الجمعة , أبريل 19 2024
الكنيسة القبطية
البابا شنودة الثالث

البابا شنودة الثالث المثقف والشاعر

بقلم/ ماجد كامل

تميز قداسة البابا الراحل الانبا شنودة الثالث ( 1971- 2012 ) – نيح الله نفسه في فردوس النعيم – من بين ما تميز به من مواهب القدرة علي كتابة الشعر ؛ وهذه القدرة نمت عند قداسته منذ فجر شبابه ؛ وهو يروي في مذكراته أنه أخذ يكتب الشعر منذ الطفولة ؛ ولكنه لم يتقن كتابة الشعر فعلا إلا عندما توجه إلي مبني دار الكتب المصرية بباب الخلق ؛ وأطلع هناك علي كتاب “أهدي سبيل إلي علمي الخليل “فأنكب علي دراسته يوميا إذ كان يذهب إلي دار الكتب يوميا في الصباح والمساء حتي أتقنه تماما .

ومنه تعلم علم العروض والقوافي وبحور الشعر المختلفة .

وهو يروي في مذكراته أيضا أنه عندما كان طالبا في البكالوريا”وكان أسمه قبل الرهبنة نظير جيد ” طلب منه مدرس اللغة العربية أثناء الامتحان الشفوي أن يتلو عليه أحد القصائد المقررة ؛ فٍسأله أي قصيدة تريد ؟ فقال له القصيدة التي تحفظها .

فسأله مرة أخري من أي عصر من العصور تريد أن أتلو عليك قصيدتها؟ فرد عليه المدرس :وهل تحفظ جميع العصور ؟ فأجابه الطالب نعم ؛ فقال له المعلم إذن اسمعني قصيدة من العصر الحديث .

فرد عليه الطالب نظير ولأي شاعر من شعراء العصر الحديث ؟ فسأله المدرس وهل تحفظ لجميع الشعراء ؟ فرد عليه نظير نعم لأكثر من ثلاثين شاعرا ؛ فسأله المدرس ولماذا تحفظ كل هذه القصائد من الشعر ؟ فرد عليه الطالب “ذلك لأني احب الشعر ” فسأله المدرس ” وهل تكتبه ايضا ؟ ” أجاب الطالب نعم أكتبه أيضا ؛ فقال له المدرس إذا اسمعنا بعضا من شعرك ؛ وهكذا كان الطالب نظير جيد أول – وربما آخر – طالب يمتحن في شعره في البكالوريا .

وشعر قداسته يتميز بمسحة روحية وصوفية ؛ وذلك بحكم تكوينه كراهب وأيضا كرجل دين مسيحي .

ولقد عبر قداسته عن شوقه المبكر لحياة الرهبنة في قصيدة شهيرة له بعنوان ” غريبا عشت في الدنيا ” نظمها قداسته عام 1946 ؛ علما بأن تاريخ رهبنته هو 18 يوليو 1954 ؛ اي قبل رهبنته بحوالي 8 سنوات ؛ يقول فيها ” تركت مفاتن الدنيا ولم أحفل بناديها ورحت أجر ترحالي بعيد عن ملاهيها خلي القلب لا أهفو لشيء من أمانيها نزيه السمع لا أصغي إلي ضوضاء أهليها أطوف ههنا وحدي سعيدا في بواديها بقيثاري ومزماري وألحان أغنيها وساعات مقدسة خلوت بخالقي فيها هنا في الدير آيات تعزيني وأمثال هنا لا ترهب الرهبان قضبان وأغلال ولا تلهو بنا الدنيا فأدبار وأقبال وفي نفس الشهر الذي ترهبن فيه “أي يوليو 1954 ” كتب قداسته قصيدة “بعنوان سائح ” والسائح هو أعلي درجات الرهبنة القبطية حيث يجول الراهب في الصحراءهائما في حب الله ليس له دير ولا حتي مكان للسكن ؛ أما نص القصيدة فيقول :

أنا في البيداء وحدي ليس لي شأن بغيري لي جحر في شقوق التل قد أخفيت جحري وسأمضي منه يوما ساكنا ما لست أدري سائحا أجتاز في الصحراء من قفر لقفــــر ليس لي دير فكل البيد والآكام ديري لا ولا سور فلن يرتاح للأسوار فكري أنا طير هائم في الجو لم أشغف بوكر أنا في البيد طليق في أقامتي وسيري أنا حر حين أغفو حين أمشي حين أجري وغريب أنا أمر الناس شيء غير أمري وأثناء وحدته في مغارة بالقرب من دير السريان ؛ نظم قصيدة بعنوان “من تكون ؟ ” وتاريخ نظمها عام 1960 ؛ وفيها يسأل نفسه بعض الأسئلة الفلسفية مثل “من أنا ؟ ” ومن أكون ؟ قال فيها :

كل ما هو لك صمت وسكون وهدوء يكشف السر المصون اعتزلت الناس حتي ما تري غير وجه الله ذي القلب الحنون وتركت الكون بل أنسيته لم يعاودك إلي الكون الحنين هل تري العالم إلا تافها يشتهي المتعة فيه التافهون كل ما فيه خيال يمحي كل ما فيه سيفني بعد حين هل تري الآمال إلا مجمرا يتلظي بلظاه الآملون ليت منهم .

