الثلاثاء , أبريل 30 2024
الكنيسة القبطية
كمال زاخر

عرض كتاب : القديس بولس الرسول «حياته * لاهوته * أعماله» للأب متى المسكين [3] ـ

حياة القديس بولس الأولى وتشكيل ذهنه توطئة لقبوله الإيمان

كمال زاخر الأربعاء : 19 إبريل 2023

لم يشتبك القديس بولس مع المسيحية ـ مقاوماً ثم مؤمناً ـ من فراغ، بل وفق خطة الهية محكمة كانت تعده لدوره المحورى الذى قام به، واستطاع أن يُنَظِّر كل ما قاله وعلم به رب المجد، ليصير ما قدمه عبر رسائله ورحلاته بل ومعاناته دستوراً للمسيحية، وقد اقترب الكاتب بشكل موثق من حياة القديس بولس قبل أن يظهر فى المشهد المسيحى، طفولته وشبابه، التكوين والنشأة، وفيها نلمس كيف تم إعداده ليكون إناء مختاراً للرب.

وحين يدافع القديس بولس عن نفسه يقدم تقرير عن اصالة يهوديته “من جهة الختان مختون فى اليوم الثامن، من جنس اسرائيل، من سبط بنيامين، عبرانى من العبرانيين” (فى 3 : 5).

ويرصد الكاتب الدراسات التاريخية عن القديس بولس الرسول فيجد أن اسم “شاول” تعنى “المشتهىَ ـ شوقى” او “المطلوب فى الصلاة”، وقد يكون اشارة إلى أن والديه كانا يشتهيان أن يرزقا بإبن، وعلى هذا يكون بولس هو الإبن البكر لوالديه، ولما كان أبوه فريسياً ملتزماً بأن يكون البكر نذيراً للرب، فقد حرص على أن يرسله لدراسة الناموس والتوراة وهو بعد صبياً، فتفتحت مداركه مبكراً على النبوات التى كان محورها المسيا المنتظر، وعندما تلقى الإنجيل من الرب مباشرة فى سنوات اعتكافه بصحراء العربية أدرك انطباق النبوات التى درسها بتدقيق على شخص يسوع المسيح.

وينقل الكاتب عن أوريجانوس ـ ويؤيده العلماء المحدثون ـ أنه كان يحمل اسمين؛ الأول عبرانى “شاول” والثانى رومانى “بولس” منذ ولادته، فيما يرى القديس اغسطينوس أنه أخذ اسم “بولس” فى بداية عمله كمبشر، ويؤيده فى هذا القديس يوحنا ذهبى الفم والذى يقول ايضاً أن ق. بولس ولد سنة 2 ميلادية. وقد حمل الجنسية الرومانية بالمولد ربما لأن أبيه أو أحد أجداده قدم خدمة جليلة للدولة أو للأمبراطور.

وهنا ندرك كيف أعده الله لخدمته الجليلة بجمعه بين الدراسة المعمقة كفريسى للنبوات وبين حرية الانتقال والحماية التى تسبغها عليه جنسيته الرومانية، وبين اتقانه للعبرانية لكونه فريسى وكذلك اليونانية لكونه مواطناً رومانياً له وضعه الإجتماعى المتميز.ويكشف الكاتب سر ومغزى تأكيد بولس انتمائه إلى سبط بنيامين؛ أنه السبط الذى خرج منه أول ملك على اسرائيل واسمه “شاول”والذى على اسمه تسمى بولس، وهو السبط الذى دعم رحبعام بن سليمان ليسترد المملكة، وهو السبط الذى واجه مع سبط نفتالى الكنعانيين وانتصرا بقيادة دبورة قاضية اسرائيل، وهو السبط الى استرد معظم ارضه بعد العودة من السبى، وبنيامين رأس السبط هو الوحيد من أولاد يعقوب الذى ولد فى أرض الميعاد بالقرب من أفراتة بيت لحم، وبنيامين هو الأصغر بين اخوته كذلك بولس يقر

“أنه الأصغر بين الرسل”. وفيما اختارت راحيل لإبنها اسم “بن أونى” أى “إبن عنائى” ثم حوله أبوه يعقوب، بعد وفاتها عقب ولادته، إلى “إبن يمينى = بنيامين”، هكذا كان بولس “ابن عناء” ومقاوم للمسيح، ثم تحول إلى إناء مختاراً يحمل اسم المسيح الى ملوك وأمم.

