جريدة الأهرام الجديد الكندية 
مقالات مشابهة
في زمن عشق الوطن وزمن الإنحياز الفكرى والإنساني لهموم وقضايا العمال والفلاحين وكادحى الوطن يطير الطائر القانونى يجوب شوارع مصر في الأربعينات يركب دراجته حاملا شنطة أوراقه محاميا ورفيقا ومهموما بقضايا ما كان يسمي بالطبقة العاملة في مصرنا الحبيبة.
هو ابن مصر الحالم بإشتراكية حقيقية تتوازن فيها توزيع الثروة علي كافة مواطنى المحروسة ويخص عمالها وفلاحيها .
يقرر رغم اتقانه الانجليزية والفرنسية وطباعة الارستقراطية المميزة الا أنه يظل دائما ودوما احد أجمل من تتلمذت علي يديهم في كيفية التحاور والتحدث الي كافة فئات المجتمع وعلي الرأس عماله .
كنت حائرا ماذا أفعل قلبي وعقلي مع فكر وعاطفة العم القديس الكبير نبيل الهلالي والعم الكبير يوسف درويش والتقيت العم يوسف درويش في بيته بباب اللوق .
تخيلت للوهلة الاولى اننى ساجلس مع احد أصدقاء والدى الارستقراطي المظهر ولكنى بعد أول جلسة امتدت لأكثر من ساعتين وجدتني أجلس تلميذا شابا صغيراً مع عملاق فكرى ونضالي هو العم يوسف درويش .
توالت الجلسات وأحسست بفخر شديد أن تتم تلمذتي علي أيادى عظماء الفكر الاشتراكي في مصر
أبي الذي رحل عنى صبيا صغيرا والعم مبارك عبده فضل والعم أحمد الرفاعي الذي احتضني عامين كاملين والعم عبد المنعم القصاص ذوى المدرسة الفكرية والنضالية والتنظيمية الواحدة انها مدرسة بل جامعة حدتو .
ثم تأتي مدرسة تنتمي لنفس الفكر ولكن من مدارس تنظيمية أخرى تختلف وتتفق ويأتي دور المدرسة النضالية الكبيرة مدرسة عمو نبيل الهلالي قديس النضال الوطني المصرى ورائدة المحاماة مرافعة ونقابة ويأتي معه دور العم المناضل الكبير يوسف درويش اخر من علمني العمل وسط الناس تنظيميا وفكرا ولغة حوار تجبر الأخر علي القناعة بما تحمله من أفكار طاهرة المضمون صعبة التطبيق .
الزمان عام ٢٠٠٣ ، المكان بيت العم يوسف درويش في باب اللوق وتبدأ الجلسة وتبدأ اسئلتي ، مضطربا صائحا يا عمو تغيرت مكونات ومعاني الطبقة العاملة في ظل الهجمة التكنولوجية المرتقبة
يصيح عمو يوسف بعد صمت وانصات لتساؤلاتى ، ياصلاح طول ما في استغلال وجشع يبقي في طبقة موجوعة وهى دى الطبقة العاملة بشكلها الحديث بحداثة تكنولوجيا العصر الجديد بتاعكم ،أنت عارف ياصلاح هكذا استرسل عمو يوسف انت ابن زكى مراد أكتر واحد كان مشرق ومتفائل ومنفتح علي جميع المدارس الفكرية وكل الرفاق مش عايزاك ياصلاح تبقي شخص منغلق علي نفسك أقرأ بإستمرار في الاقتصاد والاجتماع
ثم قام تاركا سيجاره الصغير بجلبابه المتميز ذاهبا الى مكتبته في الغرفة التى تقع خلف صالة منزله حيث الركن الذي كنا به نجلس وأحضر معه النشرة الاقتصادية الدورية التى يصدرها البنك الأهلي المصري ويقوم باهدائي آياها طالبا منى مداومة الاطلاع عليها .
خرجت من لقائه سائرا علي قدمي من بيته بباب اللوق الي بيت أبي بالمنيرة متسائلا ماهذا الرجل الجميل الكبير الذي تخطي التسعين عاما ومازال يحتفظ بكل بريقه الذهنى والفكري وينزل صبيحة كل يوم يفطر الفول من عربة في الشارع المقابل لشارعه ثم يجلس وسط البسطاء علي المقهى يحتسي القهوة
ويتذكر طنط اقبال زوجته ورفيقة دربه .
عمو يوسف درويش علمنى احترام الوقت وكنت تلميذا خائبا في درس إحترام الوقت والتوقيت رغم ما تلقينات عمو يوسف العملية لي واهمه اصلاح .
ويخرج عمو يوسف درويش ورقته البيضاء المحددة بتواريخ الشهر والمقسمة الي اربع اسابيع معنونة باليوم التاريخ ويصيح كده موعدنا القادم يوم كذا الساعة كذا ومعي موبايلي النوكيا انذاك …
وتمر اسابيع قليلة ويرن معها هاتفي ليذكرنى عمو يوسف بموعد الغاء
يا الهي ما كل هذا النظام ما كل هذا التنظيم أنه عمو يوسف درويش المناضل الكبير الذي تخطي عامه الثالث والتسعين ورغم ذلك يثابر يناضل من أجل تحقيق حلمه الذي سعي إليه أكثر من تسعون عاما
عمو يوسف درويش الذي يستقبلك ببشاشة وجهه وابتسامة قلبه وكرمه الفياض ويلقنك درسا تلو الاخر وبجد عمو يوسف حضرتك تركت فراغ كبير في حياتي وحين اقتربت من قلب وفكر عمو نبيل الهلالي ود. أحمد عبدالله رزة وعمو يوسف درويش رحلوا وودعوا حياتنا واحدا تلو الاخرى في أيام متقاربة في شهر يونيو لكن تبقي افكارهم ورحلة حياتهم تنير ما تبقي من حياتنا
عمو يوسف درويش ايو نولة أمنا الصغيرة ومن علمتني صغيرا لها كل التحية والتقدير وبجد عمو يوسف درويش حضرتك وحشني جدا وجلستك الممتعة وحشاني جدا وفكرك وفكر ابي وكل رفاقكم وحشني جدا وعلاقاتكم الرفيقة وحشني جدا في زمن التوكتوك هذا الذي فيه نحيا ..
سلام عمو يوسف درويش والسلام أمانة لحضرة وحضرات كل من ودعنا من الرفاق .
صلاح زكى مراد مواطن مصرى على باب الله
