السبت , أبريل 27 2024
مجدى يونس

الجوامع في مصر … تاريخ وحضارة ودليل على براعة الإنسان المصري

بقلم مجدي يونس

قال تعالى في سورة النور { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} بيوت الله هي المساجد ورفعها عمارتها حسيا ومعنويا حسيا بالبناء والتشييد، ومعنويا بالصلاة والذكر والتسبيح وإقامة شعائر الله، ومن يفعل ذلك هم الرجال، وأي رجال؟ { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } و { رِجَالٌ } رجال هنا أتت نكرة للتعظيم، فهم رجال معظمون؛ لأنهم يذكرون، ويسبحون الله العظيم

وكل من يذكر العظيم ويسبحه فهو عظيم… والمساجد أقيمت ورفعت لعبادة الله وحده، فهي لله وبالله ومن أجل الله {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }؛ لذلك لا يعمرها إلا المؤمنون قال تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } والعمارة هنا عمارة مادية ومعنوية كما قلت سابقا أي من يبني ويسعى في بنائها، ومن يعمرها بالصلاة والذكر والتسبيح وقراءة القرآن وعبادة الله عز وجل.

“فالمساجد ـ كما في كتاب مساجد مصر ـ دين وخلق وهدى ونور وصومعة الناسك، ومدرسة الدارس، ودينا وقوة، ودرك للعزة في الأولى والفوز العظيم في الآخرة” ولعمارة المساجد تاريخ طويل من التميز والتفرد منذ الهجرة، فكان أول عمل قام به النبي عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة هو بناء مسجد للمسلمين في مربد التمر الذي بركت فيه ناقته، وكان بناؤه بسيطا، مساحته 70 × 60 ذراعا ، وجدرانه من اللبن، مسقف جزء منه بسعف النخل

وترك الجزء الآخر مكشوفا، وجعلت عمد المسجد من جذوع النخل، ثم تطور بناء المساجد منذ ذلك الحين إلى وقتنا الحالي… ولمصر مكانة رفيعة في عمارة المساجد وبنائها وزخرفتها منذ الفتح الإسلامي لمصر عام 21 هجريا، فعندما فتح عمرو بن العاص مصر أنشأ له حاضرة جديدة شمال حصن بابليون وأسماها ” الفسطاط”

وبنى فيها جامعه العتيق ” جامع عمرو بن العاص ” الذي وصفه ابن دقماق بقوله “إمام المساجد ومطلع الأنوار اللوامع، طوبى لمن حافظ على الصلوات فيه، وواظب على القيام بنواحيه” وكان في أول أمره خمسين ذراعا طولا في ثلاثين عرضا، ثم زيد بعد ذلك في العصور اللاحقة، وتم عمل إصلاحات كثيرة له، وترميمات، وكل من يحكم مصر بعد ذلك يترك فيه بصمته باعتباره أول مسجد أسس في مصر.

وتوالت بعد ذلك المساجد في مصر مثل مسجد السيدة عائشة ومسجد السيدة سكينة ومسجد عقبة بن عامر وغيرها من المساجد حتى ولي أحمد بن طولون مصر وأنشأ مدينة القطائع سنة 256 هجريا، وبنى فيها جامعه الذي تمت عمارته سنة ،265 ويعد من أكبر مساجد العالم الإسلامي.. والجامع مربع الشكل يتوسطه صحن مكشوف مربع، ويحيط بالجامع من جميع الجهات عدا القبلة أروقة غير مسقوفة، ويحتوي الجامع على 42 بابا منها 21 بابا بالمسجد الأصلي… وهو من الجوامع المعلقة إذ يصعد إلى أبوابه الداخلية بدرجات دائرية، ويحيط بالصحن رواقان في كل من جهاته الثلاث الشمالية والجنوبية والغربيةولما حكم الفاطميون مصر بنوا مدينة القاهرة بناها القائد جوهر الصقلي للخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وبنى فيها الجامع الأزهر درة جوامع مصر ومساجدها، الجامع والجامعة الذي مر على بنائه أكثر من ألف عام، فكان ومازال هو مركز الثقافة الدينية، ومنار العلم، وموئل المتعلمين حتى شغل مكانة رفيعة في العالم كله،

وقد بلغ عدد شيوخ الأزهر من شيخه الأول الشيخ محمد عبد الله الخرشي المالكي حتى شيخه الحالي الشيخ أحمد الطيب حوالي خمسين شيخا… وتوالت الجوامع والمساجد بعد ذلك في مصر، فبعد الفاطميين جاء الأيوبيون، ثم المماليك، ثم العثمانيون حتى عصرنا الحالي، حتى تجاوز عدد المساجد والزاويا في مصر  140 ألف مسجد وجامع،

وتجاوز عدد المساجد الجامعة الكبيرة 100 ألف مسجد، ولم تعد مصر بلد الألف مئذنة لأنها أصبحت بلد المائة ألف مئذنة.

ومن هذه المساجد التي بنيت في عهد العثمانيين المسجد الصغير بقرية البجلات التابعة لمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية، وقد بني للمرة الأولى منذ ما يقرب من 150 سنة، وقد هدم وبني 4 مرات، منذ أن كان زاوية صغيرة، وقد سمي المسجد الصغير بهذا الاسم عام 1935 م نظرا لوجود جامع آخر هو الجامع الكبير الذي كان اسمه قديما جامع ومقام أحمد السخلاتي… وهذا الجامع أقصد الجامع والمسجد الصغير قد صدر له قرار إزالة عام 2023 من وزير الأوقاف المصري، وإعادة بنائه من جديد، وتمت إزالته فعلا في يونيو 2023 م

وحدثت بعض العراقيل والعثرات التي حالت دون البدء في إنشائه حتى تضافرت جهود رجال شرفاء يسعون في عمل الخير من أجل البدء في بنائه على رأسهم المهندس مصطفى إبراهيم المليجي الذي أخذ على عاتقه وكاهله مهمة إنجاز بناء هذا الجامع في عام، ومعه رجال آخرون يبتغون الأجر من الله ، مثل الحاج كمال عوض السروجي، والأستاذ صبري المليجي والأستاذ عبد الفتاح سيد أحمد، وخالد أبو زيد، ومحمود جلال، وجمعة أبو السعود، وإمام الجامع عبد الفتاح عماشة وغيرهم ممن تجشموا الصعاب وأنفقوا النفيس من الجهد والوقت والمال من أجل بنائه، وقد أذن الله أن يرفع هذا البيت له؛ ليذكر فيه اسمه، ويسبح له فيه بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم الدنيا عن الآخرة

وندعو الله عز وجل أن يتم بناءه على خير بسواعد وجهود أهل البجلات المادية والمعنوية التي يجب أن تتضافر وتتعاون جميعها، الكبير مع الصغير، الرجال مع النساء من أجل إتمام بنائه على خير؛ لأنه يعد من الجوامع العتيقة بمئذنته الشامخة التي هدمت منذ ثلاثين عاما، وبقي طوال هذه المدة دون مئذنة، وقد آن الأوان ليعود الجامع إلى سابق عهده بمئذنته منارة للعبادة والعلم.

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.