ثم يعرج الكاتب إلى تعليم بولس منذ طفولته وصباه والذى بدأ بالتمرن على قراءة الأسفار، ثم على كتب شرح الناموس، ثم فى مطلع شبابه يتتلمذ على الناموس حتى يتقن تفاصيله، ويدرك بعدما تقابل مع المسيح أن هذه الكتب المقدسة تقوده لمعرفة المسيح وهو ما اشار إليه فى حديثه الى تيموثاوس الذى مر بنفس خبرة بولس فى النشأة،

“وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تُحكِّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع” (2تى 15:3).

ينتقل بولس فى بواكير شبابه الى أورشليم ليستكمل دراسة الناموس والتوراة بتدقيق على يد “غمالائيل” اشهر معلمى اسرائيل، ثم يشير الكاتب إلى التزام والد بولس بتعليم التلمود الذى يوجهه لتعليم ابنه صنعة تعينه وقت الأزمات أو العوز لظروف خارجة عن سيطرته، فعلمه ابوه صنعة الخيام حتى احترفها.

ويستعرض الكاتب نمو بولس الصبى ثم الشاب وصراعه وخوفه من الخطية بين ضغوط مرحلة البلوغ وأحكام الناموس المتشددة، حتى يدرك النعمة أو تدركه النعمة فى المسيح، المسيح الذى قتل له الخطية ورفع عنه لعنة الناموس، إذ اصبح وكأن الناموس لا وجود له عندما أُبُطلت الخطية، فدخل بولس أسيراً لنعمة الحياة فى المسيح يسوع، بعد أن كان اسيراً لناموس الخطية والموت.يرصد الكاتب الحالة الدينية السائدة وقت نشأة ق. بولس والتى شكلتها ارتباكات سيطرة الحاكم الرومانى على خريطة الكهنوت اليهودى وتدخله فيها، وازدياد تمسك اليهود بالعبادة (الشكلية) الأمر الذى انعكس على ارتفاع شأن الكتبة والفريسيين وعلماء الناموس، وانتشار فتاويهم التى تحكم الشارع اليهودى.

ويكشف فى هذا السياق عن قيمة وأثر غمالائيل باعتباره اشهر حكماء اسرائيل والذى عندما يصفه سفر الأعمال يقول عنه “رجل فريسى اسمه غمالائيل معلِّم للناموس مكرَّم عند جميع الشعب” (أع 5 : 34).

وقد استقى بولس الرسول من هذا المعلم ـ بحسب الكاتب ـ ثلاث خصال:

1. الصراحة مع الصدق مع أمانة الحكم على الأمور.

2. الاستعداد للدراسة باللغة اليونانية والاستشهاد بالكُتّاب اليونانيين.

3. اليقظة والغيرة على الناموس اليهودى.

كان تأثير غمالائيل على بولس كبيراً ولهذا يقول ق. بولس “وكنت اتقدم فى الديانة اليهودية على كثيرين من أترابى فى جنسى، إذ كنت أوفر غيرة فى تقليدات آبائى” (غل 14:1).

تتجمع خيوط عديدة لتشكل ذهنية ق. بولس، فى وضعه الاجتماعى والدينى والثقافى وتنصهر كلها فى بوتقة اللقاء الحاسم مع المسيح فى طريق دمشق، لتخرج لنا أعظم من قدم المسيح للعالم (الأمم).

يعود الكاتب فى فصل تال ليتتبع مسار علاقة بولس بالكنيسة والتى بدأت بتعقبه لها كجماعة معادية يجب محاصرتها والقضاء عليها، وهو ما سنتناوله فى لقاء قادم “شاول الفريسى مضطهد الكنيسة”

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.