الأحد , أبريل 28 2024
الكنيسة القبطية
بولس الرسول

عرض كتاب : القديس بولس الرسول «حياته * لاهوته * أعماله» للأب متى المسكين [12] المصادر التى يستند إليها بولس الرسول فى تعليمه (2 من 2)(تعاليم المسيح)

كمال زاخرالثلاثاء : 6 يونيو 2023

يعقد الكاتب مقارنات عديدة بين ما علَّم به القديس بولس الرسول، سواء فى رسائله أو احاديثه وحواراته ومرافعاته أمام الولاة والتى سجلها له سفر الأعمال، وبين ما جاء بالأناجيل الثلاثة التى كتبها القديس متى، والقديس لوقا، والقديس مرقس، والمعروفة بالأناجيل الازائية، أو التكاملية، ويورد أمثلة لذلك تصل إلى حد التطابق، ويعلق الكاتب “كل هذه الاستشهادات المباشرة بوصايا الرب التى عثرنا على المرادف لها فى الأناجيل الثلاثة الأولى أو التى ينسبها بولس للمسيح ولا يوجد لها مقابل فى الأناجيل، أو التى يطلقها بولس الرسول دون الإشارة إلى أى مرجع ولكنها تحمل الروح الرئاسي بسلطان، يتضح منها أن بولس الرسول إما أنه كان يقرأها من بعض المدونات المكتوبة كأساس للأناجيل (Q) التى حصل عليها من الرسل”.

وسبق للكاتب أن توقف عند لقاء القديس بولس مع الأعمدة الثلاثة للكنيسة الأم فى أورشليم “وأعطوه يمين الشركة ليكرز بإنجيله بعد أن قدمه لهم، فاستحسنوه ولم يضيفوا عليه أو يحذفوا منه شيئاً”، تأسيساً على ما كتبه ق. بولس نفسه “فَإِنَّ هؤُلاَءِ الْمُعْتَبَرِينَ لَمْ يُشِيرُوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ. بَلْ بِالْعَكْسِ، إِذْ رَأَوْا أَنِّي اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الْخِتَانِ. فَإِنَّ الَّذِي عَمِلَ فِي بُطْرُسَ لِرِسَالَةِ الْخِتَانِ عَمِلَ فِيَّ أَيْضًا لِلأُمَمِ. فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ، وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ.” (غلاطية 6:2ـ 9).

ويعود الكاتب فيؤكد أن مصدر تعليم ق. بولس هو السيد المسيح نفسه بحسب توثيق القديس بولس “لأننى تسلمت من الرب ما سلمتكم” (كورنثوس الأولى 23:11)، وفى نفس الرسالة ص 7 “إن كان أحد يحسب نفسه نبياً أو روحياً فليعلم ما أكتبه لكم أنه وصايا الرب”، وعندما يبدى القديس بولس فى نفس الرسالة رأياً خاصاً به يذكر ذلك صراحة “وَأَمَّا الْعَذَارَى، فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ، وَلكِنَّنِي أُعْطِي رَأْيًا كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا.” (1كو 25:7).ويورد الكاتب رأيا لعالم من علماء الكتاب المقدس (جوانس فايس) “أن بولس الرسول كان يرجع إلى أقوال المسيح فى الوصايا السلوكية والأخلاقية والتنظيمية للمؤمنين ذات الطابع التقنينى باعتبارها معياراً مسيحياً ثابتاً ينبغى الإلتزام به.

أما ما يخص حياة المؤمنين فإنه كان يستوحى الروح القدس مباشرة بحسب غنى نعمة الله التى منحه الله إياها بوفرة.” كانت وصية الرب يسوع لتلاميذه “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم … وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به”، ومن هنا ندرك أن اللقب الأول للرب هو “المُعلّم” والرسل كانوا “تلاميذ”، وبحسب الكاتب “كان الرب يضع لهم بتعليمه وصايا ذات طابع قانونى على مستوى الناموس، ولكن أعلى منه، لكل نواحى الحياة السلوكية والتى جاءت بسلطان رئاسى هكذا: (قد سمعتم أنه قيل للقدماء ـ سلطان الناموس ـ وأما أنا فأقول لكم ـ بسلطان أعلى من الناموس) حيث يُستشفُّ من كلام المسيح أن الناموس وضعى من مستوى بدائى، أما وصايا الرب فهى من فوق بسلطان الله.

