الجمعة , مارس 29 2024
خريطة سيناء

النحاس : من سرابيط إلى تمنة !

رغم شهرتها في القرون الأخيرة باسم “الطور” أو “سيناء” إلا أن جغرافية قدماء المصريين كانت تعطيها مسمى ” بـيا ” والتي تعني في اللغة المصرية “أرض التعدين” أو “أرض المعدن”.

على هذا النحو كانت الأهمية التعدينية لسيناء منذ آلاف السنين توازي الأهمية الاستراتيجية وتعادلها.

ولقد اهتم قدماء المصريين بنوعين رئيسين من المعادن في سيناء: النحاس والفيروز.

يعرف الأثريون في غرب سيناء موقعا لمناجم النحاس والفيروز معلق في أعلى الهضبة المؤلفة من الحجر الرملي من زمن الحياة القديمة (الباليوزي) الذي يقدر بمئات ملايين السنين.

يحمل هذا الموقع التعديني اسم “سرابيط الخادم”.

التفسيرات اللغوية متباينة في معنى كلمة “سرابيط” ولأن البدو يطلقون على الشكل المحدب لسنام الجمل اسم “سربوط” فإن “السرابيط” وصف لتلك الشواهد الباقية من معبد مصري قديم في أرض تعدين النحاس والفيروز والذي أقيم لعبادة آلهة مصرية متنوعة، في مقدمتهم المعبودة الجميلة “حتحور”.

كان لحتحور صفات إعجازية في الأساطير المصرية القديمة أهمها حماية المناجم ورعاية عمال التنقيب وطرد الأعداء بعيدا عن أرض المعدن.

أما كلمة”الخادم” ففيها اختلاف في التفسير وكنت قد وجدت عند بعض مصادر أدب الرحلات أن الكلمة محرفة عن الأصل العربي لكلمة “القديم” وليس “الخادم” أي أن العرب في الصحراء كانوا يصفون أطلال المعبد المقام على مناجم النحاس باسم “السرابيط القديم” ولكن جرى عليه الزمن مجراه فأصبح – وفقا لهذا التفسير – يسمى “سرابيط الخادم”.

إذا نظرت للخريطة المرفقة ستجد نظيرا لسرابيط الخادم في صحراء النقب في فلسطين يضم مناجم قديمة للنحاس في “المنيعة” والتي تحدثنا عنها في مقال قبل يومين وتسميها إسرائيل “تمنة”.

كما ستجد في “غور” الأردن موقعا يسمى “خربة النحاس”.

خربة مسمى أطلقه العرب على كل المواقع المهجورة أو حطام الأطلال للمواقع التاريخية السابقة.

هناك علاقة وثيقة بين آثار المناجم والجغرافيا والجيولوجيا.

نعرف من أحدث الأبحاث الجيولوجية أن أقاليم شبه الجزيرة العربية، وغور الأردن، وسيناء، شهدت مراحل من الانفصال والتزحزح والتحرك الانزياحي خلال مئات ملايين السنين السابقة وهو ما باعد وحرك الصخور الحاوية للخامات الجيولوجية في مواقع تبدو غير متناسقة اليوم عن بعضها البعض.

ومن بين هذه الصخور تلك الحاوية لخامات النحاس.

اكتشاف النحاس لم يعرف في عهد دولة قدماء المصريين بشكل استثنائي بل كان سابقا على ذلك قبل قيام الحضارة المصرية ذاتها.

فالنحاس اكتشاف قديم منذ إنسان العصر الحجري الحديث الذي يشغل من عمر الإنسان الحجري تاريخا بدأ قبل 12 ألف سنة واستمر النحاس فيها هو المعدن البطل قبل أن يهتدي الانسان إلى اكتشاف البرونز ثم الحديد قبل أكثر من 6000 سنة مضت.

عملت إسرائيل على إثبات جغرافية حصرية في فلسطين وفقا لسرديات بعض أسفار العهد القديم من كتاب اليهود المقدس وأخفت في المقابل آثار للشعوب العربية أو التاريخ المصري القديم.

في موقع المنيعة (تمنة) أطلقت إسرائيل على جزء مهم من هضبة الصخور الرملية عند مناجم النحاس اسم “أعمدة سليمان” في إشارة إلى اسم الملك سليمان الذي يؤمن به أصحاب الديانات السماوية نبيا كريما وله مكانة كبيرة في التاريخ العبراني.

لا يوجد أي دليل أثري أو نقش أو أثر للملك سليمان في المنطقة سوى هذا الاسم الذي فرضته إسرائيل على الجبل المؤلف من صخور رملية يعود عمرها لنحو 500مليون سنة.

لكن في السنوات الأخيرة أفرجت إسرائيل عن صور وخرائط ومعلومات عن آثار مصرية في المنيعة تضم معبدا لحتحور (كما في سرابيط الخادم) ونقوشا لعملية التعدين بالتفصيل ونقوش تمجيد لملوك مصر القديمة كما أقامت متحفا لأدوات التعدين التي استخدمها قدماء المصريين في الموقع لاستخراج النحاس.

ينصحنا علماء الجيولوجيا أنه يجب جمع “شبه الجزيرة العربية – غور الأردن – فلسطين – سيناء” في سياق واحد لفهم كيفية تكوين الأرض وتزحزح ألواحها وتباعدها والتقائها.

وبالمثل لا يجوز لعلماء الآثار أو الجغرافيا

أو التاريخ فصل أي من هذه البقاع الأرضية عن بضعها البعض، وإلا حصلنا على فهم منقوص من الصورة الكلية الشاملة.

نقلا عن صفحة الدكتور عاطف معتمد

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.