الثلاثاء , أبريل 16 2024
مختار محمود

وداعًا..عصفور النيل

مختار محمود

لا شماتة في الموت؛ فكلنا راحلون كما قال القرآن الكريم: “إنك ميت وإنهم ميتون”. من أجل ذلك وغيره.. فإنَّ الشماتة في موت وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور مراهقة مرفوضة وخروج عن الجادَّة وسلوك مِعوَّج يجب تقويمه عند كونسلتو مُعتبر من أطباء الأسنان العظام.

مَن جَهل أقدار الرجال فهو بنفسه أجهل.

والدكتور “عصفور” صاحب مقام رفيع بين أهل الثقافة، ولو كانوا منصفين لأقاموا له مقامًا داخل المجلس الأعلى للثقافة؛ باعتباره قلعة العلمانية المتطرفة في مصر؛ يلتمسون منه البركات والنفحات؛ فمثل “عصفور” – وإن رحلوا جسدًا- فإنهم بعطائهم وفكرهم وكتاباتهم باقون مُخلدون.

ولمَن يغمزون في الراحل العظيم..فإنَّ “عصفور” واحد من أبرز النقاد والمفكرين فى الوطن العربي، وهو صاحب مدرسة علمية عظيمة في العقلانية والدرس الأدبي والفكري، كما إنه يحتل المكانة الرفيعة ذاتها في تجريح الإسلام وإثارة غضب أتباعه المعتدلين غير المؤدلجين.

تبوأ “عصفور” مناصب رفيعة؛ فكان أستاذا بكلية الآداب، وعضوًا بمجلس الثقافة والتنوير بجامعة القاهرة، ومؤسسًا ورئيسًا للمركز القومي للترجمة، وأمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، ووزيرا للثقافة، ليس مرة واحدة بل مرتين، ولعل من أبرز منجزاته فترتي استوزاره غضبه الشديد عندما علم باستبعاده من الوزارة واعتصامه بمكتبه، كما يفعل الطفل الصغير عندما تنتزع أمه منه مصاصته أو لعبته.

أثرى “عصفور” المكتبة العربية بعظيم المؤلفات وأروعها مثل: “الهوية الثقافية والنقد الأدبي”، “أوراق ثقافية”، “قراءة التراث النقدي”، “آفاق العصر”، و”هوامش على دفاتر التنوير”، كما كان حاضرًا بقوة في الصحف السيارة والمجلات العربية التي تدفع بالدولار، ولعل مقاله بـ”الأهرام” المعنون بـ”كلنا إسلام بحيري”، الذي أعلن من خلاله تضامنه مع المخرف “إسلام بحيري” دليل كبير ودامغ على مساندته الشباب ودعمه تخريج جيل جديد من التنويريين يكملون رسالته الرشيدة.

وخلال مسيرته الحافلة التي بلغت 55 عامًا منذ تخرجه في كلية الآداب..اتبع “عصفور” نهجًا عظيمًا في اقتناص الجوائز الرفيعة المحلية والعربية كان آخرها قبل عامين عندما نال جائزة “النيل”، وهو ما دفع صديقه الشاعر الكبير “حسن طلب” إلى أن يصم “عصفور” بعد فوزه بهذه الجائزة بطريقة غير نزيهة بأنه “يسعى للحصول على الجوائز بأي شكل عن طريق التربيطات..فأنتم تعلمون ما يدور في الكواليس من اتصالات وتربيطات يكون لها الدور الحاسم في منح الجوائز؛ وهي أمور يجيدها الدكتور جابر بمهارة لا تُبارى؛ فقد قاتل الرجل لكي يتم ترشيحه للجائزة من الجامعات الإقليمية وبعض الهيئات والجمعيات الثقافية؛ بعد أن رشحت جامعته أستاذًا غيره، فتم له ما خطط له ورشحته خمس جهات؛ وإذا كان قد خاض هذه المعركة من أجل الترشيح الأوّلي؛ فلنتخيل ما الذي سيفعله في مرحلة التصويت الأخير”.

كانت لـ”عصفور” مواقف مشهودة في الذود عن الإسلام والمسلمين لا ينكرها إلا جاحد أو مراوغ أو ناكر للجميل، لعل أبرزها عندما وقف وحيدًا فريدًا وسط الميدان إبان أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم، معتبرًا إياها حرية شخصية لا تستدعي كل هذا الغضب والحماقة من جانب المسلمين.

كما قاد فقيد الثقافة العربية معركة عنيفة ضد المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن: “الإسلام هو الدين الرسمي للدولة المصرية”، ودعا إلى حذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية، وسعى إلى تقزيم الأزهر الشريف ولم يتوقف في خواتيم حياته الحافلة عن التحرش الدائم بالأزهر الشريف إمامًا أكبر وعلماء وتراثًا وجامعًا وجامعة؛ وهو ما جعله موضع احترام وتقدير من جانب التنويريين الجدد الذين اتخذوا قائدًا لهم وصنمًا يطوفون حوله، فكان رحيله المباغت بعد صراع من الحق صادمًا لهم ومروعًا لأفئدتهم التي تشبه أفئدة الطير.

رحم الله الدكتور جابر عصفور بقدر ما أعطى وناضل وكافح.. وغفر لمن شمتوا في موته؛ فإنهم لا يعلمون.

شاهد أيضاً

ليلة أخرى مع الضفادع

في ضوء احداث فيلم الوصايا العشر بشأن خروج بني اسرائيل من مصر التى تتعلق بالضربات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.