الأحد , ديسمبر 7 2025
جمال رشدى

رئيس وزراء مصر القادم

بقلم: جمال رشدي

في محطات التحول الكبرى في حياة الشعوب، يظهر دائمًا سؤال محوري: من يقود؟ وفي لحظة دقيقة من تاريخ الدولة المصرية، وسط ضغوط داخلية وخارجية غير مسبوقة، يصبح هذا السؤال أكثر إلحاحًا:

من هو رئيس وزراء مصر القادم؟ لكن الإجابة لا تبدأ من شخص بعينه

بل من قراءة عميقة للمشهد العام بكل تحدياته وتشابكاته.

لقد خاضت مصر خلال السنوات الأخيرة معركة وجود حقيقية، لم تكن حربًا تقليدية، بل حربًا مركبة

شُنت عليها من كل الاتجاهات، بأدوات مختلفة: اقتصادًا، إعلامًا، إرهابًا، وتشكيكًا متواصلًا في قدرة الدولة على البقاء.

ومع أن الدولة نجحت في الحفاظ على بنيانها السياسي والمؤسسي، فإن هذا النجاح جاء بكلفة اجتماعية

واقتصادية باهظة، كان المواطن هو أول من دفعها. في ظل هذه الظروف الصعبة، لا يمكن إنكار

أن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء الحالي، قد تحمّل عبئًا ضخمًا

في إدارة مشهد شديد التعقيد، وسط أزمة اقتصادية عالمية ممتدة، وجائحة هزّت كل اقتصادات العالم

وتوترات إقليمية تمسّ الأمن القومي بشكل مباشر.

بذل الرجل جهدًا كبيرًا وسعى مع حكومته إلى احتواء آثار تلك العواصف، لكن الواقع

يؤكد أن المرحلة المقبلة بحاجة

إلى ما هو أبعد من مجرد إدارة للأزمة. ما تحتاجه مصر اليوم ليس موظفًا بدرجة رئيس وزراء

بل عقلًا قياديًا يمتلك رؤية شاملة وقدرة على التحول.

نحن بحاجة إلى قائد من خارج البيروقراطية التقليدية

يمتلك أدوات العصر الرقمي، ويتنفس ثقافة الحوكمة، ويعمل بروح شاب مدرك لتحولات مجتمعه

ومتغيرات العالم. نحن بحاجة إلى شخصية تفكر سياسيًا وتتصرف اقتصاديًا وتتحرك شعبيًا

شخصية تفهم الذكاء الاصطناعي كما تفهم هموم المواطن، وتقرأ الموازنة العامة

كما تقرأ الواقع الاجتماعي.

ملفات حيوية لا تحتمل المزيد من التأجيل أو التجريب.

التعليم في مصر يحتاج إلى ثورة حقيقية تعيد الاعتبار للمدرسة والمعلم، وتعيد بناء العقل المصري

ليواكب العالم دون أن يفقد هويته.

الاقتصاد المصري بحاجة إلى هيكلة شاملة تعيد التوازن

بين تشجيع الاستثمار، وحماية الإنتاج الوطني، وتحقيق عدالة التوزيع. الثقافة في حاجة إلى مشروع

وطني يعيد ترميم الشخصية المصرية من الداخل، ويواجه الانفلات الأخلاقي والتشوهات الذهنية

التي تغلغلت في الوعي الجمعي. أما العدالة الاجتماعية، فهي لم تعد ترفًا، بل أصبحت ضرورة

لبقاء الدولة، وتحقيق الاستقرار، وترميم الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم.

إن المرحلة المقبلة بكل وضوح تتطلب قيادة جديدة تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات جريئة ومدروسة

وتؤمن بالتنوع وتُشرك الكفاءات، وتُعيد الاعتبار لأهل الفكر والرؤية والخبرة.

مصر بحاجة إلى رئيس وزراء شاب، صاحب مشروع متكامل، لا يتحرك برد الفعل

بل يقود المشهد بإرادة سياسية واضحة، ويملك من الشجاعة ما يكفي ليقول للمواطن الحقيقة

ومن الحكمة ما يكفي ليقنعه بالحلول. ثقتنا كبيرة في القيادة السياسية، ونعلم أن خياراتها دائمًا

تُبنى على إدراك عميق لمصلحة الوطن. ولكن، في هذه اللحظة الدقيقة من عمر الدولة

نأمل أن يتجه الاختيار القادم نحو عقلية جديدة في الإدارة، عقلية تؤمن أن البقاء في موقع القيادة

لم يعد مرهونًا بالخبرة البيروقراطية، بل بالقدرة على صنع التحول وبناء المستقبل.

مصر على أعتاب لحظة استثنائية، ما بين برلمان جديد وحكومة جديدة.

والمواطن ينتظر أن يشعر بتغيير حقيقي، لا في الوجوه فقط، بل في طريقة التفكير.

فما يحتاجه الوطن اليوم ليس مزيدًا من التجريب، بل انطلاقة واثقة يقودها من يفهم زمان مصر القادم.

شاهد أيضاً

انتخابات البرلمان المصري

انتخابات وانتخابات

عرفت الانتخابات التي شهدتها مصر عقب ثورة يناير نسب مشاركة كبيرة وقوة في المعارك السياسية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.