الجمعة , أبريل 26 2024

الإعرابي والشيخ .

بقلم : أنطوني ولسن / أستراليا
الجزء الأول …
كنت قد توقفت عن كتابة القصة أو الأقصوصة والرواية منذ فترة ليست بالقصيرة.
لكن ما يدور في العالم هذه الأيام أعاد إلي الرغبة في كتابة حكاية الإعرابي والشيخ
وبدأت التفكير في أحداثها .
ربما عزيزتي القارئة وعزيزي القاريء تجدا فيها الحقيقة أو تتفقا معي على أنها محض خيال .

وقد يجنح خيالي في السرد فتظنون أنها ” الحكاية ” حقيقة مؤلمة .
يُحكي أنّ إعرابيا ضاقت به الحياة .

لا أمطار ولم تعد مياه الآبار تكفي ولا يملك غير جمل وناقة وعدد قليل من الماعز . الجمل معروف أنه سفينة الصحراء يخدم صاحبه في البحث عن الحياة فيما حوله .

أما الناقة فهي بمثابة الأم التي تعطي دون أن تطلب لنفسها سوى القليل والقليل جدا خاصة بعد الجفاف وقلة المياه .

فجاء عطاؤها سخيا في قليل من ” اللبن ” لتستخدمه زوجات الإعرابي في إرضاع الأطفال أو صناعة ” الجبنة ” ، كذلك ” الماعز ” .
فكر الإعرابي في ترك ابنائه وزوجاته ويذهب بحثا عن الماء في أماكن أخرى من الصحراء ربما تقيه وعائلته شر المجاعة التي قد تؤدي إلى موت بطيء .
إمتطى الإعرابي ظهر سفينته ” الجمل ” حاملا معه القليل من الماء والخبز وتوكل على الله دون خطة ما في عقله .
قضى أياما صعبة في الصحراء دون أن يرى ولو بصيص من الأمل في وجود ماء في شكل واحة هنا ، وواحة هناك تتدفق فيها المياه ، فيترجل من فوق ظهر ” الجمل ” محاولا الوصول إلى الواحة .

لكنه يكتشف أن ما رآه ماهو إلا سراب فيرتمي على الرمال يائسا حزينا فهو لن يقدر على العودة إلى عائلته لبعد المسافة كما صورها له عقله للمعاناة التي بدأ يعانيها .
خارت قواه وهو فوق ظهر سفينته ” الجمل ” ولم يعد قادرا على الرؤية الواضحة أمامه في صحراء مترامية الأطراف وكاد أن يفقد الأمل في الحياة لشُح كمية المياه التي معه وقرب نفاذ ما تبقى معه من خبز .
إستمر الجمل في السير .

واستمر الرجل في معاناته يفقد الوعي ثم يفيق دون أن يعرف إلى أين هو متجه .

أو بالحري إلى أين ذاهب به الجمل .
بعد عدة أيام لا يعرف كم عددها بعد أن فقد الوعي تماما ، وجد نفسه في خيمة كبيرة وإلى جواره شيخ له وقار وهيبة .
زاغت عيناه في غيبوبة مرة أخرى . لكن الشيخ ومن معه من أبنائه إستطاعو أن يعيدوه إلى رشده فقدموا له الماء ثم الشراب الدافيء والطعام .
بقي على هذا الحال لعدة أيام بعدها إسترد عافيته ووعية واصطحبه الشيخ معه خارج الخيمة فكانت المفاجئة التي لم يكن يحلم بها ، وإن جاءته في الصحراء على شكل واحة لكنه سرعان ما اكتشف أنها سراب .
لكن هذه المرة رأي حقيقة لا سراب .

رأي المياه والأشجار والأطفال يلعبون ويمرحون في لباس يدل على الثراء وليس مثل ما يرتديه أبناؤه وبناته . النساء والرجال يسيرون جنبا إلى جنب سواء من يعرف بعضهما البعض أو عابري طريق ، فالواحة على ما تبدو له قد تكون مدينة أو قرية كبيرة .


