الجمعة , مارس 29 2024
خالد محمود

قراءة هادئة لانتخابات نقابة الصحفيين

خالد محمود

تستحق نتائج انتخابات الصحفيين قراءة هادئة، لأهميتها لماهو ابعد من الحالة الصحفية وهو المجتمع المصري كله قراءة تحاول أن تتجاوز الحالة المشاعرية السريعة ، سواء المتفائلة التي تراها “بداية صحوة ثورية ” ، أو المتشائمة التي تراها “لعبة دولة عميقة ستنتهي سريعا بالانقضاض “، ” ، قراءة يمكن اجمالها في المؤشرات التالية:

1- أن أول خطأ ارتكبته الحكومة ،وادى إلى فوز مرشح تيار الاستقلال خالد البلشي، هو تصرفها بمنطق2013، 2014، وبالتالي لم تبحث الحكومة عن مرشح يحمل ملامح توافق ولو وهمية ( عبد المحسن سلامة مثلا ) لكن دفعت بالخيار الاقرب لها والانسب في تصورها حكوميا وأمنيا ، الأبعد عن المزاج الصحفي .

2- أن الحكومة لم تدرك أن المناخ العام (صحافة وغير صحافة ) أصبح مختلف بحكم الازمة الاقتصادية والسياسية وأنه اذا حيل بينه وبين الصناديق ، ولم تتم “الاعيب كبرى” لن يختار الا مرشحين ساعين للتغيير .

3- أن المزاج الصحفي بشكل خاص حاليا في اسوأ حالاته ، صحف مغلقة، زملاء معطلين وهم في ذروة قدراتهم على العطاء ، مشاكل مالية تجعل اعداد تعيش على البدل أو بدل البطالة، مشاكل مؤسسية، خوف يخشاه الصحفي من السجن بسبب اي خبر، خوف من حمل الكاميرا في الشارع ، سقف منخفض ، صحفيون معتقلون ومستمرون في الحبس رغم كل دعوات اطلاقهم ، نقابة مكفنة من الخارج “مأمنجة “، و “مكمرنة ” من الداخل اضحت مكان غير محبب للصحفي ، ومن ثم فاختيار مرشح الحكومة يعني استمرار الأمر الواقع بل ولربما تدهوره اكثر .

4- أن الأمر لم يقتصر على عدم توفق الحكومة في اختيار مرشح ، بل اقترن هذا بمارسات يمكن وصفها بالتعالي ارتكبها “تيار الموالاة”، مبالغات استفزت جموع الصحفيين ، ودفعت ب “الكتلة الحرجة ” الى اختيار مرشح التغيير ، منها برنامج تلفزيوني خرج فيه مرشح الموالاة وحده وتجاوز فيه المذيع أو المقدم ، وتغطية احادية في فضائيات وصحف للانتخابات لا ترى الا المرشح الحكومي وترى الاخرين (هوا)، ومنها تسريب نسب لمرشح الموالاة حول التحقيق مع صحفي بشأن بوست على صفحته وصف فيه سياسة الحكومة ب “الجباية ” ، وهي وقائع لم يبذل مرشح الموالاة جهدا في انكارها او تبريرها أو تفسيرها ، مما عزز المشاعر المعادية لاختياره.

5- أن تيار الموالاة لم يدرك واقع ان انتخابات الصحفيين هي انتخابات نقابة راي في النهاية ، وما يصلح في انتخابات المحليات لا يصلح في الحالة الصحفية ولو شكلا على الاقل ، فتصرف (بعض) انصار الموالاة بمنطق ( أنا الدولة ) يوم الانتخابات ذاته، وليس نموذجا فجا على هذا أكثر من الهتافات الشبيهة بالكروية التي هتفت سواء في السرادق أو أمام اللجان او حتى واقعة شهدتها بنفسي وهي الدعاية على باب لجنة ، والتي كادت تتطور لاشتباك لولا حكمة وحسم اللجنة القضائية .