هم جسوم بينما أنت روح فر من تلك السجون قد يقول البعض هذي حكمة ويقول البعض كلا بل جنون فأترك الناس إلي أفكارهم مثلما شاء الهوي يفتكرون لك نهج مفرد والناس في منهج مختلف يضطربون أنت قلب هائم في حبه أنت سر بيت شعري من تكون أنت سر لست أدري كنهه أي شيء فيه لي غير الظنون أنت روح سابح سابح في عمقه يجتلي الأعماق في صمت رصين أن في صمتك سرا لن يري قدس أقداسه إلا الصامتون ولقد عبر قداسته عن هذه النزعة النسكية التي لا تشتهي شيئا ولا ترغب في شيء في قصيدة جميلة له بعنوان “وماذا بعد هذا ؟

” أستوحي معانيها من مثل الغني الغبي الذي ورد في الكتاب المقدس ؛ وملخصه أنسان غني ظن أنه أمتلك كل شيء في الدنيا ؛فقال كلي يا نفسي وأشربي فأمامك خيرات كثيرة لسنين طويلة ؛ولم يعلم أنه في نفس اليلة سوف يموت ؛ ويترك كل هذا المال . أما نص القصيدة فيقول :

سأهدم في المخازن ثم أبني وأجمع فضتي وأضم تبري وأغرس لي فراديسا كبارا بأثمار وأطيار وزهر وأقطف وردة من كل غصن وأطرب مسمعي من كل طير وأسعد بالحياة ومشتهاها وأنعم في رفاهية وخير وابني معبد للمال ضخما أقدم فيه قرباني وشكري وماذا بعد هذا ليت شعري ؟

سألقي الموت مهما طال عمري وهذا المال يا ويحي عليه سأترك كل أموالي لغيري وأفني مثل مسكين فقير وأرقد مثله في جوف قبر ونسمة قبره ستهب حولي ولا تفريق بين غني وفقر وفي قصيدة أخري لقداسته بعنوان “تائه في غربة ” يعبر فيها عن حتمية الموت ؛ وكيف ان الإنسان لا يستطيع ان يأخذ معه شيئا ؛ حيث يقول فيها :

لست أدري كيف نمضي أو متي كل ما أدريه أنا سوف نمضي في طريق الموت نجري كلنا في سباق بعضنا في أثر بعض كبخار مضمحل عمرنا مثل برق سوف يمضي مثل ومض يا صديقي كن كما شئت أذن وأجر في الآفاق من طول لعرض أرض آمالك في الألقاب أو أرضها في المال ؛ أو في المجد أرض وأغمض العين وحلق حالما ضيع الأيام في الأحلام وأقضي آخر الأمر ستهوي مجهدا راقدا في بعض أشبار بأرض بهدأ القلب وتبقي صامتا لم يعد في القلب من خفق ونبض ما ضجيج الأمس أذن ؟

أين بركانه من حب وبغض وتنتقل إلي شكل آخر من أشكال قصائده ؛ فلقد عرفت الكنيسة القبطية بلقب “أم الشهداء ” حتي قالت أحدي المؤرخات الإنجليزيات ؛ وتدعي مسز بوتشر ” لو وضع شهداء العالم كله في كفة ؛ وشهداء الكنيسة القبطية في كفة أخري ؛ لرجحت كفة شهداء الكنيسة القبطية ” ولتخليد ذكري هؤلاء الشهداء كتب قداسته أكثر من قصيدة نذكر منها قصيدة بعنوان “أبطال” وفيها يناجي أرواح هؤلاء الشهداء يقول فيها :

نلتم الأمجاد في دنيا ودين وهزأتم بالطغاة الملحدين لم تموتوا أيها الأبطال بل قد سكنتم في سماء الخالدين لم يمت من قاوم الكفر ومن بيسوع هز عرش الكافر ينلم يمت من صار باستشهاد قدوة تبقي علي مر السنين

لم يمت من قدم الروح علي مذبح الحق جريئا لا يلين لم يمت كل غريب ههنا مر بالدنيا مرور الزائرين عجبا كيف صمدتم للطغاة في ثبات أدهش الكون مداه اي شيء حبب الموت لكم هل رأيتم فيه أكليل الحياة ؟

أم بصرتم بيسوع واقفا في انتظار ؛فاستبقتم للقاه ؟ أم سمعتم مثل همس الوحي من قد دعاكم فاستجتم لدعاه ؟