استرد الإعرابي صحته بعد قضاء فترة زمنية في خيمة الشيخ الذي رعاه طوال فترة إقامته.
بدأ يحكي حكايته للشيخ وكبار رجال الواحة فمال قلب الشيخ ومن معه إلى الرجل ،
تشاور الشيخ مع كبارأهل الواحة فيما يمكن عمله لهذا الرجل وعائلته .
إنتهت المشاورات بعد الموافقة على رأي الشيخ الذي قرر إرسال من يعود معه من أبناء الواحة ذوي الخبرة بالصحراء بعد أن كان قد شرح لهم من أين أتى .
عاد الإعرابي مع من أرسلهم معه شيخ الواحة الى مكان معيشته ، وأخبر أزواجه وبقية أفراد العائلة بما حدث له وكانت الجمال محملة بكل الإحتياجات الضرورية لهم .
إستضاف الإعرابي من إصطحبهم معه من أبناء الواحة عرفانا بالجميل .

لكنه كان يفكر فيما رآه في الواحة وما يعيشه على أرض الواقع هو وزوجاته وأبناله .
همّ الرجال على الرحيل والعودة إلى الواحة ليخبروا الشيخ بما حدث وما رأوه من حياة صعبة للإعرابي وأهله .
في نفس الوقت فكر الإعرابي في إخبار من إصطحبوه بأمنيته في العيش معهم لو سمح له الشيخ . فأخبرهم بما يدور في عقله .
إبتسم أحدهم وسأله :


** هل أنت متأكد لما تتمنى ؟


** نعم .. هذا حلم لم أحلم به يوما . لكنني الأن أتمناه ولا أعرف كيف يمكنني الحديث إلى الشيخ لأخبره لما أتمناه لنفسي وعائلتي وأترجاه أن يسمح لنا بالعيش وسطكم وأعده بأننا سنكون خدما له ولأهل الواحة .
ساد الصمت فترة وسأله آخر إن كان جادا فيما يقول . فكانت إجابته بنعم وأضاف أنه حلم لم يحلم به يوما ، وأمنية يخشى أن لا تتحق له ولأسرته .
ربت الرجل على كتفه وقال له :
** الشيخ قد أعطانا أوامره بأن نصطحبك وعائلتك معنا في عودتنا إلى الواحة إذا رغبتم في ذلك .
** نعم .. نعم .. نريد العيش معكم فكرمكم لن ننساه طوال حياتنا .
بدأت رحلة الإعرابي هو وعياله وزوجاته وجمله وناقته والعدد القليل من الماعز الذي يملكه إلى حيث سيعيش في واحة الشيخ مع أهلها.
في الواحة كان الشيخ قد أعد لهم الأماكن التي سيعيشون فيها .

الصبية من البنات في خيمة مستقلة ، والصبيان منهم في خيمة أخرى .

أما النساء فلكل واحدة خيمة مستقلة لتأخذ كل منهن راحتها مع زوجها وأولادها .
كبرت العائلة في العدد وكبر الصبيان والبنات وتم التزاوج بين أبناء وبنات الإعرابي من أبناء وبنات أهل الواحة بما فيهم أهل الشيخ . وكان من الطبيعي أن يكون للإعرابي وبنية وبناته وزوجاته منزلة عالية بين أهل الواحة .


تطورت الأوضاع مع كبر الأبناء وظهرت على أبناء الإعرابي علامات إنكار فضل الشيخ عليهم وفضل أهل الواحة . وبدأت الأطماع تظهر في شكل غارات يقومون بها على ضعاف الناس من أهل الواحة ينهبونهم ويعتدون عليهم ويطردونهم من خيامهم بعد الإستيلاء عليها .
توفي الشيخ على إثر نوبة قلبية بعدما سمع عن الأحداث المتوالية من أبناء الإعرابي الذي مازال حيا ، لكنه لم يفعل شيئا لإيقاف ما يقومون به من تخريب وبث الرعب في قلوب أهل الواحة الأغنياء منهم والفقراء . الفقراء يطردونهم وينهبون ممتلكاتهم ، بل ويقتلونهم إذا لزم الأمر .

أما الأغنياء فأخذوا يفرضون عليهم دفع أموال لهم كجزية للدفاع عنهم أو يقتلونهم ويشردون نسائهم أو يأخذوهن كسباي وحريم لهم .
كان ابن الشيخ الكبير قد ترك الواحة إلى بلاد العلم والنور .

فلما علم بما حدث لأبيه الشيخ وما يحدث لأهل الواحة الفقراء والأغنياء على حد سواء .

عاد إلى الواحة وتلقى التعازي في رحيل والده .
بعد إنتهاء حالة الحداد على وفاة الشيخ ، سأخبركم بما قد يحدث في الجزء الثاني بإذن الله . فإلى لقاء

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.