6- أن هناك تناقضات بسيطة جدا لعبت دور ، لم تدركها ماكينة الانتخابات الحكومية ، وهو أن المرشح الحكومي عادة ما يكون من (الأهرام) لما لها من ثقل تاريخي وعددي وتقليدي ،.

فاختيار المرشح من خارج الأهرام ايضا له دور ، لأنه حتى لو تم ينبغي أن يكون له ثقل اخر (حالة جلال عارف نموذج مثلا )، كما أن الامر لم يخل من نيران صديقة .

7- أن هناك “ترند” ، اشاعة، حقيقة ، (ربما)، سادت في اوساط الصحف القومية ، أن مرشح الموالاة قادم لتفكيك المؤسسات القومية وخصصتها وبيعها وبالتالي تشريد الصحفيين ، وهذه شهادة سمعتها بنفسي من صحفية في الأهرام قالت أنا صوت لخالد البلشي دفاعا عن نفسي ، وهذا الكلام او الاشاعة ايضا لم يجد من ينفيها او يضحدها .

8- ان التحكم الحكومي في المؤسسات القومية عبر الحشد ، زمن وانتهي ، فقد راح لحال سبيله زمن إبراهيم نافع وسمير رجب ، اذ لم يعد هناك أمثال هؤلاء ، ولم يعد احد قادر على حشد أحد ، ولا احد يملك ما يحشد به .

والله يرحم أيام (القوات المحمولة جوا ) حين كان يتم استقدام الصحفيين في الخارج للمشاركة في الانتخابات بتذاكر مجانية.

9- أن خالد البلشي تعامل بدأب مع هموم الصحفيين واسئلتهم ، استماعا ومحاولة لصياغة حل ، واذكر على المستوى الشخصي حين تكلمت معه بلهجة هجومية بشأن المخاوف المشروعة عند الاف الصحفيين بشأن البدل ،

أو عن كيفية انجازالاستقلال النقابي في ظل غياب الاستقلال الاقتصادي، كيف رد علي باسهاب وتفصيلا مقرا مخاوفي ، بل أتذكر في اللقاء نفسه أنه بدا بالرد على زميل صحفي عرف نفسه بأنه (ابن الدولة ) واتهم تيار الاستقلال بأنه السبب في اقتحام النقابة

10- أن خالد البلشي أيضا نجح ايضا في أن يقدم نفسه في المعركة أنه ابن “المهنة ” ، وليس “ممثل اليسار ” ولا “25 يناير ” ، واستطاع أن يزيل الصورة السلبية أن اليسار والينايرية ضيعوا النقابة بحماقتهم التي راجت بعد اقتحام النقابة ، وهذا لعب دورا حاسما في تجاوز كتلة اليسار ، وتيار الاستقلال ، والينايرية التقليدية ، التي تدور حول رقم ال500 صوت ، لتجتذب الكتلة الحرجة ولتقنع التيار الرئيسي الصحفي بامكانية قبوله كنقيب متوازن

هذه ابرز الملحوظات التي اتصورها عن الانتخابات من وجهة نظري ، و جلها ملحوظات ميدانية انعكست فيها عشرات النقاشات والشهادات من زملاء من مختلف التيارات ، كما انعكس فيها وجودي في نقطة تقاطع بين التيار اليساري الذي انتمي اليه فكريا (رغم اني لست من حلقة البلشي ) وبين الجماعة الصحفية التي انتمي اليها مهنيا طبعا هناك من يرى ان الأخطاء الحكومية ليست اخطاء وانما خطوات متعمدة ، لصنع نتيجة الانتخابات على النحو الذي انتهت اليه “لهدف لا ندركه سلبي او ايجابي” ، وهذه فرضية لا اقبلها ولا ارفضها لاحتياج الخيارين لحيثيات لا املكها ، ومتروك للمستقبل حسمها.

