الخميس , أبريل 25 2024
شوقى عقل

أجساد جميلة

في بدايات السبعينيات، في أوج الحركة الطلابية، كنت مختبئا من الأمن.

في منطقة شعبية وجدت غرفة لدى أسرة فقدت عائلها.

سيدة، أم مقاتلة كالرجال، تربي أطفالها الاربعة، تقيم معهم في غرفة وتؤجر غرفتين.

وجود طالب لم يكن مستغربا. في الغرفة الثانية كان يقيم رجل خليجي عجوز، يدفع للسيدة صاحبة العيال، ضعف ما أدفعه من إيجار.

الرجل السبعيني يبحث عن عروس.

تأتي إليه دلالة تحمل في يدها مجموعة من الصور، تعرضها عليه، واحدة تلو الأخرى:

دي بنت بنوت.. ودي مطلقة بس زي القمر…بس شوفها.. ودي لسه ستاشر سنة! … أه دي حلوة بس أهلها طالبين عشر تلاف! كان صاحبنا يردد بشكل آلي وهو يهتز إلى الامام والخلف:

لأ… بنت..خمسة بس!! لا أرغب في وصف الرجل، لا يصح إنسانيا! لكن باختصار كان من الصعب النظر إليه أو سماع صوته الخارج من تحت لسانه الثقيل؛ الذي يبدو دائما من فتحة فمه لزجا مسودا، يلتقط أنفاسه بصوت الحشرجة.

في نهاية البحث جاءت العروس وكتب العقد بتوكيل لمحام، شخص نحيل يرتدي بذلة ممسوحة ونظارة مغبشة:

مبروك يا شيخ، احنا في الخدمة! دفع العجوز الخمسة آلاف وغادرت الأم بائعة الخضار وهي تحمل كيس النقود غير مصدقة.

تركت له البنت، دون حفلة ولا طبل، فتاة في الثامنة عشرة. أدهشني جمالها بعد عودتها من ”الكوافير“ !كل هذا الشعر! كل هذه العيون! كل هذا الجسد! في ليلة دخلتها على الرجل العجوز، ظلت جالسة مع صاحبة الشقة وأمها، لا تريد المسكينة أن تدخل إلى الرجل المنتظر، بكت بحرارة ترجو أمها. كنت في غرفتي غاضبا أشعر بعجز وإهانة وغصة تغمر روحي الحزينة.

بعدها، في الليالي التالية، كانت العروس تذهب مع أي رجل يدعوها فورا. تعود كل ليلة متأخرة سكرى تترنح.

تظل جالسة في الصالة ترفض الدخول إليه وتثير ضجة حين يناديها بصوته المنفر، حتى طردتهم صاحبة الشقة.

منطقة الحوامدية، شارع ممتد تشغل الورش أحد جانبيه، على الجانب الآخر منه أرض مزروعة. في كل يوم، والشمس تستعد للغروب، كان يسود هدوء مفاجئ.

ضجيج الشارع وصوت الدق وصياح الإسطوات في المساعدين والصبيان والسباب والغناء،

كان كل ذلك يتوقف! على الجانب الآخر من الشارع، بالقرب من الأرض المزروعة، تسير فتاة وحدها متمهلة. تلاحقها العيون، تتأمل الجسد العذري الجميل. تشتعل السجائر ويتوقف العمل، يأخذ الشارع فترة راحة قصيرة بعد اختفاءها. يتكرر الأمر كل يوم في نفس الموعد،

الفتاة الجميلة الممشوقة القد تقتحم عشرات الأعين الصامتة الغاضبة بنهدين طودين دون مبالاة. تسبح بشقاوة السادسة عشر في عالم من الرجال الخشنين الجائعين. علمت من العمال أن رجل سعودي لم يتجاوز الثلاثين قد تزوجها لمدة أسبوع.

دفع فيها ثلاثين الف جنيه! المسكين لم تكن لديه القدرة! قضى الأسبوع محاولا، مقلبا للجسد البكر الفاتن بين يديه دون جدوى، لم يستطع الغوص في بحر أنوثتها الفياضة. طلقها وغادر.

قام الأب بشراء سيارة نقل ”دبابة“ بجزء من النقود، وتزوج بالباقي.

ـكنت في طريقي لقرية “القرنة” في بر مدينة الأقصر الغربي. نعبر النهر الواسع بمركب كبير من طابقين.

المسافة التي لا تستغرق في العادة عشر أو عشرون دقيقة، أستغرقت في ذلك اليوم أكثر من ساعتين!

رست المركب على طين القاع في وسط النهر. قال المراكبي بهدوء حين سألته:

أصلها شحطت!

كان علينا أن ننتظر حتى تفتح بوابات السد العالي وتتدفق المياه ونتحرك ثانية. على ظهر المركب كان يجلس بجواري رجل يرتدي شال كبير من الصوف الكشميري وينتعل حذاء أسود جديد من ”الأجلسيه“ اللامع عليه توكة من النحاس الاحمر.

الرجل في منتصف الاربعينيات وملامح الشقاء التي تبدو على وجهه لم يخفها الشال الكشميري الفاخر.

أمامنا جلس شاب لا يتجاوز عمره التاسعة عشرة، شعره الاسود الخشن المغطى بالفازلين مصفف على الموضة السائدة وقتها ”كابوريا“.

بجواره جلست ملتصقة به امرأة أجنبية عجوز تغطي شعيرات رأسها القليلة بحجاب.

يد الشاب تمسك بيد المرأة المعروقة المغطاة بالبقع البنية. المرأة السعيدة تحدثه بالإشارات وبكلمات عربية قليلة، وهو يرد باصبعه، نعم أو لا! سألت الرجل: -أبنك؟… أجاب:

أيوه! – ودي مراته؟!!

أيوه!

علمت منه أنه من البعيرات، وهي قرية فقيرة تقع بالقرب من القرنة في البر الغربي.

بعد قليل تحركت المركب بعد أن أرتفعت المياه وخلصت من الطين.

سألته دون مناسبة:

لكنك مش خايف أن أبنك ما يعقبش لك؟! ألتفت إلي غاضبا:

إهي مرة زي كل النسوان، خليه يشوف حاله! حا تاخده النمسا، ولا عايزه يندفن هنا معانا علشان تبقى مبسوط؟؟! ثم قام من جواري غاضبا وهو يبرطم!!ـ

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.