الجمعة , أبريل 26 2024
أخبار عاجلة
الكنيسة القبطية
وليم سيدهم اليسوعي

قراءة في الفكر الاجتماعي والفلسفي للأب وليم سيدهم اليسوعي

إعداد/ ماجد كامل

خرجت علينا وسائل التواصل الإجتماعي بخبر مؤلم وحزين مساء يوم الجمعة الموافق 12 مايو 2023 ، هو وفاة الاب وليم سيدهم اليسوعي مدير جمعية النهضة العلمية والثقافية بالفجالة .

أما عن الأب وليم سيدهم اليسوعي نفسه فهو وحسب المعلومات المتاحة لدي من مواليد محافظة قنا في 21 فبراير 1948 ، وتدرج في مراحل التعليم المختلفة فالتحق بالمعهد الاكليركي بالمعادي

كما حصل علي ليسانس الآداب قسم فلسفة وعلم نفس في جامعة القاهرة خلال الفترة من ( 1967- 1971 ) ، والتحق بعدها بالرهبنة اليسوعية في خريف عام 1972 ، وتابع بعدها مرحلة التكوين حسب قواعد الرهبنة اليسوعية (روحيات – فلسفة – لاهوت ) ما بين مصر ولبنان وفرنسا .

ثم سافر الي فرنسا وحصل علي درجة الماجستير ، وكان موضوع الرسالة ” علم التأويل عند ابن رشد ” .

ثم حصل بعدها علي ماجستير ثانية في علم اللاهوت وكانت حول العلامة ترتليان .

ثم عاد إلي مصر ليعمل مدرسا للفلسفة في مدرسة العائلة المقدسة الثانوية بالفجالة ، كما عمل أستاذا لعلم اللاهوت في معهد العلوم اللاهوتية والإنسانية بالسكاكيني .

وسيم كاهنا في 23 مارس 1984 وداوم علي الكتابة في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية والعالمية

كما اهتم بتكوين وتنشئة أجيال من الشباب القادر علي صناعة التغيير من خلال دورات تدربيية في الوعي والثقافة والفن ، وبشكل خاص من خلال مشروعه في جمعية النهضة العلمية والثقافية بالفجالة ، والتي منها خرج الكثير من المبدعين في مجالات المسرح والسينما والانتاج الفكري والأدبي .

( إبراهيم ناجي :- الأب وليم سيدهم اليسوعي الحر المستنير البسيط القادم من قلب الصعيد ، موقع البوابة ، 13 مايو 2023 ) .

ولقد كان مشروعه الفكري الكبير ، هو نقل تجربة لاهوت التحرير التي بدأت في أمريكا اللاتنية علي يد جوستاف جوتييرز Gustavo Gutierrez إلي مصر ، فعكف علي كتابة وترجمة عدد من الكتب في هذه المجالات نذكر منها ( لاهوت التحرير في أمريكا اللاتنية نشاته وتطوره ومضمونه – لاهوت التحرير في أفريقيا – لاهوت التحرير الآسيوي – كلام في الدين والسياسة نحو لاهوت تحرير مصري عربي …. الخ ) .

وحول فلسفة لاهوت التحرير ، يشرح الأب وليم في محاضرة له ألقيت مؤتمر الجمعية الفلسفية بجامعة القاهرة في 30 ديسمبر 1997 ، فيذكر أن الشرارة الأولي للاهوت التحرير جاءت في قرارات مجمع الفاتيكان الثاني

( 1963- 1965 ) حيث كان يحمل رؤية جديدة نتيجة وجود أساقفة من أمريكا اللاتينية تحمل وثائق هامة خاصة بالكنيسة في عالم اليوم ، والعلاقة مع الأديان الأخري .

وجاء كتاب للأب جوتيريز تحت عنوان ” محاذير التسييس الإنجيلي ” ناقدا لموقف الكنيسة الرسمية في أمريكا اللاتينية حيث تتصف بالدفاع عن المجتمع الرأسمالي المسيطر هناك .

