الجمعة , مارس 29 2024
مختار محمود

القدسُ.. لن تحرّرَها الطير الأبابيل

مختار محمود

يا عربُ.. اعلمواْ أنَّ الطيرَ الأبابيلَ لنْ تسقطَ من السماءِ على أعدائكم مُجددًا، ولنْ تصرعَ السماءُ “أبرهةَ” مجددًا، ولنْ تقضى على الفيلَةِ مُجددًا. لنْ يحدثَ شئٌ من كلِّ هذا؛ فقدْ مضى زمنُ المعجزاتِ، وأدبرَ عصرُ الأساطيرِ. “أبرهة” وأعوانُه وأفيالُه باقون، يفعلونَ بكم وفيكم الأفاعيلَ، يُمثّلونَ بأجسادِ أوطانِكم، يستنزفونَ ثرواتِ بلادِكم، يصنعونَ الفوضى، يثيرون الخرابَ، ونحنُ صامتونَ أو خاضعونَ أو خانعونَ أو متواطئون.. أو تنتظرُ حدوثَ المعجزةِ التي لنْ تأتىَ اليومَ أو غدًا أو بعدَ غدٍ.

ها هو العدوُ يتداعى عليكم كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتِها، نعم أنتْم كثيرٌ جدًا، تتجاوزون المليارَ نَسَمةٍ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السيلِ. لقدْ نزعَ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وقذفَ في قلوبِكم الوهنَ وملأها ضعفًا وجُبنًا. تضيعُ القدسُ أو لا تضيعُ، فقد ضاعَ وسوف يضيعُ غيرُها، بلادُكم تحولتْ إلى ميادينَ للقتال بينَ أبناءِ الوطنِ الواحدِ والملَّةِ الواحدةِ والقبيلةِ الواحدةِ، تُخرّبون بلدانَكم بأيديكم وأيدى “أبرهة” وأعوانِه، فاعتبروا يا أولي الأبصارِ، ولكنْ أينَ هم أولو الأبصار؟ فالحاكمُ العربىُّ.. إما أن تنتهى حياتُه غدرًا أوْ سجنًا، ولا ثالثَ لهما، بينما “أبرهة” ورفاقُه يتداولون السلطةَ في سلاسةٍ وسلامٍ، وتجمعُهم الملتقياتُ، ويتصافحون أمامَ الكاميراتِ، ولا يتناصبون العداءَ، ولا يُضرمونَ النارَ في شعوبِهم، ولا يتواطأون على قتلِهم أو اقتتالِهم.

وأنت يا “نزارُ” لمْ تغيرْ كلماتُك الغاضبةُ منْ الواقع المريرِ شيئًا، فالكلماتُ والهتافاتُ لا قيمةَ لها ولا جدوى منها فى زمنِ البطشِ والغطرسةِ والعدوانِ، فقطْ.. تثيرُ سخريةَ “أبرهة” واستهزاءَ رفاقه فى أبراجِهم العاجيِّةِ.

“مدينةُ الأنبياءِ”، يا “نزارُ”، لا تزالُ تذرفُ الدموعَ أنهارًا.

“منارةُ الشرائعِ” يا “نزارُ” لا تزالُ محروقةَ الأصابعِ، ولا تزالُ أحجارُ شوارعِها حزينةً، ومآذنُها حزينةٌ، وكنائسُها حزينةٌ، القدسُ يا “نزارُ” صارتْ مدينةَ الأحزانِ والأوجاعِ والدموعِ والقتلِ والدمارِ.

القدس يا “نزارُ” هي عنوانُ الكرامةِ العربيةِ المهدورةِ، والنخوةِ العربيةِ الضائعةِ. “مدينةُ البتول”.. يا “نزارُ” تلتفُّ بالسّوادِ، ولنْ يزهرَ فيها الليمونُ، ولنْ تفرحَ فيها السنابلُ الخضراءُ والزيتونُ، ولنْ تضحكَ بها العيونُ، ولن ترجعَ الحمائمُ المهاجرةُ إلى السقوفِ الطاهرةِ.. هلْ تعلمُ لماذا يا “نزارُ”؟ لأنَ العربَ يترقبونَ هطولَ الطيرِ الأبابيلِ على أبرهة وأفيالِه وأعوانِه، ولمْ يؤمنوا بعدُ بزوالِ زمنِ المعجزاتِ وانتهاء عصرِ الأساطيرِ.

شاهد أيضاً

ليلة أخرى مع الضفادع

في ضوء احداث فيلم الوصايا العشر بشأن خروج بني اسرائيل من مصر التى تتعلق بالضربات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.