الخميس , ديسمبر 11 2025
الفاتيكان
البابا لاون الرابع عشر

تعقيبًا على مقال (فخّ ملوَّن في قلب الفاتيكان)

عون حداد

بعد نشر مقالي فجر اليوم والمُعَنوَن بـ“فخّ ملوَّن في قلب الفاتيكان”، تواصل معي عدد من الأصدقاء والمطلعين، موضحين بأن العلم الذي ظهر مرفوعًا في القاعة الكبرى داخل الفاتيكان هو في الواقع علم “PACE” (باتشيه) –وهي كلمة باللغة الإيطالية تعني “سلام” – والذي ارتبط بحملة أُطلقت في إيطاليا عام 2002 ضد الحروب، وسرعان ما تحوّل إلى رمز شعبي واسع الانتشار، خصوصًا في الأوساط اليسارية والداعية للسلام.

العلم في جوهره يحمل رسالة نبيلة، لكن وهنا بيت القصيد، فإن التشابه البصري الكبير بين هذا العلم

وعلم المثليين، يجعل الأمر ملتبسًا إلى حدٍّ بعيد، خاصة في أعين المتلقّي العالمي، ما يجعله عرضةً لسوء الفهم خارج السياق المحلي.

رمزية الألوان، ولو كانت بريئة في سياقها المحلي الإيطالي، لم تعد محصورة بذلك السياق.

فالعالم اليوم يُفكّر بصريًا، ويتلقّى الرموز عبر عدسات منصات التواصل، حيث لا صوت يُعلو فوق صوت سرعة الانتشار، ولا تفسير يسبق التأويل.

وهذا ما يجعل رفع علم كهذا في الفاتيكان، وسط مشهد عالمي مترقَّب، أمرًا لا يخلو من الإشكال

سواء تم بحسن نيّة أو بغير قصد.

لكن اللافت في المشهد، أن قداسة البابا لاون الرابع عشر بدا واعيًا جدًا لحساسية اللحظة.

فلاحظتُ، كما لاحظ غيري، أنه تعمَّد في تحرّكاته داخل القاعة ألا يقف قريبًا من هذا العلم

بل إن كاميرات النقل المباشر لم تُظهِره في أي لحظة بجانبه. هذا التصرّف قد يبدو بسيطًا

في ظاهره لكنه في السياسة الرمزية عميق الدلالة.

فالحَبْر الأعظم يدرك أن مجرّد صورة واحدة، قد تفتح على الكنيسة الكاثوليكية أبوابًا من الجدل الإعلامي

هي في غنى عنها.

فهل نحن أمام فخّ إعلامي مدروس؟ أم مجرد سوء تقدير لمشهد رمزي؟

الجواب قد يبقى عالقًا في كواليس الفاتيكان، لكن الأكيد أن البابا، بحكمته، نجح في أن يُخرج الكنيسة

من مأزقٍ كان يمكن أن يتضخّم لو سارت الأمور بطريقة أُخرى.نعم، نجح بأن لا يكون

جزءًا من صورة قابلة للاجتزاء، أو مادة لتأويلٍ عابرٍ للقارّات.

ويبدو أن هذا الحذر ليس وليد الصدفة، بل نتيجة تراكم خبرات وملفّات. فالكنيسة الكاثوليكية

دخلت سابقًا في دوامة من الجدل العالمي، إثر تصريحات لقداسة البابا الراحل فرنسيس

حُمّلت ما لا تحتمل، لأنها خرجت في سياقات إعلامية غامضة، أو عُرضت دون سياقها الكامل

ففُسِّرت على نحوٍ يخالف تعليم الكنيسة أو يُوهم بانفتاح غير محسوب.

من هنا، يبدو أن البابا لاون الرابع عشر يُدرك جيدًا أن الوضوح، في زمن الضباب الإعلامي

فضيلة لا تقل أهمية عن أي موقف عقائدي، وأن الوقوف خارج الكادر أحيانًا، أبلغ من التصريح داخله.

ومن هنا، تظلّ الرموز -حتى تلك التي ترفع باسم السلام– بحاجة إلى قراءة مزدوجة:

قراءة في المعنى الظاهري، وقراءة أعمق في دلالتها العصرية. لأنه في زمن الصورة

لا يكفي أن تكون الرسالة نبيلة، بل يجب أن تكون ذكية أيضًا.

شاهد أيضاً

الزواج مودة

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي الزواج المبني علي الاحترام والمشاعر الطيبة وعدم الظن وتقليل الذات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.