وهناك ايضا ملحوظة ضروري أن تقال بصدد محاولة قياس ما يحدث على باقي المجال العام في مصر ، وهي ملحوظة ايضا لا املك ردا عليها لكن ضروري نتذكر ما يقوله “أهل الاجتماع ” و”الاستبيانات ” في حالات شبيهة ، وهو ان “العينة ليست معبرة لمحدوديتها”.

ففي نهاية المطاف ، فان معركة نقابة الصحفيين على اهميتها وخطورتها تمت في اطار ال (5000 صوت)، كما “تمت في نقابة نوعية ” و في “ظروف نوعية ” لها اختلافاتها مع باقي المجال العام ولا يمكن القياس عليها كامل المجال العام ، وهذه الملحوظة لا اقصد بها التقليل مما جرى ، ولكن اقصد وضعه في اطاره دون تهوين أو تهويل

يبقى الختام ، وماذا بعد؟؟ الى اين تتجه النقابة بعد هذا “الزلزال المفاجيء”؟؟ الحقيقة لا احد يمكنه التنبؤ بالمستقبل .

ثلاثة تصورات طرفية

هناك 3 تصورات طرفية

التصور الأول يقول أن الحكومة لن تسكت ، بوصف النقابة اختطفت، وأنها ستتبع “سيناريو الدولة العميقة” وستتسلى على النقابة من وقف بدل حجب معونات أو تحريض متمردين حتى ينقلب الصحفيون على المجلس

التصور الثاني يخص الجانب الحكومي وهو أن ماجرى “لعبة” صنعتها الحكومة لعمل هامش ، وتصور طرفي

تصور ثالث يقول ،ان اليسار أو الينايرييين ، سيتصرفون بصدامية وبمنطق أنها “ام المعارك” و سيدخلون في صدام صفري لتحرير المهنة والنقابة.

في تقديري ، انه ليس هناك ما يعذي اي التصورين في الواقع الحالي . فالجماعة الصحفية التي اختارت خالد البلشي هي التيار العام الصحفي وليس مجموعة ال500 ، وهي لن تكون وراء رفع سقف النضالات ،وأظن ان الجماعة مهمومة بطموحات مهنية بسيطة وهامش سقف وحريات ورد اعتبار للمهنة والكارنية ليس الا، كذلك فإن خالد البلشي بعث برسائل أنه قادم” للتغيير المهني الممكن “لا للصدام ولا للصراع السياسي هو مسعاه

وهي رسائل لا تخطئها عين سواء في دعايته ، أو خطابه بعد الفوز ، أو بزيارة المرشح المنافس.

في المقابل فان الموقف الحكومي الأولي “حتى هذه اللحظة” تعامل ويتم التعامل بعقلانية مع الواقع الجديد ، فتم قبول النتيجة بسرعة رغم دقائق من الالتباس ، وتمت استضافة خالد البلشي في برامج ، كما راجت روايات وسط الصحفيين عن اتصالات واشارات مباركة .

لكن..السؤال ….. ماذا اذا تغيرت أوضاع وحدثت معارك ؟ وماذا اذا تغير الواقع السياسي في البلد؟ وماذا اذا تفجرت معارك كامنة مثلا مثل سلم النقابة؟ ، ماذا اذا تصاعد اعتصام لمفصولي صحيفة داخل النقابة ، أو حتى لجوء اصحاب مظلمة من المجتمع اليها ؟ .

هل تستمر هذه “الرشادة الهادئة في الزمن الهاديء ” ؟؟.

هذه اسئلة صعبة لاشك ، وتدخل في قراءات لوغاريتمات المتغيرات ، لكنها متغيرات ليست النقابة الا طرف فيها، وبظني لا يمكن قراءتها إلا بوصفها جزء من تغيرات مجتمع .

ربما الاجابة الأنسب من هذا لها هو مقابلتها بسؤال “وهل كانت ستصمد النقابة اذا حدثت مثل التغيرات ذاتها حتى كان على المقعد نقيب من تيار الموالاة مثلا ؟ .

نقاشات مفتوحة وتحتمل عشرات التكهنات .

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.