الجمعة , أبريل 19 2024
إبراهيم الديب
إبراهيم الديب

“حرب الملاعق”

بقلم/ إبراهيم الديب

من طقوس الريف المصري منذ القدم: أن المزارعين كانوا يحرصون على الاحتفال: بإعداد وليمة من الطعام في أغلب مواسم الحصاد، و منها أثناء إلقاء البذور ،وخاصة محصول الأرز، كان وذلك ما لأهمية الزراعة: في حياة المصريين منذ القدم، فمصر أبدعت حضارة على غير مثال سابق، حتى تستنبتها في أرضها : فلم تكن هناك حضارة سبقتها في التاريخ حتى تستلهما مصر وتنسج على منوالها فدول الجوار بل هي من قامت باستلهام الحضارة المصرية بل مصر قامت بتصدير الحضارة للبشرية قاطبة.

دعك من كل التفلسف الذهني ونظريات الكتب التي تسكن رأسي ثم أقوم: بيني وبين نفسي باستعادة كل ذلك والقيام بالإضافة إليه حينا، أو الحذف منه أحيانا أخرى، والاستمتاع بذلك الفعل من: جديد على سبيل التمارين الذهنية والرياضة العقلية.

كان الذي اوليه أهمية هو احتفال إلقاء بذور الأرز في الأرض واغراقها بالماء ويسمي هذا الطقس عند المصريين منذ القدم” بالمدامسة” وكان الاحتفال به يأخذ شكل البهجة، وتعد له وليمة عبارة عن مجموعة من الحلل الكبيرة، بعد أن تطهى بالأرز واللبن الجاموسي ، وهذ الطعام مخصص ؛ للعمال الزراعيين اللذين يعملون بإلقاء البذور تحية لهم من مالك الأرض الكريم.

كانت هناك مجموعة من المهمشين ،تنتظر هذا الطقس المقدس من كل عام، من أجل الانقضاض عليه، لا تأخذهم به شفقة، هؤلاء الأشخاص ليسوا من العمال، ولا هم أصحاب الأرض، ولكنهم أشعبيين صاحب مذهب” خسارة بطني ولا كب الطببخ” ، يراقبون الحلل أثناء رحلتها عن كثب

وهي تنقل على: ظهر الحمير من البيوت إلى الحقول، ثم يتتبعون خطاها بشغف كبير، من أجل المشاركة في الاحتفال،و بالتهام أكبر كمية من الأرز واللبن عند بداية تناول: الطعام هذه المجموعة المسلحة بالملاعق المخبئة في جيب الصديري خصيصاً من أجل المعركة التي : أقترب وقوعها مع الحلة أثناء الاحتفال: بالطقس المقدس منذ الفراعنة، ومن ثم الهجوم المباغت على وشها من اللبن الصافي الذي يعلو الأرز غير مختلط به ،والذي يتميز بطعم ولا أشهى : للفوز بأكبر كمية من اللبن الجاموسي الدسم المدخن .

هذه المجموعة التي تتمتع بخفة الظل معها خريطة الحقول وهو اليوم المحدد الذي يتم الاحتفال فيه ،وكان هناك مجموعة من الصبية:تخبر هذه المجموعة أشعبية المذهب والهوى بأماكن الاحتفال ،و أخبار الحلل ، والحقل الذي يكون مستقرا لها، ثم ينطلق الجميع لا تنقصهم روح أشعب وشغفه وحرصه للطعام وعلى استعداد للقتال من ذلك حتى الموت، ثم يعملوا ملاعقهم فيها بحرفية يحسدون عليه بلا هوادة ، فتتلاقى ملاعقهم ،التي تحولت لأسلحة مشرعة ماضية، مع بعضها أثناء: رحلة الصعود للفم محملة، والهبوط منها مرة أخرى فارغة: لقلب الحلة ، ينتج هذا الاحتكاك ، صوت اعتادته: الاذن في مواسم الحصاد وعلى حواف الحقول، هو أقرب لصوت :صليل السيوف أثناء القتال، وهي في طريقها: لتجريف الحلة من: الأرز واللبن.

شاهد أيضاً

ع أمل

دكتورة ماريان جرجس ينتهي شهر رمضان الكريم وتنتهي معه مارثون الدراما العربية ، وفى ظل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.