وهذا يجعل الكنيسة نفسها جزء من النظام الرسمي القائم ، والمقولة السائدة أن الكنيسة لا دخل لها في السياسة ليست إلا شعارا هدفه تغطية الأمور والحفاظ علي سياسة الأمر الواقع .

والكنيسة لها شبكة كبيرة من العلاقات الاجتماعية تتمثل في علاقاتها مع مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية سواء من الغنية المسيطرة أو الفقيرة المحرومة ، وعن طريق مؤسساتها التربوية كالجامعات والمدارس والجمعيات الخيرية …. الخ .

أو عن طريق مؤسسات الدولة التي تربطها بها علاقات تاريخية ودينية ، تستطيع أن تساعد هذه الفئات المحرومة .

( وليم سيدهم :- كلام في الدين والسياسة ، دار مصر المحروسة ، صفحة 32 ) .

ثم يعطي نموذج آخر من خلال مقال كتبه الأسقف ديزموند تيتيو ، يذكر أنه مع التحرر السياسي الذي نالته معظم دول أفريقيا في الخمسينات والستينات من القرن العشرين ، إلا أن القارة مازالت تفتقر إلي الحرية الحقيقة ، وأهم ملمح لغياب هذه الحرية هو القطاع الاقتصادي الذي يخضع خضوعا بشعا للاستغلال الغربي الجشع .

ومن هنا كان نضال الأفارقة من أجل التحرر من الاستغلال الاقتصادي والقهر السياسي خصوصا في تلك البلاد الخاضعة للأقليات البيضاء .

ولاهوت التحرير جزء لا يتجزأ من كفاح السود لينالوا حريتهم ويفخروا بإنسانيتهم فلا يخجلون من النظر إلي الآخرين بل يتعاملون معهم الند للند .

ويرد توتو علي الاتهامات الموجهة من بعض الأوساط اللاهوتية المحافظة التي تجزم أن لاهوت التحرير مجرد سياسة ،

وأن روح الصلاة تنقص هؤلاء اللاهوتيين ، فيقول ” هذا النقد لا يخلو من وقاحة لأنه يفترض أن لاهوتيي التحرير لا يصلون في حين أنهم يلتقون يسوع المسيح في الصلاة والسكون ودرس الكتاب المقدس وممارسة الأسرار الكنسية .

فما يلهمنا هو الإيمان وليس السياسة .

ولاهوت التحرير ليس مجرد تمرينات ذهنية أو هذيان فكري .

فالقضايا التي يطرحها قضايا حياة أو موت لمن يتوجه إليهم هذا اللاهوت .

فهو يحاول أن يعيد إلي ضحايا القهر معني إنسانيتهم المفقودة كما يحاول أن يعيد إليهم قيمتهم الشخصية التي منحهم الله إياها . ( وليم سيدهم :- نفس المرجع السابق ، صفحتي 33 و34 ) .

ثم يتناول نموذج من آسيا هو الكاتب السيرلانكي اليسوعي الويزيس بيريز Aloysius Pieris ، حيث ينتقد بشدة النظرة الثنائية التي تفصل بين التأمل الروحي من جهة والعمل من جهة أخري ، فهذه الثنائية تعرض التعاليم الكتابية حول الصلاة والعبادة للخطر .

فالمسيحي الحقيقي ليس هو مسيحي التأملات النظرية المجردة .

بل المسيحي الحقيقي هو الذي قلبه يدمي للجائع والعطشان والمريض والذي بلا مأوي والسجين بسلاسل القوانين الاجتماعية الجائرة .

هذا هو المسيحي الذي يفتح عقولنا لنفهم الأسباب الحقيقة الظاهرة والخفية التي تعمل علي تجريد الإنسان من إنسانيته ،

وهو الذي يضع لنا نموذجا مختلفا للمجتمع الإنساني ، مجتمعا يتمحور حول النمو الحقيقي والشامل للإنسان لا حول تراكم الفوائد والممتلكات ( وليم سيدهم :- نفس المرجع السابق ، صفحتي 34 و35 ) .

والنموذج الأخير الذي يقدمه الأب وليم هو المفكر التربوي البرازيلي المعروف باولو فريري ، ففي كتابه ” تعليم المقهورين ” الذي يطالب بضرورة إعطاء الكلمة للشعوب المقهورة لتشارك في صنع القرار السياسي والاقتصادي .

