الأحد , يوليو 13 2025
دار القضاء العالى

فى النقـد والمصادرة

نسيم مجلي

إقرأ في هذا البحث:     

  1. تجربتى مع المصادرة.
  2. فى البحث عن مصادر أمل دنقل.
  3. كيفية النظر إلى عناصر التراث فى القصيدة الحديثة.
  4. نقاد ومصارعون.
أعد هذا البحث عام 1996 ليكون مقدمة للطبعة

الثالثة لكتاب ” أمير شعراء الرفض – أمل دنقل ” لكن صدرت الطبعة الثالثة سنة 2000 عن مكتبة الأسرة بدون هذه المقدمة.

1– تجربتى مع المصادرة :

 لا يكفى أن نكتب أدباً جميلاً أو نقداً صادقاً بل لا بد أن نناضل ً من أجل إزالة المعوقات أمام حرية التعبير

وتحرير ضمير الكاتب من الخوف ومن وصاية قوى القمع والإرهاب التى تتخفى أحياناً خلف ستار الدين

أو مصلحة الوطن لسلب هذه الحرية. 

ولعل أخطر أسلحة القمع التى تواجه الكتاب الآن، هى المصادرة.

وهذه المصادرة تتم للأسف بأساليب مختلفة خفية او معلنة.

وقد عانيت من هذه الأساليب الأمرين.

فقد حجبت مسرحية ” القضية ” 1973 والتى تناولت فيها قضية صلب المسيح

 وثيقة التبرئة التي أصدرها الفاتيكان  في سنة 1965 وكما يقول الراوى:

فالجريمة المستمرة هى موضوع القضية والمحاكمة ما انتهتش لكن العدالة جاية

 وبعد أن أستعد المخرج سمير العصفورى لإخراجها تم الضغط عليه حتى يتخلى عنها ليخرج مسرحية

رشاد رشدى ” حبيبتى شامينه ” التى كانت تروج لفكر السادات، وتشير إلى أن العرب قد باعوا فلسطين.

وقد تم ذلك فى هدوء وصمت لم تستنكره سوى جريدة ” الأخبار” فى مقال كتبته الناقدة سناء فتح الله، ثم أسدل عليها الستار.

وقد صدرت المسرحية فى كتاب سنة 1978بعد أربع سنوات، وذلك لأن الدكتور محمود الشنيطى

رئيس هيئة الكتاب فى ذلك الوقت، اعترض على نشرها في البداية، ولم يوافق إلابعد تدخل الراحل

العظيم الشاعر صلاح عبد الصبور، وكيل وزارة الثقافة والمسئول عن النشر بالهيئة.

كان صلاح يؤمن بحرية التعبير إيمانا صادقا، عبرعنه فى أشعاره وفى مواقفه، ومنها هذا الموقف معى

فقال للشنيطى إن الكاتب يستخدم تراثه وعقيدته للتعبير عن قضية وطنية وإنسانية

ولا حرج عليه فى هذا طالما أنه يحمل رؤية إنسانية، تدعو الى التفاهم والحرية والسلام.

وهيئة الكتاب جهة نشر وليست مؤسسة رقابية حتى تحجر على فكر الكاتب.

ومن يعترض على المسرحية بعد نشرها أمامه القضاء ليطلب مصادرتها.

وهكذا قدر للمسرحية أن ترى النور.   

 أما مصادرة كتاب “أمل دنقل: أمير شعراء الرفض” فكانت تجربة مؤلمة لى، لكنها لم تخلو من جوانب إيحابية.

وهى جديرة بأن تقدم هنا كمثل لكشف الأساليب الملتوية، والشعارات الكاذبة سواء كانت سياسية أو دينية  

وكوسيلة للتنبيه والتحذير حتى نحمى هذه الحرية.

 وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عن المركز القومى للآداب، وواكبت صدورها ضجة صحفية شارك

فيها عدد من الكتاب والنقاد منهم:

الأستاذ رجاء النقاش والأستاذ جمال الغيطانى وآخرون

كما شارك فيها صحف عربية كثيرة مثل الرياض والوطن والاتحاد وغيرهما.