أم تخيلتم عمود الدين قد راح يهوي فاصطفتم لحماه ؟ أيما كان قد كان داعي الموت لم نستطع حسبانكم في المائتين لم تموتوا أيها الأبطال بل قد سكنتم في سماء الخالدين وتنتقل إلي جانب آخر من شعر قداسة البابا هو الشعر الوطني ؛ فلقد كان يتردد علي المنتدي الذي كان يعقده الزعيم مكرم عبيد( 1889- 1961 ) مؤسس حزب الكتلة الوفدية ؛ وكان مكرم كلما شاهده يرحب به قائلا “أهلا شاعر الكتلة ” ؛ومن القصائد التي نظمها نظير جيد وهو طالب في مرحلة الثانوي ؛والتي تكشف عن عشقه الشديد لمصر ؛

نذكر هذه القصيدة :

تريد الكنانة عزما قويا شبابا يضحي وشعبا جديدا شبابا يعيد بناء الحدود يعيش شريفا يموت شهيدا من الآن هيا لنبني اتحادا وننسي العداء وننسي الحقودا وإذا ما أراد الدفاع جحيما لحرق العدو نكون وقودا أهذي الجموع تعالوا سويا إلي سلم المجد ترقي صعودا هتاف الحماسة مني أقبلوه خذوه شعارا خذوه نشيدا وفي المجال والوطني كتب قداسته يقول “جعلتك يا مصر في مهجتي ؛ وأهواك يا مصر عمق الهوي ؛ إذا غبت عنك ولو فترة …. أذوب حنينا أقاسي النوي …. إذا عطشت إلي حبك يوما ….. بحبك يا مصر قلبي أرتوي ” وفي قصيدة أخري يقول ” نحب هذا الوطن ونحب ما فيه … نحب نيله وأراضيه وشوارعه وحواريه ومزارعه وصحاريه … نحب صناعه وفلاحيه …. نحب مستقبله وحاضره وماضيه …. نحب هذا الوطن حين يرضي وحين يغضب … نحبه حين يمنح وحين يمنع ,نحب فراعنة أجدادي وأحب أرضه أرض ميلادي .. أحب نيله ليس فقط وهو يجري في الوادي … بل حينما يجري في فؤادك وفؤادي ” .

وقطعا كلنا نحفظ عبارته الخالدة التي قال فيها “مصر ليست نعيش فيه؛ لكنه وطن يعيش فينا ” وقد لا يعلم الكثيرون أن قداسة البابا الراحل الأنبا شنودة قد كتب الشعر الفكاهي أيضا .

فلقد كتب هو طالب في كلية الآداب قسم التاريخ هذه القصيدة التي يعبر فيها عن كرهه الشديد لمادة الجغرافيا ؛وقال فيها :

حاجة غريبة بأدخلها بالعافية في مخي ماتدخلش بنشوف في الأطلس أمريكا والمانيا وبلاد الدوتش ما تقول لي بأي فوتغرافيا وتقول ما تقول ما هأصدقشي حاجة غريبة بأدخلها بالعافية في مخي ماتدخلش ورياح مبلولة تجيب ميه ورياح جافة ماتمطرشيورياح بتساحل في الساحل تتبع تعريجه وتمشي ورياح بتغير وجهتها

ورياح تمشي ما تحودشي أنا عقلي إتلخبط فين ديا وديا وبين ديا وديا ما أفرقشي وهو طالب في السنة الثانية أقامت الكلية حفلة لتكريم عميد الكلية ؛ فألقي فيها هذه القصيدة الكوميدية التي يعبر فيها عن رغبته ان يكون عميدا للكلية ولو لشهر واحد ؛قال فيها :

ياما نفسي شهر واحد بس مش عايزه يزيد يعملوني فيه عميد أو حتي نائب للعميد كنت أعمل للسكاشن كلها ترتيب جديد كنت أخلي الشخص يتخرج تقول زي الحديد كنت الغي قسم جغرافيا ومش ناقصين مضايقة متنا من كتر المذاكرة ومش لاقيين ذاكرتنا حايقة من غير الجغرافيا تبقي دراسة الكلية رايقة مش ظريف الإقتراح يخليكم ما متعيطوش بس أنا يا خسارة عايش وسط ناس مايقدروش لو كانوا يعرفوا مقداري كانوا ما يسبينوش يعني لو ما كنتش أعرف المناخ ده استوائي أبقي جاهل ؟

يعني لو ماكنتش أعرف الجبل ده التوائي أبقي جاهل؟ يعني من غير ايزي زوي وميزي زوي وكيني زوي أبقي جاهل؟ دا كلام فارغ صحيح دا مقرر مش مريح دي متاعب دي سماجة بس لما أبقي عميد والأمل ده مش بعيد أبقي ألغي كل حاجة

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

لوبي باراباس الجدد ..!

لماذا لم يفكر هؤلاء الاشاوسه في نشر فيديوهات للأسقف مار ماري عمانوئيل ضد المثلية والبابا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.