ويذكر تجربة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ، ويؤكد أن من مميزات هذه التجربة أنها تمارس النقد الذاتي وتحالف الكنيسة مع النظام القائم ، وهو لاهوت شرعي يستمد شرعيته من قرارات ووثائق مجمع الفاتيكان الثاني . والخلاصة – حسب الاب وليم – يمكن تلخيص التوجهات الجديدة لخطاب اللاهوت التحرير علي النحو التالي :

1-القطيعة مع اللاهوت الغربي الأوربي والانطلاق من التحديات الراهنة المحلية .

2-إضافة مفهوم جديد لدور رجل الدين فهو خادم للشعب قبل أن يكون حارس للعقيدة .

3-إضافة مفهوم جديد لقراءة النصوص المقدسة وهو الانطلاق من الواقع المعاش واستخدام العلوم الإنسانية لفهم النصوص .

4 – إضافة مفهوم جديد لدور العقيدة الدينية هو الخدمة الصادقة للإنسان قبل تعليم العقيدة .

5-فهم مفهوم جديد للخطيئة . من الخطيئة الفردية إلي الخطيئة الجماعية .

6-ضرورة التكامل بين متطلبات الدين ومتطلبات الالتزام المدني .

( الاب وليم سيدهم :- نفس المرجع السابق ، الصفحات 40 و41 ) . وفي مجال اهتمام الأب وليم باللاهوت الإجتماعي ، قام بإلقاء محاضرة في كلية العلوم الدينية يالسكاكيني بعنوان ” التعليم الاجتماعي للكنيسة الكاثولوكية مائة سنة علي صدور وثيقة الشئون الحديثة 1891 – 1991 للبابا لاون الثالث عشر ” ، وكان تاريخ المحاضرة هو 18 يناير 1991 .

ولقد قام في هذه المحاضرة برصد وتحليل كل الوثائق الإجتماعية التي ظهرت في الكنيسة الكاثولوكية ، نذكر منها :

1-رسالتان في عهد البابا لاون الثالث عشر .

2- ثلاث رسائل في عهد البابا بيوس الحادي عشر .

3- رسالة في عهد البابا بيوس الثاني عشر .

4- ثلاث رسائل في عهد البابا يوحنا الثالث والعشرون .

5- ثلاث رسائل في عهد البابا بولس السادس .

6- أربع رسائل في عهد البابا يوحنا بولس الثاني .

( لمعرفة تاريخ ومحتوي كل هذه الرسائل يمكن الرجوع إلي : الأب وليم سيدهم :- كلام في الدين والسياسة ، نحو لاهوت تحرير مصري عربي ، دار مصر المحروسة ، 2003 ، الصفحات من 156- 188 ) .

وبحكم تخصص الأب وليم سيدهم اليسوعي في الفلسفة ، أهتم جدا بالقضايا الفكرية ، فقام بإلقاء محاضرة في الجمعية الفلسفية المصرية حول “قضية التأويل عند ابن رشد بحسب كتابه فصل المقال ” ،

وكان تاريخ المحاضرة خلال شهر ديسمبر 1998 .

ويذكر سبب اختياره لابن رشد أنه وجد فيه نموذجا للفيلسوف الذي أستطاع أن يصالح بين العقل والنقل ، وأن يصالح بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الأوربية وتمثلها الفلسفة اليونانية .

وركز علي مصطلح ” التأويل ” ومعناه إخراج دلالة اللفظ من المعني الحرفي إلي المعني المجازي ، وأعطي ابن رشد مفاتيح عامة لفراءة النص هي :

1-الحقيقة واحدة مصدرها الله وغايتها واحدة وإن اختلفت الوسائل للوصول إليها .

2-التعارض بين الشريعة والعقل تعارض عرضي وليس جوهري .

3-التأويل هو الآلية الشرعية لحل مشكلة التعارض بين العقل والنقل .

4- النظر البرهاني العقلاني مأمور به في الشريعة الإسلامية .

