الثلاثاء , أبريل 16 2024
Hany Sabry
هاني صبري

وحدة الكنيسة ما يزال حلم يراود المؤمنين بالمسيح

بقلم . هاني صبري

تداولت أنباء في العديد من وسائل الإعلام عن زيادة مرتقبة لقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، للفاتيكان حيث تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية فى 10 مايو المقبل بيوم المحبة الأخوية، وهو لقاء سنوي بين الكنيستين حيث يزور البابا تواضروس الثاني.

روما ويلتقى بالبابا فرنسيس بابا الفاتيكان وذلك بالتزامن مع ذكرى مرور 10 سنوات من لقائه مع البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وبعد 50 عامًا من الاجتماع الأول بين البابا بولس السادس بابا الفاتيكان والبابا شنودة الثالث البطريرك الـ117 .

أنباء الزيادة أحدثت حالة من الجدل بين الأقباط بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي تناولوا تلك الخبر بسهام النقد بدون ثمة أيّ مبرر لذلك لشئ في نفس يعقوب، غرضهم فقط الهجوم على البابا تواضروس الثاني ونحن نؤيد وندعم مساعي البابا بالسعي الجاد في طريق الوحدة بين الكنائس المؤسسة علي الكتاب المقدس .

يصف لوقا البشير وحدة المسيحيين الأوائل في أورشليم، بهذه الكلمات “وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا” (أع 4: 32)، هذا ما امتازت به الكنيسة الأولي بالشهادة لقيامة المسيح وحياة الشركة والوحدة والصلاة والمواظبة على تعليم الرسل، عليه نحن مطالبين ان نتمثل لهذا التعليم من أجل إعادة وحدة الكنيسة، ولكن بعد مجمع نيقية 20 مايو 325 بدأ

مجتمعنا المسيحي بالانقسام متنافسين في فهم وتفسير ما أعطاه لنا الرب يسوع من تعليم، متجاوزين به ما أكده التعليم الكتابي بحسب بولس الرسول الذي قال لنا فيه: “وَلكِنَّنِي أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَلاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ” (1 كو 1: 10).

واستمر ذلك وصولا إلى ما يُسمّى بانشقاق الشرق والغرب، أو انشقاق العام 1054، هو انقسامٌ أصاب المسيحية ويُعرف إلى الآن باسم الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، وإلى يومنا.

يُعتبر هذا الانقسام هو الذي أسس للخلافات اللاهوتية والسياسية بين الشرق والغرب المسيحي،،..ومنذ ذلك اليوم وهناك محاولات التقارب بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية، لا تزال مستمرة، لكنها لم تسفر عن أي جديد، فهل تشهد السنوات المقبلة، عودة جديدة تضم كنائس المسيح في وحدة واحدة .

منذ حوالي 2000 يوجه إلينا بولس الرسول سؤال في رسالته إلى اهل كورنثوس الاولى بقوله: “فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكُمْ، يَا إِخْوَتِي، عَلَى لِسَانِ عَائِلَةِ خُلُوِي، أَنَّ بَيْنَكُمْ خِلافَاتٍ. أَعْنِي أَنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ يَقُولُ: أَنَا مَعَ بُولُسَ وَآخَرُ: أَنَا مَعَ أَبُلُّوسَ، وَآخَرُ: أَنَا مَعَ بُطْرُسَ، وَآخَرُ: أَنَا مَعَ الْمَسِيحِ فَهَلْ تَجَزَّأَ الْمَسِيحُ؟ أَمْ أَنَّ بُولُسَ صُلِبَ لأَجْلِكُمْ، أَوْ بِاسْمِ بُولُسَ تَعَمَّدْتُمْ” (1كور 1 :11-13).

هذا السؤال موجه لنا اليوم وما اشبه ذلك بالأمس من سيجيب عنه في حاضرنا وعبر الدعوات المتنوعة للوحدة، حين يتنبأ بولس الرسول لما سيحدث عن وجود خلاف بين اغصان كنيسة المسيح.

بالرغم من هذا التقليد المشترك بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية لقرون عديدة ، حُرم الكاثوليك والأرثوذكس منذ قرابة الألف عام من الشركة في الإفخارستيا.

تقسمنا جراح سبّبتها نزاعات ماضٍ بسسب صراعات سياسية، وخلافات، ورثناها عن أسلافنا، في فهم وعيش إيماننا بالله، الواحد في ثلاثة أقانيم – الآب والابن والروح القدس.

