الخميس , أبريل 25 2024
محمد عبد المجيد

أول يوم لي في أوروبا!

كان ذلك في منتصف شهر يونيو 1972؛ أي منذ نصف قرن. كنت في الخامسة والعشرين من عُمري.لم أكن أعرف أحدًا في لندن ومعي ورقة صفراء صغيرة من عادل جورج، وهو شقيق صديقي سعيد جورج.

لغتي الانجليزية كانت أضعف من خربشات الدجاج، فلغتي الأولى كانت الفرنسية.

في الورقة الصغيرة اسم جيمس كاسوف، لبناني وصديق لعادل جورج.

وصلتُ إلى العنوان بعد أنْ غربتْ الشمسُ، واستقبلني جيمس اللبناني ومعه أول إنطباع لي عن عاصمة الضباب.فَهَمَ جيمس أن الورقة لمساعدة صديق سعيد جورج شقيق عادل والذي تربطه علاقة جيدة بجيمس كاسوف.

رحب بي رغم أنني زائر غريب، وأبلغني أنَّ الوقت متأخر وسيحاول العثور على عمل وسكن لي في اليوم التالي، وبما أنني لا أعرف أحدا في لندن؛ فقد أقترح أن أنام على الأرض في غرفته الصغيرة الواقعة في كوينز جيت بمنطقة ساوث كينسينجتون.

كان مهذبا ولطيفا وودودًا إلى درجة مذهلة.

في صباح اليوم التالي استأذن للذهاب إلى العمل في فندق أونسلو كورت هوتيل المجاور للسكن.عاد بعد قليل ومعه صينية بها إفطاري، وتركه وغادر مسرعا.بعد قليل عاد بطعام آخر وقدّم شديدَ اعتذاره لأن الإفطار الأول كان يحتوي على لحم الخنزير؛ وقال لي جيمس بابتسامة دافئة: كنت أعرف أنك لن تأكل لحم الخنزير، وقد نسيت للحظات أنك مسلم.

شكرته، وظل جيمس كاسوف يساعدني في كل شيء، ويُعرّفني على الحياة في لندن حتى وقفت على قدمي.

ومرّ نصف قرن، وعشت في لندن وجنيف وأوسلو، وتزوجت وحمل ثلاثة أبناء اسمي، وحمل أسماءَهم ستةُ أحفاد، ولا زلت حتى الآن أتذكر اللقاء الأول والجميل والدافيء لجيمس كاسوف الذي لا أعرف إنْ كان على قيد الحياة أم رحل عن دنيانا؛ لكنني أحمل له الفضل في وضع حجر الأساس لهجرة استمرت خمسين عاما بفضل ورقة صفراء صغيرة، ممزقة من كراسة قديمة أعطاني إياها عادل جورج.

الحمد لله الذي منحني القدرة على تذكّر كل عمل طيب قدّمه أحدٌ لي؛ ولو مرَّ العُمرُ بطوله!

محمد عبد المجيد طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين

أوسلو في 6 نوفمبر 2022

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.