السبت , أبريل 27 2024
الدكتور عاطف معتمد

ما بين 1991 و 2023 !

حين عينت معيدا في جامعة القاهرة عام 1991 دخلت الغرفة الكبرى المقدسة، المحرمة على الطلاب، والتي تضم الأساتذة وتشهد أحاديثهم ونقاشاتهم وجدالاتهم الساخنة تارة الضاحكة تارة أخرى.

في واحدة من الحوارات المدهشة التي صرت شاهدا عليها، كان أستاذ شاب يرجو من أستاذ عائد من مهمة علمية في الخارج أن يمده بالمقالة الشهيرة التي استطاع الحصول عليها خلال فرصة وجوده في تلك الجامعة الأجنبية الكبرى.

ظل الأستاذ العائد يكثر من التَّسْوِيفِ والمماطلة ثم جاء له في النهاية بنصف المقالة وليس المقالة كاملة، كي يضمن لنفسه حق الاطلاع الحصري على مضمونها، كيف لا وهم أبناء التخصص العلمي الواحد!

أذكر أن المقالة كانت من ضمن أعداد رابطة الجغرافيين الأميركيين، وأن هذا العدد كان مفقودا من المكتبات المصرية ولم نعثر عليه حتى في الجمعية الجغرافية المصرية التي كانت – قبل ثلاثين سنة – ملاذنا في مثل هذه المراجع.

أخذ الأستاذ الشاب يقلب في نصف المقالة ويحاول أن يستنبط النصف الآخر دون جدوى.

في نهاية التسعينيات دخل الإنترنت جامعة القاهرة وكان بوسعنا أن نفتش عن المقالات ولكن بصعوبة بالغة وفي شكل ملخصات وليس نصوصا كاملة.

في حدود عام 2010 نجح رئيس جامعة القاهرة – أ.د حسام كامل وقتها – في أن يدخل لجامعة القاهرة اشتراكا عن بعد في كبريات الدوريات العالمية

وصار بوسع أي باحث في الجامعة أن يحصل على المقالات بنصوصها الكاملة وفي تخصصات شتى.

الشهر الماضي قابلت أحد الباحثين الذي يحتاج مراجع مهمة في الجغرافيا السياسية عن الحرب الروسية الأوكرانية، ووقف أمامي مكتئبا مكفهرا لأن موقع أمزون يطلب منه ما يزيد عن 50 ألف جنيه وفاء بهذه المراجع بينما يده قصيرة وعينه بصيرة.

ثم بعد أسبوع جاءني متهللا مستبشرا يناقشني في تفاصيل من تلك المراجع التي كان يتمنى أن يطلع عليها.

وحين سألته كيف وجد حلا للمشكلة المالية أخبرني أن زميلا له مشترك في موقع للقراصنة الروس على الإنترنت حصل له على هذه المراجع كاملة، في صيغة رقمية ومن دون مقابل!

نحن اليوم في عام 2023، لدينا عشرات الآلاف من المراجع في كل التخصصات، ولم تعد المشكلة أن نحصل على نصف مقال أو فصل من كتاب.

لقد سمح لنا التطور التقني و”ديموقراطية الإنترنت” والتحميل الشرعي وغير الشرعي، الورقي والرقمي، في أن نحل أزمة توفير المصادر والمراجع.

لكن في المقابل ظهرت لنا مشكلة لم تكن في الحسبان ولم يتوقعها أحد، وذلك حين اكتشفنا أننا نفقد بالتدريج القدرة على القراءة ونتجرد بشكل متتابع من الصبر على البحث والاطلاع !

الدكتور عاطف معتمد

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.