نأسف على خسارة الوحدة، نتيجة الضعف البشري، الذي حصل بالرغم من صلاة الرب يسوع المسيح الشفاعية قبل الصليب في إنجيل يوحنا الإصحاح 17: “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي.”(يو 17: 21).

ولا يوجد لدى الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية سوى بعض الاختلافات في اللاهوت ونماذج النظام الكنسي مختلفة. وبالتالي ، فإننا لا نعترف بالسلطة العليا لبابا روما على الكنائس الأخرى.

ومع ذلك ، فإن الاختلافات بين الأرثوذكسية والكاثوليكية ليست كثيرة، والأشياء المشتركة بينا اكثر بكثير من الأمور الخلافية التى يمكن حلها.

فالوحدة في المسيحية يجب أن تكون طريقنا في الحياة كما علمنا الرب يسوع، وكما أن وحدة الآب مع الابن قائمة على المحبة الكاملة ووحدة الجوهر والطبيعة ووحدة المشيئة والإرادة ووحدة العمل، فهكذا وحدة المؤمنين تعني أن يكونوا كنيسة واحدة لهم إيمان مشترك واحد، ويحيون بالروح الواحد، ولهم قلب واحد وفكر واحد، مرتبطين برباط المحبة والأخوة.

ويسعون إلى غاية واحدة، هو مخلصنا الصالح ربنا يسوع المسيح طريقنا لملكوت السموات.

إن مَحبَّتنا لبعضنا البعض وللجميع ولرب الكنيسة هي التي تثبتنا فيه وهي وحدة مقدسة وفريدة في نوعها ومهما عبرت هذه الصور عن قوتها إلا أنها أيضًا مُجرَّد تشبيهات.

لأنَّ وحدتنا مع الله بابنه يسوع المسيح تفوق هذه الصور جميعها. لذلك ينبغي ألا يُعطّلنا شيء عن هذه الوحدة ، فالمؤمنون ينبغي أن يكونوا واحدًا مع بعضهم البعض على مثال وحدة الثالوث، أي مثال وحدة الآب مع الابن والروح القدس.

وحدتنا مع الآب والابن فتعني أننا جميعًا ليس لنا إله آخر، وتعني ثباتنا في الإيمان به وفي محبته وصدق انتمائنا إلى ملكوته وقبول سيادته وسلطانه، والخضوع لوصاياه وتعاليمه. والوحدة أيضًا تتضمن التكامل بمعنى أننا بوحدتنا مع الله نبني مملكته وندعم سلطانه ونعلن اسمه للعالم ليؤمن به العالم وهو يعمل فينا وبنا.

وإن كانت معرفتنا بالمسيح تقودنا إلى محبته والوحدة معه فهذه تقودنا إلى معرفة الآب ومحبته والوحدة معه لأنه هو والآب واحد (يو10: 30).

وفي طلب الوحدة: نوال المجد الأبدي، فإذ يصبح المؤمنون واحدًا مع بعضهم البعض وواحدًا مع الآب والابن فإنهم ينالون المجد الذي أعطاه الآب للابن “وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني”. وايضاً في طلب الوحدة فيه انتشار الإيمان بالمسيح. لأنَّ تَوحُّد المؤمنين يدفع العالم إلى الإيمان بالمسيح كما قال له المجد “ليؤمن العالم أنك أرسلتني” (يو17: 21).

وأنَّ إرساليته علامة محبة الآب للعالم “بهذا أُظْهرَتْ محبة الله فينا: أنَّ الله قد أرْسَلَ ابنَهُ الوحِيدَ إلى العالم لكي نحيا بهِ” (1يو4: 9).

وإذ يدرك العالم هذه الحقائق ويؤمن بالمسيح فإنه ينال خلاصه. وهذا كمال إرادة الآب “الذي يُريدُ أنَّ جَميعَ النَّاس يَخْلُصونَ، وإلى مَعْرفَةِ الحَقِّ يُقْبِلُونَ” (1تي2: 4).

جدير بالذكر أن هناك شعورٌ طاغٍ بضرورة الوحدة المسيحية بين كل الكنائس، فكل كنيسة تُنادي بضرورة الوحدة المسيحية. ولكن الوحدة قد تكون صعبة للغاية طالما البشرية تبحث عن السلطة والرئاسة والزعامة ومجدها وبرها الذاتي .

فالحقيقة أن كثير من الكنائس ليست تريد الوحدة، فلا يمكن لرؤساء الكنائس وحدهم حتى لو وقفوا كلهم معاً متحدين بعضهم مع البعض أن يُنجزوا شيئاً في الوحدة.

