وصية المسيح وقيمة العطاء الخفيمساعدة الآخرين في صمت هي واحدة من أسمى القيم الإنسانية التي أوصى بها السيد المسيح، حيث دعا إلى العطاء دون انتظار مقابل، والقيام بالأعمال الصالحة دون إظهارها للآخرين.
هذه الوصية تعكس عمق الروحانية والإنسانية، وتُظهر أن قيمة العمل تكمن في نبل الهدف
وليس في الشهرة أو الاعتراف.
في الإنجيل، يقول المسيح: **”فَلْتُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلصَّالِحَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ”** (متى 5: 16).
لكنه في الوقت نفسه يحذر من الرياء، ويؤكد على أهمية أن تكون الأعمال الصالحة
خالصة لوجه الله، وليس من أجل الظهور أمام الناس.
ففي إنجيل متى (6: 3-4)، يقول: **”أَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً، فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ.
هذه الوصية تعلمنا أن العطاء الحقيقي هو الذي يأتي من القلب، دون انتظار شكر أو مدح من الآخرين.
فمساعدة الآخرين في صمت تعني أن نقدم الدعم المادي أو المعنوي دون أن نعلن عن ذلك
وأن نكون سندًا للضعفاء والمحتاجين دون أن ننتظر مقابلًا.
هذا النوع من العطاء يخلق مجتمعًا متكافلًا، مليئًا بالحب والتعاطف، حيث يشعر كل فرد بأنه
ليس وحيدًا في مواجهة الصعوبات.
مساعدة الآخرين في صمت لها تأثير كبير على النفس أيضًا، فهي تُعلِّمنا التواضع
وتُذكِّرنا بأننا جميعًا بحاجة إلى بعضنا البعض.
عندما نساعد الآخرين دون أن نعلن عن ذلك، نُطهِّر قلوبنا من الكبرياء والأنانية
ونشعر بالسلام الداخلي الذي يأتي من فعل الخير.
في عالم اليوم، حيث يسعى الكثيرون إلى الظهور والتفاخر بأعمالهم
تظل وصية المسيح بمساعدة الآخرين في صمت بمثابة نداء لإعادة النظر في قيمنا وأولوياتنا.
فالعطاء الخفي هو الذي يبني المجتمعات ويقوي الروابط الإنسانية، وهو الذي يجعل العالم مكانًا أفضل.
في النهاية، مساعدة الآخرين في صمت ليست مجرد فعل خير، بل هي أسلوب حياة يعكس الإيمان الحقيقي بالله وبالقيم الإنسانية.
كما قال المسيح: **”طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ”** (متى 5: 7).
فليكن عطاؤنا خفيًّا، ولنعمل على إسعاد الآخرين دون أن ننتظر شيئًا في المقابل، لأن الله هو الذي يرى كل شيء وسيجازي كل إنسان بحسب أعماله.