وينبهنا الكاتب إلى ملاحظة “أن مصدر التعليم عند اليهود اسمه “التلمود”، وهى كلمة عبرية موازية وذات نفس الأصل من كلمة “تلمذة” و “تلميذ” بالعربية.

فوصايا الرب وتعليمه لتلاميذه هى التلمود الجديد الذى صار الإنجيل.”وبحسب رصد الكاتب نكتشف معه أن “بولس الرسول يكاد يكون هو أول من قام بتتميم قول الرب الذى جاء فى نهاية الأناجيل: فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم … وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به”، ولعل خدام الكلمة ينتبهون إلى بقية الآية والتى هى بحسب وصف الكاتب “رأس مال بولس الرسول” وهى رأس مالهم أيضاً، “وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر.” (مت 20:28).

وهو ما تأكد بإرسال الروح القدس ليحل ويملأ الرسل والكنيسة ويبقى معهم ومعها، يرشدهم ويرشدها إلى جميع الحق، وبحسب المسيح “فهو يعلّمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يوحنا 26:14).

المسيح عند بولس الرسول هو صاحب التوراة الجديدة، “وهكذا تمموا ناموس المسيح” (غلاطية 6:2)، وناموس المسيح عند ق. بولس هو “ناموس روح الحياة فى المسيح يسوع” والذى “اعتقنى من ناموس (موسى) ناموس الخطية والموت” (رو2:8).

وفى كل تعاليم ق. بولس يصادفنا اصطلاح “بحسب المسيح يسوع”، وهى فى الأصل اليونانى تفيد “بمقتضى فعل”، ويتضح المعنى على سبيل المثال بقراءة الآية “لأن الحزن الذى بحسب (بمقتضى فعل) مشيئة الله يُنشئ توبة، لخلاص بلا ندامة، وأما حزن العالم فينشئ موتاً” (2كو10:7)، وواضح هنا أن مثل هذا الحزن ينشأ من فعل مشيئة الله، لخلاص بلا ندامة.يختتم الكاتب هذا الطرح بقوله “إن المؤمن الذى اعتمد ولبس المسيح واتحد به، أصبح ـ فى الحقيقة ـ ليس فى حاجة لوصية يتعلمها، لأنه يكون متعلماً من الرب كقول العهد القديم (وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ) (إرميا34:31). الرب هنا هو التوراة والتلمود والمعلم معاً. والقديس يوحنا الرسول يضعها هكذا (وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَق وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ.) (1يو27:2)، وهو الذى يشير إليه بولس الرسول فى قوله، بعد ما أعطى رأيه: (وَلكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا، فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ، فِي الرَّبِّ فَقَطْ. وَلكِنَّهَا أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هكَذَا، بِحَسَبِ رَأْيِي. وَأَظُنُّ أَنِّي أَنَا أَيْضًا عِنْدِي رُوحُ اللهِ.) (1كو39:7و40).”وينتهى الكاتب إلى أنه “هنا يتضح بقوة فكر بولس الرسول المنحصر فى الرب يسوع المسيح باعتباره أنه هو التوراة الجديدة ـ الحكمة ـ سواء بالتعليم المباشر أو بالتعليم التوجيهى فى الضمير بالروح.

وبهذا ينتهى عرض الجزء الأول من كتاب “القديس بولس الرسول”، لننتقل مع كاتبه إلى الجزء الثاى الذى يتعرض للقضايا اللاهوتية التى علم بها القديس بولس الرسول، فيما يتعلق بماهية المسيح والثالوث، والخلاص والفداء، سنعرضها تباعاً فى مقالات قادمة.

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.