الاختلاف وأن نتعلم جميعا أن الاختلاف لا يفسد للود قضيه .

جاء اختلاف الأديان رحمة للإنسان ثم جاء الإنسان ليفسد كل شئ ليستخدم الدين نفسه ضد الإنسانيه فاصبح موضع للخلاف والكراهية .

أن القيم الإنسانية جاءت قبل وجود شرائع سماوية مكتوبة لتنظم الحياة بين الناس فمن أين عرف الإنسان الخير والشر قبل وجود شرائع سماوية مكتوبة باختلافها عرفها بإنسانيتة وتميزه الطبيعى وعقله .

فمن اين عرفنا أن قايين قاتل أخيه هابيل قد ارتكب خطيئه القتل ولم يكن وصية مكتوبة تقول لا تقتل .

بل من أين ادركنا أن يوسف الصديق كان أمينا ولم يكن وصية مكتوب تقول لا تزن.

وكيف كان ينظم الانسان علاقاته ومعاملاته قبل الأديان والشرائع لقد أدركنا كل هذا من خلال شريعة الانسانية ومن خلال التميز الطبيعى للعقل البشرى لقد جاء الانسان والانسانية ثم جاءت الاديان لوضع شرائع مكتوبة تحكم وتعلم الإنسان وترتفع أكثر بإنسانيته ومن أجل الإنسان لا لتكون موضع خلاف أواختلاف او كراهية .

أنا الإنسان هو أعظم كائن فى البشرية قد كرمه الله ورفعه على جميع الكائنات وخلقه على صورته ومثاله فكيف لنا بعد أن كرمه الله أن نقلل منه أو نحتقره حتى لو اختلفنا مع عرقا أو دينا أو حتى لونا .

علينا أن ندرك ان كل أحد يحترم دينه فعابد البقر ( الهندوس) أو عابد الحجر الذى ينحت له حجرا ليعبده يحترم دينه كما نحترم نحن أدياننا بل علينا ان نترك كل إنسان وشأنه فحرية العبادة والمعتقدات حرية شخصية ولكن علينا نقيم الشخص حسب سلوكه ومعاملاته الشخصية والإنسانية مع المجتمع .

رحل هذا الرجل اليهودى المصرى كما رحل اليونانين والطليان والأرمن وغيرهم من الكثير من الجنسيات التى لجأت الى مصر ام للحماية أو لضيق الرزق فى بلادهم فى ذلك الزمان عاشوا فى مصر أثروا وتاثروا بمصر ذهبوا كل هؤلاء ليبقى خطاب الكراهية للآخر ورياح الصحراء الممزوج بتراب التعصب بل صار المجتمع مناخ من الخصومة المريرة والعداء والكراهية المسمومة للآخر فأصبح طاردا حتى للمصرى نفسه داخل وطنه .

فما أجمل وطننا حينما كان يتسع للجميع حينما كان يتنوع به كثيرا من الحضارات والثقافات والأديان والجنسيات يتقبل الآخر ودولة كانت متعددة الأطياف ملئ بالدفئ والرقى فكيف كان وطننا وكيف اصبح فالماضى كان أجمل كثيرا .

لم اكتب هذه الكلمات ليس باى هدف سياسى أو دينى فموضوعنا هو دفاعا عن الإنسان والإنسانيه فقط واحتراما لكل اختلاف .

تحيه لكل إنسان يرتفع بانسانيته على أى أختلاق فى الدين أو العرق أو اللون أو الجنسية أو اى أختلاف اخر بل اكتب هذه الكلمات حبا واعتزازا لوطن نتمنى له كل الخير ليصبح كما كان وأعظم مما كان

ولتحيا مصر بالحب والسلام

فريد بشاره

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

لوبي باراباس الجدد ..!

لماذا لم يفكر هؤلاء الاشاوسه في نشر فيديوهات للأسقف مار ماري عمانوئيل ضد المثلية والبابا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.