أما السبب المباشر لهذه الضجة فكان يتمثل فى منع الكتاب من التداول لعدة شهور بعد طبعه من أجل

تغيير العنوان، ولا شك أن هذا الفعل يمثل عدواناُ على حرية التعبير، وعلى حق الكاتب

فى اختيار العنوان الذى يراه معبراً عن فكرته المحورية التى بنى عليها بحثه.  

وقد حاول الدكتور عبد العزيز الدسوقى رئيس المركز القومى للآداب – تبرير فعلته فاتهمنى

بدس العنوان المرفوض على المشرفين على النشر بمطابع هيئة الكتاب.

ولم يكتف بهذا بل هاجم الأستاذ رجاء النقاش لأنه كتب مقالين بمجلة ” المصور “عن هذا الكتاب

انتقد فى مقاله الأول موقف الدكتور عبد العزيز، ومنعه للكتاب من التداول، واعتبره مصادره لحق الكاتب

وعدوانا على حرية النشر.

ورغم عبثية التهمة التى وجهها إلى الدكتورعبد العزيز وعدم معقوليتها، إذ كيف يتهم إنسان بالدس على نفسه

أو كيف يتهم كاتب بدس عنوان كتابه إلا أن كلمة “الدس ” فى حد ذاتها تمثل تهمة مشينة وجارحة

فقررت رفع الأمر إلى القضاء واتفقت مع احد المحامين الكبارالذى كتب عريضة الدعوى

وقام بانذار الدكتور عبد العزيز الدسوقى تمهيداً لإتخاذ باقى الإجراءات.

ورغم تشجيع عدد كبير من الكتاب لى للمضى فى هذه القضية، حتى يتم الحصول على حكم من المحكمة

بإدانة فعل المصادرة فمثل هذا الحكم سوف يعزز بلا شك موقف المبدعين والمفكرين، فى وجه قوى القمع والتسلط

التى لا زالت تمارس دورها المعادى للحرية، إلا أننى توقفت فى منتصف الطريق، خشية أن يفسر الأمر

على أنه محاولة لجلب الشهرة، أو طمعاً فى تعويض مالى،أو دعاية جديدة للكتاب

الذى نفذت طبعته فى أسابيع قليلة.

 لكن تراجعى عن إقامة الدعوى وتنازلى عن حقى الشخصى، لا يعنى شطب هذه القضية

من دفتر اهتماماتنا الثقافية، فهناك شقها الموضوعى الذى لا أملك حق التنازل عنه

لأنه يخص جميع المبدعين والمفكرين عموماً / ألا

وهو حق الكاتب والفنان فى التعبير بكامل حريته دون رقابة، أو مصادرة لعمله أو لأى جزء منه.

وهذا المبدأ لن يتأكد بمجرد الحصول على حكم قضائى، وإنما يتأكد فقط عن طريق الوعى والإقتناع

حين نؤمن به جميعاً ونصر علي تطبيقه فى حياتنا بإعتباره حق أول من حقوق الإنسان الكريم

وأنه يمثل اللبنة الأولى فى أى بناء ديمقراطى.

ومن أجل هذا قررت ان أضع نص عريضة الدعوى – كما كتبها المحاميان– أمام جماهير القراء

واترك الحكم النهائى لهم.

المحــــــاميــــــان:    فايز جريس

حلمى فخرى 13 ش رشدى   بالقاهرة

القضية مرفوعة من: نسيم مجلى ابراهيم

ناقد ومؤلف مسرحى ومترجم

ضـــد :

الدكتور عبد العزيز الدسوقى شخصياً ثم بصفته رئيساً للمركز القومى للآداب التابع لوزارة الثقافة

ومقره متحف أحمد محمود بشارع مراد بجوار مجلس الدولة ومدرسة الأورمان بنات بالجيزة.

المــوضـوع :

فى صيف 1985 قدم الأول دراسة نقدية بعنوان ” أمير شعراء الرفض – أمل دنقل ” لنشرها فى سلسلة

(كتاب المواهب) التى يصدرها المركز القومى للآداب. وتمت الموافقة على نشر الكتاب من أعضاء

لجنة القراءة وهم الأساتذة:

أحمد الشيخ

صلاح عبد السيد

نبيل فرج

وكانوا يشتركون فى الإشراف على هذه السلسلة.