ولقد ركز ابن رشد في كتابه ” فصل المقال ” علي مصطلح التأويل ، وذكره 110 مرة .

ولقد ركز ابن رشد علي قضية التأويل أنه ينبغي أن لا يصرح به للجمهور العام . ويلخص الأب وليم القيمة الفكرية لابن رشد في النقاط التالية :

1- ثقافة ابن رشد الواسعة سمحت له أن يعالج النص الديني بقدر من التسامح والمنهجية العلمية في عصره .

2-العقلانية الرشدية أحوج ما نكون لها اليوم في حوارتنا المسيحية والإسلامية .

3-الانفتاح الثقافي والحضاري بحكمة واقتدار بحيث لا يفرط في هويته الإسلامية والعربية .

4- لم يقصد ابن رشد احتقار الجمهور بمحافظته علي التأويل لأهل العلم ن بل قصد أن يميز بين قدرات البشر ويحترم المرحلة التي يمر بها كل إنسان ، فهذا التقسيم ليس عنصريا ولكنه مرحلي حتي يتمكن العامة من الوصول إلي أهل البرهان .

5-الحوار بالمنطق والحجة عوضا عن العراك بالصوت والسيف .

(لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- الأب وليم سيدهم ، الصفحات من 190- 200 ) .

كما القي جنابه محاضرة في الجمعية الفلسفية المصرية بعنوان ” تجديد الحياة الروحية للرهبنة المصرية في القرن العشرين ، نموذج متي المسكين ” حيث قام بتقسيم الإنتاج الفكري للأب متي المسكين إلي أربع مراحل هي :

1-المرحلة الأولي :- من 1951- 1958 . وأهم ما يميزها كتاب ” حياة الصلاة الأرثوذكسية ” إلي جانب بعض مقالات في مجلة مدارس الأحد حذر فيها من إتباع المناهج العقلية الغربية ، و التركيز علي المنهج الشرقي .

كما دعا إلي ضرورة الاهتمام بترجمة كتابات الآباء الأولين ، لوصل التراث الماضي بالحاضر .

2-المرحلة الثانية :- من 1959- 1968 .

وفيها أهتم بتأسيس ” بيت التكريس لخدمة الكرازة ” بحلوان ، ومن ثمار هذه المرحلة كتاب ” العنصرة ” الذي وصفه أنه أول كتاب لاهوتي عصري عن الروح القدس في القرن العشرين . ومن الكتب الوطنية ذكر كتابين ” ما وراء خط النار ” ، و”ميناء إيلات وصحراء النقب ” كما صدرت له سلسلة كتب تعالج القضايا الإجتماعية مثل ( الاشتراكية المسيحية – المسيحي في المجتمع – الكنيسة والدولة ) .

3-المرحلة الثالثة :- 1969- 1989 . وهي المرحلة التي ظهرت فيها المجلدات الضخمة مثل ( الرهبنة القبطية في عصر القديس أنبا مقار- الإفخارستيا والقداس ) كما كتب سلسة كتب عن الأصوام والأعياد ،

وأخيرا كتابه الموسوعي عن ” القديس أثناسيوس ”

4- المرحلة الرابعة :- من 1990 – 1999 . وهي المرحلة التي ظهرت الشروحات الضخمة للأناجيل بشكل منظم ومنهجي مستعينا بأحدث المناهج العلمية ، ويمثلها ( شرح إنجيل يوحنا – شرح إنجيل مرقس – القديس بولس الرسول ) وأيضا بعض المقالات اللاهوتية عن ألقاب السيد المسيح .

(راجع الدراسة بالكامل في :- الأب وليم سيدهم ، الصفحات من 202 – 215 ) .

بعض مصادر ومراجع المقالة :

1- الأب وليم سيدهم :- كلام في الدين والسياسة ، نحو لاهوت تحرير مصري عربي ، تقديم جمال البنا ،دار مصر المحروسة ، 2003 .

2-الأب وليم سيدهم :- لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية نشاته . تطوره . مضمونه ، دار المشرق ، بيروت ، 2003 .

3- بعض المواقع المتناثرة علي شبكة الأنترنت .

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.