فالسعي نحو الوحدة يحتاج تضافر كل الجهود والبعد عن إلانا والتحزب فالتعب مشترك في الجسد كله، جسد البشرية كله:

المرض واحدٌ، والصراخ واحدٌ، والتعب واحدٌ. ولكن، مَنْ الذي يقوم بالاحتجاج؟ مَنْ الذي يقوم بالصراخ؟ يجب أن تكون الكنيسة واعية بالبشرية المُتعَبَة، فتقف لتصلِّي . ولكن للأسف، بعض الكنائس نفسها مُتعَبَة هي الأخرى.

بسبب الانقسامات والتعصُّب، وإن مصدر التعصُّب أرضي، لا يمكن أن يكون سماوياً.

هل من الممكن أن تكون السماء مصدر القلق وسبب التعصُّب والكبرياء والانقسام؟ يستحيل ! . نحتاح أن نتعلم من ربنا يسوع المسيح حين غسل أرجل التلاميذ وصبَّ ماء في مغسلة وغسل أرجل الذين هم دونه (يو 13: 5،4)؛ لأنه أراد أن يُعلِّمنا الاتضاع، فإذا لم يكن في الإنسان الاتضاع الكثير بكل القلب، وبكل النيَّة، وبكل الروح، وبكل النفس، وبكل الجسد؛ فلا يرث ملكوت الله كما هو مكتوب (1كو 6: 10؛ غل 5: 21؛ أف 5: 5 فوحدة المؤمنين علامة قوية على صحة إيمانهم.

وعلى العكس من ذلك فإن تفرقهم وانقسامهم يشير إلى عدم سلامة إيمانهم أو على الأقل عدم محبتهم لبعضهم البعض الذي أثمر هذا الانقسام. خصوصًا أن المحبة هي العلامة الرئيسية للشهادة لإيماننا أمام العالم كما قال المسيح له المجد “بهذا يَعْرِفُ الجميعُ أنَّكُمْ تلاميذِي: إنْ كانَ لكُمْ حُبٌّ بعضًا لبعض” (يو13: 35).

ويجب أن نَعِي أن وحدتنا علامة محبَّتنا، ومحبَّتنا هي قوة كرازتنا لجذب الناس للمسيح.

وعندما يثار خلاف داخل الكنيسة بين بعض الأشخاص لتحقيق مصالح شخصية ضيقة أو إدعاء مجد زائف مما يدعون أنهم حماة الإيمان وحراس العقيدة أو غيرهم من المحدثين فهي معارك ثنائية صفرية ومفتعلة لا فائدة منها ولا طائل من ورآها لأن كنيستنا مجمعية تتخذ فيها القرارات بعد مناقشات مطولة ودراسات عميقة ومتأنية من أعضاء المجمع المقدس.

ويجب أن يطمئن الجميع علي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أقدم كيان مؤسسي علي مستوي العالم حافظت علي إيمانها وعقيدتها أكثر من ألفي عام، ولها قواعد إيمانية وتقاليد راسخة.

وعلي الجميع نبذ أي خلافات شخصية والبعد عن الانقسامات والتعصب وتغليب مصلحة الكنيسة علي أي اعتبارات شخصية ومواكبة الحداثة والحرص علي سلامة ووحدة الكنيسة لكي تؤدي دورها بفعالية ككنيسة قوية حية موثرة لتوصيل رسالة الأخبار السارة للعالم كله ، ونؤيد وندعم كافة المساعي الجادة نحو وحدة الكنيسة المؤسسة علي الكتاب المقدس، فيجب علينا ان نشهد للحق وسط كنائسنا وهذا يجعلنا واعيين بوحدتنا وينعم علينا الرب بانسجام كامل في الفكر والإرادة والمشاعر.

( أفسس 3: 14–19).

وأن الإعلان عن الوحدة ما يزال حلم يراود المؤمنين المجتمعين باسم الرب يسوع، والوحدة التي نبتغيها ليست وحدة الكراسي وإنما وحدة الروح، وحدة القلب، وحدة العمل، ونحن على يقين تام من وحدة كنيسة المسيح، وأبواب الجحيم لن تقوي عليها.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

التعليم ـ الرهبنة ـ الإدارة : محاور الأزمة ومداخل الإصلاح

كمال زاخرالإثنين 15 ابريل 2024ـــــ اشتبكت مع الملفين القبطى والكنسى، قبل نحو ثلاثة عقود، وكانت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.