الجمعة , مارس 29 2024
مختار محمود

مختار محمود يكتب : لماذا يتجاهلون العقَّاد؟

لا يحظي عباس العقاد في ذكرى مولده أو رحيله بما يحظى به الدكتور طه حسين؟ الأول تمر ذكراه مرور الكرام، أما الثاني فتقام الندوات والمحافل والبرامج والصالونات الثقافية احتفاءً ومدحًا وتعظيمًا.

ابتداءً..”العقاد” و”حسين” كلاهما من أكابر الأدب والثقافة في مصر والعالم العربي، لا خلاف في ذلك ولا جدال، ولكن الخلاف والجدال يظهران في تجاهل أحدهما وتعظيم الآخر.

يكمن السر في إهالة التراب على منجزات عباس العقاد وتقدير منجزات الدكتور طه حسين في أن الأخير أثار في باكورة حياته المهنية والعلمية الغبار ضد الإسلام، وكتب كتابات تم اعتبارُها مُعادية للدين الخاتم بشكل أو بآخر.

ولأنَّ كثيرين ممن يتحكمون في كواليس وتفاصيل ومفاصل المشهد الثقافي منذ زمن طويل وحتى هذه اللحظة يتخندقون على يسار الإسلام ويسترزقون من الإساءة إليه، فإنهم تجاهلوا ذكرى وفاة الأديب الأشهر عباس العقاد التي حلت اليوم؛ حيث رحل في مثل هذا اليوم قبل 59 عامًا بالتمام والكمال. “العقاد” من أبرز الكُتاب والأدباء والمفكرين الذين اتخذوا من البداية طريقًا واضحًا للانحياز إلى الإسلام والدفاع عنه والزود عن حياضه، وأنتج في سبيل ذلك كتبًا ومؤلفات مشهودة، ولا تزال شاهدة على عقل متقد ونفس طيبة وروح مخلصة.

ألَّف “العقاد” في مجال الدفاع عن الإسلام عدة كتب، يأتي في مقدمتها: “حقائق الإسلام وأباطيل خصومه”، “الفلسفة القرآنية”، “التفكير فريضة إسلامية”، “مطلع النور”، “الديمقراطية في الإسلام”، “الإنسان في القرآن الكريم”، “الإسلام في القرن العشرين”، و”ما يُقال عن الإسلام”.

في هذه الكتب وغيرها.. دافع “العقاد” عن الإسلام أمام الشبهات التي يرميه بها خصومه وأعداؤه، مستخدمًا علمه الواسع وقدرته على المحاجاة والجدل، وإفحام الخصوم بالمنطق السديد.

وازن “العقاد” في كتاباته بين الإسلام وغيره، وانتهى من الموازنة إلى شمول حقائق الإسلام وخلوص عبادته وشعائره من شوائب الملل الغابرة، حين حُرِّفت عن مسارها الصحيح.

كما عرض “العقاد” للنبوة في القديم والحديث، وانتهى إلى أن النبوة في الإسلام كانت كمال النبوات، وختام الرسالات.

هاجم “العقاد” الذين يدَّعون أن الإسلام يدعو إلى الانقياد والتسليم دون تفكير وتأمُل، حيث طرح ما يؤكد على أنَّ التفكير فريضة إسلامية، وأن مَزية القرآن الأولى هي التنويه بالعقل وإعماله، مُستشهدًا بالنصوص القرآنية التي تؤيد ذلك، ليصل إلى أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأشياء.

رد “العقاد” في مؤلفاته الغزيرة على ما يُثيره أعداء الإسلام من شبهات ظالمة يحاولون ترويجها بشتى الوسائل، مثل: انتشار الإسلام بالسيف، وتحبيذ الإسلام للرق، مفندًا هذه التهم بالحجج المقنعة والأدلة القاطعة في كتابه المهم: “ما يُقال عن الإسلام”.

كتب “العقاد” أيضًا: “الله.. بحث فى نشأة العقيدة الإلهية”، و”التفكير فريضة إسلامية”، و”مطلع النور”، و”الإنسان فى القرآن الكريم”، و”الفلسفة القرآنية”، و”حقائق الإسلام وأباطيل خصومه”.

كان “العقاد” كاتبًا موسوعيًا بامتياز، فقد كتب عن “عبقرية المسيح”، كما كتب عن “عبقرية محمد”، عليهما الصلاة والسلام.

سلسلة عبقريات “العقاد” امتدت أيضًا إلى نفر من الرعيل الأول من صحابة الرسول الكريم مثل: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وخالد ابن الوليد رضي الله عنهم، وأبرز مكارم ومناقب كل منهم ودوره في بناء الدولة الإسلامية.

كان عباس العقاد يرفض منهج الدفاع عن الإسلام حين يتعرض للشبهات من المستشرقين، بل كان يُصرُّ على الهجوم على هذه الشبهات بالحقائق العقلية، وكان يرفض الاستدلال بالنصوص فى مقابل الشبهات، مؤكدًا أن الإسلام دين عقلى فى المقام الأول.

وختامًا.. لو كان العقاد هو صاحب كتاب ” في الشعر الجاهلي”، أو هو مَن أنكر وجود إبراهيم أو إسماعيل عليهما السلام، لتم الاحتفاء به وإقامة الأفراح والليالي المداح في ذكرى ميلاده ووفاته ، والدليل على ذلك أن الذين يبالغون في تعظيم الدكتور طه حسين يحصرون إنتاجه كله في الفترة الأولى من حياته العملية التي تضمنت بعض الشطط، ولكنهم يتجاهلون عمدًا المرحلة الأخيرة من حياته التي انقلب فيها على كل هذه الأفكار وحجَّ البيت الحرام وصلي لله واقترب!!

شاهد أيضاً

ليلة أخرى مع الضفادع

في ضوء احداث فيلم الوصايا العشر بشأن خروج بني اسرائيل من مصر التى تتعلق بالضربات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.