السبت , مايو 4 2024
حبيب نادي

حب إيه اللي إنت جاي تقول عليه؟

في ستينات القرن الماضي، وقفت أم كلثوم على خشبة المسرح خلف ميكروفون الإذاعة، ليشاهدها مئات المتفرجين في المسرح، ويسمعها ملايين المُستمعين المُترَاصْين بجوار الراديو، لتُغني كلمات كتَبها عبد الوهاب محمد ولحْنَها بليغ حمدي.

والمُتأمِل في كلمات الأغنية يجد أن بها بعض المعاني الحقيقية والعميقة. وها هو الشاعر يبدأ سؤاله: “حُب إيه اللي أنت جاي تقول عليه؟ ” ثم يعاود السؤال بصيغة أراها تهكّمية وعميقة في نفس الوقت ويقول: “إنت عارف قبله معنى الحب إيه؟”.

وكأنه يريد أن يقول: قبل الحديث عن شيء مثل الحُب، هل تعرف المعنى الحقيقي له؟! ثم يُكْمل المؤلف بوصف يحمل صيغة إتهام بالجهل لمُدعي الحُب حين يقول: “إنتَ ما بيِنك وبين الحُب دُنْيا، دُنْيا ما تطُولها ولا حتى في خَيالك”.

لهذه الدرجة إكتشف زَيف وجَهل المُحِب، لدرجة وصف المسافة ما بينه وبين معرفته للحُب تُشبه دُنيا أو عالم بأكمله، ولا يستطيع الوصول لنهايته حتى ولو في الخيال! ويتقدم الكاتب خُطوة للأمام لتأكيد وتثبيت الإتهام حين يقول للمُحِب الولهان الجاهل الكاذب: “إنتَ فين والحُب فين؟ ظالمه ليه دايمًا معاك؟”.

نعم، هو يرى أن المسافة مازالت بعيدة بين مُدعي الحُب والمعنى الأصيل له، لدرجة عدم القدرة

على قياسها، ولدرجة انه يرى أن مجرد الحديث عن الحُب منه يُعتبر ظُلم بَيِّن! ونرى الكاتب

وكأنه واقف أمام منصة العدالة، ماسكًا بكلتا يديه دليل الإتهام، فهو لا يوجّه إتهامات مُرسَلّة أو باطلة، بل يُخرج

من جُعبَتِهِ الدليل القاطع

ويقول: “ده إنتَ لو حبيِت يومين، كان هَواك خَلاك ملاك!” ألهذه الدرجة؟

ما الذي رأه الكاتب في مُدعي الحُب حتى يوصِمْهُ بأن الحُب لم يَطرق باب قلبه ويدخل ويستقر به ولو حتى ليومين فقط؟ لحظة واحدة! ها هو الكاتب يسترسل ليُقدم تأكيده بوقائع ملموسة فيقول: “ياما طول عمري رضيت منك أسية، لما ذاب أملي وأنا بتمنى ودك” ياللهول!

يبدو أنه لاقى من القسوة والخذلان ما أصابه بالإحباط الشديد الذي أودى بالأمل إلى هُوَة الذوبان والتلاشي ، إنتظارًا للحظة ود أو لحظة حُب!

ولا أعرف لماذا أرني مُتعاطفًا مع هذا المُتهم! يبدو لي أني أعرف بعض الوقائع والحقائق التي أدت به إلى هذه الحاله! دعني أخبرك بما عندي.

من المؤكد أن فاقد الشيء لا يُعطيه، وهذا الشخص لم يُبلل شَفتَيه يومًا ما بقطرة من نهر الحُب الأصيل.

أضف إلى هذا، أنه من الواضح أن هذا الإنسان تم خِداعُه من خلال بعض المشاهد السينمائية أو كلمات بعض الأغاني، والتي صَوّرَت له الحُب في صورة لحظات حِسّية من الوَلع والإفتتان والشهوة، يُصاحبها بعض من الموسيقى الهادئة والأنوار الخافتة، والكلمات المعسولة ولا مانع من وجود ما يضبط المزاج من بعض المُهلوسات، ويا حبذا إذا كانت هناك المزيد من المشويات!

دعنا نعترف أن هذه، او بعض منها، أصبحت صورة الحُب المطبوعة في مُخيلتنا، وننتظر  ولو مُجرد نَفحْه منها، يُقدمها لنا ولو حتى عابر سبيل! كل هذا بسبب الظمأ والحِرمان، لواحد من الأمور التي لايُجدي معها المُسكنات، فالحُب الحقيقي الأصيل إحتياج عميق للإنسان، وإذا لم يُسَدد هذا الحُب، سَيُصبِح الإنسان مثل ضالٍ في صحراء شاسعة لاهثًا ناحية كل سرابٍ مُضلِل منتهيًا به الحال إلى الموت.

إلا إذا وجد نبع حقيقي في وسط القفر، سيكون وقتها هو النجاة وهو الحياة، ليس له فقط، بل بعد أن يرتوي، يستطيع أن يُروي أخرين أيضًا.

وماعدا ذلك فهو سراب وضلال وظمأ نهايته الموت، وسيكون التقرير الطبي كالأتي: مات/ماتت، ولديه نقص شديد في الحُب الأصيل!

شاهد أيضاً

زكي رستم فلسفة الفن وفن الفلسفة !! .

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي . فنان كبير ومتعدد المواهب زكي رستم الذي حول الفيلم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.