الأحد , أبريل 28 2024
ايناس المغربي
ايناس المغربى

﴿ لا تكن جاحدا بأنعم الله ..!! ﴾

للكاتبة : إيناس المغربي

يحكى أن شابا أراد أن يشتري لنفسه داراً ليسكن فيها و تستقر حياته، و يكون فيها من الكمال والبهاء ما يجعلها على مستوى عال تليق به وبأولاده فيما بعد، فكان دائما يسعى لذلك جاهدا باحثا عن ما في مخيلته لتلك الدار، من حيث تأسيسها وتشيد بنائها !! وهل هي على دقة وإتقان رُسخت أم على تأسيس خائرٍ واهٍ شُيدت ..؟!!

فظل باحثا عن تلك الدار شهورا بل سنين، إلى أن أتى له سمسار العقارات بعدة دور ليختار منها الدار التي تناسبه و تقابل هواه .. وبينما هو يشاهد تلك الدور فإذا بدار من بينها تبرجت له بزينتها وكأنها لبست حُلة الجمال والبهاء

عالية البناء، سامقة الشُرفات، متسعة الحجرات، هواؤها عليل، وشمس حجراتها دافئ منير، وخارج حدودها

فناء فسيح محاط بسياج محكم رصين ..!! وعند شرائها وجد ثمنها باهظ جداً ليس بزهيد، فتفاوض

مع صاحب هذه الدار على أن يقلل من ثمنها بعض الشيء لكي يستطيع أن يحظى بها و تكون في متناول يده

إذ أنها نالت من إعجابه ما نالت ففيها من كل شيئ شيئا، وعندما شاهد صاحب البيت إعجاب الشاب

المنقطع النظير بهذه الدار وتمسكه بشرائها رغم ارتفاع ثمنها أشفق عليه، ولعبت الإنسانية دورها في قلبه

الشفيق فرضي ببيعها له على ان يحافظ عليها كما أشتراها منه، إذ أنه حافظ عليها بكل طاقته طيلة حياته

ولولا أنه سيرحل إلى أرض أخرى بعيدة ما فرط فيها. ..!! فوعده الشاب بذلك – وغلظ له الأيمان والمواثيق بالحفاظ عليها، فأعطاه صاحب الدار عقد البيع وانصرف مطمئنا .

جُنً جنون الشاب بهذه الدار، وحرصاً على هذه الدار من الضياع أو السرقة وحتى لا يطمع فيها أحد غيره سجل العقد في الشهر العقاري توثيقا لملكيته إياها، وسكن بها واستراح لها وأخذ يضع فيها التحف والأنتيكات ويرسم على جدرانها أجمل اللوحات، وأخذ يغرس في أرض فنائها أجمل الزهور و الريحان، و يرويها بكل حب واهتمام ،وأخذ يجني بعض ثمارها ويعطر الدار برياحينها ..!!

إلا أنه سرعان ما انطفأ اهتمامه وولهه بهذه الدار وأصبح هاملا لها غير مكترث بما سيلحق بها من خسائر وأضرار، فما عاد يصلح جداراً اعتملت فيه السنين إعتمالا و ما لون حائطا بهتته عوامل التعرية فغيرت حلاوة ألوانه، وما اهتم بري زهور بستانه حتى يستعيد رونقه و نضارته فيعيد جماله كسابق زمانه .

فأضحت الدار غير جذابة ولا مثيرة كي تستحوذ على انتباهه كما كانت من قبل، فانطفأت شمسها وفسد هوائها وعطب ثمرها وزال عطر رياحينها.

وما عاد يحب الرجوع إليها إلا ليلقي جسده المنهك المتهالك طوال الوقت في البحث عن دار أجمل منها ليسعد بها أكثر من تلك الدار المهملة الكئيبة ، وأصبحت الدار مجرد كهف مظلم يؤوي إليه فقط ليبيت فيه سواد ليله ..!!

وظل أياما متوالية يبحث عن دار غيرها عله يجد مستراحه فيها .. ولكن هيهات هيهات أن يجد مثلها في حياته، فكل الدور واحدة مالم يهتم بالحفاظ على جمالها وري بستانها و الاهتمام بتجديد وإحياء كل ما أفسدته الحياة

وغيرتها فيها ..!! قصتنا هذه تعبر عن الزوجة التي هي السكن والراحة والأمن والأمان

هي التي إذا احتويتها وأعطيتها من الرعاية والاهتمام مايجب عليك إعطاؤه لوجدت بداخلها كنز ثمين

فيه ما تحب و تشتهي، وتتوق إليه وتبتغي وتكون لك مادة الفضيلة والصبر والإيمان ووحياً لك وإلهاما

وزيادة في سرورك ونقصا في ألامك ، ولكنك أهملتها ولم ترعٰها، فأصبحت غير مهتمة ولا مبالية بجمالها

فصارت كئيبة و صرت أنت بائساً حزيناً . وصاحب الدار الذي باعها لك هو الأب الذي ائتمنك

وعقد معك العهود والمواثيق بعهد الله أن تحفظها وتحميها كما كانت معه من قبل، وقد فرط أنت فيها ولم تحفظ

له العهد الذي عهدته معه.. !! والثمار التي عطبت هي أولادك التي غرست بذورهم وقد أهملت ريهم .. فماتوا عطشى لدفء الأسرة وحنان الاحتواء فانطفأت حياتهم وانضوت أرواحهم وما عادوا إلا قشا تذروه الرياح.. فيا أيها

الزوج الأصيل كن كريما مع زوجك وأهل بيتك فهن القوارير اللاتي وصانا بهن رسول الله صل الله عليه وسلم ،وقال

﴿ استوصوا بالنساء خيرا ﴾ ربما تُغير السنين جمال الوجوه لكنها لا تغير وفاء القلوب ، وبشيء قليل من الكلمة الطيبة و الاحتواء تارة و بالحب والمعاملة اللينة تارة أخرى ستعود الزوجة الجميلة والدار الأنيقة

وسعادتك بكل ما فيها كما كانت بعهدها الأول معك .

فعلينا أن نتخلق بخلق القرأن ، ونعمل بمحكم أياته وبديع كلامه كما في قول ربنا جل وعلا :

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.