السبت , مارس 15 2025
الكنيسة القبطية
مارينا خلف 19 سنة البخايتة سوهاج

خطف الأقباط.. جرح الوطن النازف

بقلم : نادى عاطف

في بلدٍ يُفترض أن يحمي أبناءه دون تمييز، يتحول بعضهم إلى أهدافٍ مكشوفة في لعبة الموت.

ليسوا مجرمين، ولا خارجين عن القانون، ولا حتى خصومًا سياسيين، لكنهم يدفعون ثمن هويتهم، ويدخلون في دائرة الرعب دون أن يجدوا من ينتشلهم منها.

الأقباط في مصر ليسوا مجرد أرقامٍ تُضاف إلى قوائم المفقودين، بل هم آباءٌ تُهدم أسرهم

وأمهاتٌ تحترق قلوبهن، وأبناءٌ يُتركون لمصيرٍ مجهول.اختفاء بلا أثر.. وخوف بلا نهاية

تبدأ القصة بالطريقة نفسها كل مرة : يخرج شابٌ أو فتاة من المنزل، ولا يعود.

تختفي طفلةٌ بريئة كانت تلعب أمام بيتها، ويبتلع الظلام شخصًا آخر.

يهرع الأهل إلى الشرطة، بحثًا عن خيطٍ، عن طرفٍ يدلهم على أحبائهم، لكن الجواب يأتي باردًا، مكررًا، فارغًا من أي تعاطف: “ربما هربوا، ربما اعتنقوا دينًا آخر، ربما لا يريدون العودة”.

وهكذا، لا يُفتح تحقيقٌ جاد، لا تُراجع كاميرات المراقبة، لا تُبذل الجهود كما يحدث في حالاتٍ أخرى

بل يتحول الضحايا إلى مجرد قصصٍ تُطوى قبل أن تُكتب، ويُترك ذووهم في دوامة الحيرة والألم، يتساءلون:

هل هم أحياء أم أموات؟

هل يعانون أم قُضي عليهم ؟ هل سنراهم مجددًا أم سيبقون مجرد ذكرى؟

سوق البشر.. عندما تصبح الأجساد سلعة من يُختطف لا يعود دائمًا، ومن يعود يأتي منهكًا، محطمًا، يحمل في عينيه رعبًا لا يفارقه.

البعض يروي عن سجونٍ سرية، عن تهديدٍ وضرب، عن إجبارٍ على التخلي عن الهوية، عن ضغطٍ نفسي يمزق الروح قبل الجسد.

والبعض الآخر لا يُسمع عنه خبرٌ أبدًا، وكأن الأرض ابتلعته.أما القصص الأكثر رعبًا، فهي تلك التي تتحدث

عن تجارة الأعضاء البشرية، عن عملياتٍ تجري في غرفٍ معتمة، تُنزع فيها الحياة لتباع لمن يدفع أكثر.

كيف يمكن أن يتحول الإنسان إلى مجرد أجزاء؟ كيف يمكن أن يلقى أحدهم حتفه لأن قلبه أو كبده أو كليته

كانت مطلوبة في سوقٍ سوداء؟

أي وحشيةٍ هذه التي تجرد البشر من إنسانيتهم بهذه السهولة ؟

تواطؤ أم عجز؟ الصمت جريمة حينما يُقتل إنسانٌ في وضح النهار ولا يُحاسب القاتل، يصبح القتل مباحًا.

وحينما يُخطف شخصٌ ولا يُبحث عنه، تصبح الجريمة سياسة أمرٍ واقع.

لم يعد السؤال عن المجرمين وحدهم، بل عن الذين يرون ويسمعون ولا يتحركون، عن الأجهزة الأمنية

التي تعرف ولكنها لا تفعل، عن مؤسساتٍ من المفترض أن تكون في خدمة المواطنين جميعًا، لكنها لا تنصف إلا بعضهم.

لماذا يُترك الأقباط فريسةً لهذه العصابات؟ لماذا يغيب العدل كلما كان الضحية مسيحيًا ؟

أين الدولة التي تتحدث عن حقوق الإنسان ؟ وأين القانون الذي يُفترض أن يحمي الجميع؟

أسئلةٌ لا تحتاج إلى إجاباتٍ بقدر ما تحتاج إلى أفعالٍ توقف هذا النزيف.

وطنٌ للجميع.. أم وطنٌ لبعض أبنائه ؟ الوطن ليس مجرد حدودٍ جغرافية، بل هو إحساسٌ بالأمان، بالعدالة، بالمساواة أمام القانون.

عندما يفقد البعض هذا الإحساس، عندما يتحولون إلى مواطنين من الدرجة الثانية، عندما تصبح حياتهم

بلا قيمة، فماذا يبقى من الوطن؟ الأقباط ليسوا أقليةً تبحث عن حماية، بل هم أبناء هذا الوطن كما غيرهم

يحملون أحلامه وآماله في قلوبهم، يزرعون ويصنعون ويبنون.

لكنهم اليوم يعيشون في خوفٍ مستمر، يسألون أنفسهم: “هل نعيش على أرضٍ تحتضننا، أم في مكانٍ يبتلعنا

حين لا يرانا الآخرون مستحقين للحياة ؟”الصمت لم يعد خيارًاليس المطلوب بيانات شجب، ولا وعودًا خاوية

ولا تحقيقاتٍ تُفتح على الورق ثم تُغلق بصمت.

المطلوب عدالةٌ حقيقية، ومحاسبةٌ صارمة، وإرادةٌ سياسية تُنهي هذا الرعب.

لن يكون هناك وطنٌ حقيقي إذا ظل البعض يُخطف دون أن يُسأل عنهم أحد.

لن يكون هناك سلامٌ طالما استمر هذا الظلم. لن يكون هناك مستقبلٌ إذا كان مصير البعض

يُقرر في غرفٍ مظلمة، تحت حماية صمتٍ مخزٍ.

لقد تأخر الوقت كثيرًا، لكن الفرصة لم تضع تمامًا. إما أن تُنصفوا أبناءكم جميعًا، أو أنكم تختارون أن يظل

هذا الجرح مفتوحًا، ينزف.. حتى يبتلع الجميع.

شاهد أيضاً

عز توفيق

مساعدة الآخرين في صمت

وصية المسيح وقيمة العطاء الخفيمساعدة الآخرين في صمت هي واحدة من أسمى القيم الإنسانية التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.