الأحد , أكتوبر 6 2024
الكنيسة القبطية
الأنبا ابيفانيوس رئيس دير أبو مقار

الاحتفال باﻟﻨور!

إبيفانيوس كلمة تُشير إلى الاستعلان .. الظهور .. الكشف .. الانكشاف .. والانكشاف الأعظم كان استعلان ابن الله في الجسد، ومن ثَمَّ الثالوث، في وجه يسوع .. ويمكننا بكلِّ إخلاص ووعي أن نمدِّد معنى الإبيفاني ليشمل الاحتفال بكلِّ استعلان لحياة يسوع في حياة إنسان ..من هذا المنظور يمكننا أن نرفعَ الحجاب عن أحد معاني القداسة: إنها احتفال إبيفاني كبير بالنور الإلهي في حياة مَنْ تَبِعوا الربّ يسوع .. إنها تحقيقٌ لمشروع الاستعادة فيه، وله .. لنكون على مثاله الأبدي المنتصر القائم

أنبا إبيفانيوس كان راهبًا احتفلت فيه النعمة، ونحتفل نحن اليوم في تذكاره باستعلان حياة يسوع فيه وبه ..كان لقب الراهب هو اللقب الأقرب إلى قلبه .. المحبَّب إلى نفسه .. رهبنته لم تكن جامدة بل نشطة حركيَّة منصتة للنعمة، خاضعة لها، متحرِّكة على إيقاعات نفيرها وبوقها حينما تكلِّفه بعملٍ ما

لم يكن يحب الليتورجيا الكنسيَّة فحسب، بل كانت حياته عينها ليتورجيا كبرى يؤمن بدور الكل فيها ..استأمنته النعمة على موهبة البحث والدراسة والقراءة البنَّاءة .. بدت الموهبة فطريَّة عفويَّة يتنفَّسها ويسعى لكيما يساعد من حوله ليتمتَّعوا بما تمتَّع هو به ..كان موقفه البحثي جزءًا من مشروع خلاصي ممتد تُشْحَذ فيه كلُّ السواعد لتبني بكلِّ همَّة وإخلاص وتضحية ووعي وفطنة بناء الرب في القلوب

كانت المكافأة الكبرى التي تُبهجه، كما يدرك مَنْ عَرِفَه عن قُربٍ، هو أن يرى النور يتمدَّد ويملك وينتشر في الشخوص والكيانات والتيَّارات والأفكار والحيوات من حوله

كانت كل حياته خدمةً بلا توقُّفٍ لمشروع الكنيسة كما أرادها المسيح وأحبَّها؛ عروسٌ واحدة واعية صَلْبَة مترابطة لها صوتٌ في العالم .. كنيسة لا تُمزِّقُها الهامشيات، ولا تنزوي خوفًا من المواجهات الكبرى ولا تتراجع أمام تهديد أو وعيد، ولا تحيد وإن قُدِّمت لها ممالك الأرض وسلطانها!

لم يبني مشروعًا على طموحٍ إنسانيٍّ يمكن أن تهوي عليه معاول اليأس لتفتِّته .. لقد تجذَّر مشروعُه في أرض الرجاء .. وَالرَّجَاءُ لَا يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.

كان يؤمن تمام الإيمان بتراكم العمل .. ولكنه كان يخشى من تفتُّت الهدف إلى أهدافٍ صُغرى! وهو ما يحدث كثيرًا ..كان أنبا إبيفانيوس يجيد الإنصاتَ في وقت تسود فيه الثرثراتُ الصاخبةُ التي ملأت الآذان بقشٍّ وحصًى!

كانت مشاعره مُضرمة في الوقت الذي أصابت فيه البلادةُ كثيرين، وماتت الأحلام في القلوب قبل أن ترى النور!

كان يبكي أحيانًا كطفلٍ صغيرٍ بصوتٍ متهدِّج .. لم تُفقده أسقفيتُه بمشاغلها ومسؤولياتها شغفه النضر، وحبّه الصافي الذي يتوثَّبُ في محضر محبوبِهِ ومخلِّصه، ومَنْ يحبّ محبوبَه ومخلِّصَه

كان يخشع وكأنَّه ينكمشُ في محضر المسيح المتجلِّي على المذبح بحضورٍ إفخارستي .. كان يبدو أنَّ قلبه في تلك اللحظات ينبض بنبضاتٍ تمسك بقرون المذبح، متوسِّلة حتى يأتي السيِّد ويسكن ويصنع له منزلًا

حينما كان يُمْدَح كان يحيل المدح إلى آخرين ممَّن تتلمذ عليهم من آباء دير القديس أنبا مقار .. كان يرى نفسه كصبيٍّ وسط عمالقة، وهو الذي تعملق بالروح في أعين كلِّ مَنْ رأى فيه وجه يسوع ..كان رقيقَ المشاعر، متدفِّقًا في حُنُوِّه الذي كان يُومِضُ في عينيه بطيبةٍ آسرةٍ، وفي نبراته بدفءٍ وكأنّما يعانق به مَنْ حوله

ولكنَّه كان إنسانًا يشكو .. يتوجَّع .. يتساءل .. يتألَّم .. بل ويحتار ..بيد أنَّه كان في حيرته بلا يأسٍ، وفي حزنه مُفْعَم بفرحٍ لا يُنطَق به ومجيد ..هو يومٌ نجتمع فيه، لنتذكَّر حضورًا لا يمكن أن يغيب أو يُغيّب، لأنه اتَّحد بالأبدي الحاضر إلى أبد الآبدين .. آمين ..أشكركم ..

سارافيم البرموسي

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

كانت أديرة مقفرة وكنيسة تبحث عن بوصلتها !! اقتراب كاشف

كمال زاخرالسبت 5 اكتوبر 2024 [4]تحولات ستة عقود (10 مايو 1959ـ 17 مارس2012) جزء أول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.