وفى يناير 1988 تم نشر الكتاب بعنوانه الأصلى “امير شعراء الرقض – أمل دنقل”

وفجأة قرر الدكتور عبد العزيز الدسوقى رئيس المركز القومى ورئيس التحرير التحفظ على الكتاب

ومنع تداوله فى السوق ….. واستمر هذا الحال عدة شهور حتى نشرت جريدة ” الأهالى

” بتاريخ 25 مايو 1988 (ص 11) صورة غلاف الكتاب المطبوع وتحت عنوان ممنوع من التداول نشرت البيان التالى:

 ” أصدر الدكتور عبد العزيز الدسوقى مدير المركزالقومى للآداب قراراً بمنع تداول كتاب

” أمير شعراء الرفض – أمل دنقل ” للكاتب نسيم مجلى حتى يتم تغير عنوانه.  وكانت الهيئة العامة

للكتاب قد انتهت من طبع وإعداد الكتاب لحساب المركز القومى  على أن يصدر فى الذكرى الخامسة

لرحيل أمل دنقل فى سلسلة “المواهب “.

 و فى أوائل يونيو سنة 1988 نشرت الأهالى البيان التالى ص 11:

” حول قرار منع كتاب ” أمير شعراء الرفض – أمل دنقل ” للكاتب نسيم مجلى جاءنا

من الدكتور عبد العزيز الدسوقى رئيس المجلس القومى للآداب هذا التوضيح: يقول الدكتور عبد العزيز أن العلاقة الحميمة

بينه وبين الشاعر حتمت عليه إحتضان هذا الكتاب وقد أمر بنشره رغم قرار لجنة القراءة – بالرفضٍ، حيث رأت هذه اللجنة أن فكرة إمارة الشعراء أمر مرفوض.

 وأضاف الدكتورعبد العزيز أنه أمر بنشر الكتاب بعد ان اتفق مع المؤلف على بعض التغييرات التى لا تمس

جوهر الدراسة – إلا أنه فوجئ بتغيير العنوان الموجود فى الفاتورة المرسلة لهيئة الكتاب فى غفلة

من المشرف على الطبع – مما أوقع المركز فى مأزق ورغم ذلك تم التوصل إلى اتفاق مع الهيئة

على أن يصدر الكتاب فى شهر يونيو.

 ولم يكد ينشر هذا الكلام حتى هب أعضاء لجنة القراءة يحتجون على هذه المغالطة

ونشرت الأهالى البيان التالى بتاريخ 22 يونيو 1988 ص 10: ” أمل دنقل ولجنة القراءة “

 في خطاب لرئيس التحرير قال الأديب صلاح عبد السيد: دافع الدكتور عبد العزيز الدسوقى

فى جريدة الأهالى بتاريـــــخ 1/6/1988 عن قراره بمنع كتاب ” أمير شعراء الرفض – أمل دنقل ” فقال إن :

– العلاقة الحميمة بينه وبين الشاعر حتمت عليه احتضان هذا الكتاب وقد أمر بنشره رغم قرار لجنة القراءة – بالرفض، حيث رأت هذه اللجنة أن فكرة إمارة الشعراء أمر مرفوض.

ولما كنت عضواً بلجنة القراءة التى أجازت هذا الكتاب فإننى أقول أن ذلك امراً غير صحيح فأنا لم أرفض الكتاب.

وبالعكس فإننى قد أشدت به ولم أرفض نشره تحت هذا العنوان:” أمل دنقل – أمير شعراء الرفض ”

وأن الذى رفض ذلك هو الدكتور عبد العزيز نفسه. وأتحدى الدكتور أن ينشر تقريرى المحفوظ لديه

عن الكتاب وكذلك تقرير زميلى أحمد الشيخ بهذا الرفض إلا إذا كان الدكتور قد استكتب بعض الموظفين

لديه تقارير بهذا الخصوص.

 ثم نشر ” المصور” بتاريخ 8 يوليو 1988 للناقد الكبير الأستاذ رجاء النقاش مقالاً تحت عنوان

” عبث أدبى غير مقبول ” تناول فيه أفكار الدكتور عبد العزيز فى الأدب والثقافة ثم ركز على موضوع الكتاب

قائلا: فلماذا يصادر الدكتور الدسوقى كتاب ” أمير شعراء الرفض – أمل دنقل ” بعد طبعه. وكيف يعطى لنفسه فرصة الحجر على آراء الآخرين فى عصر أبرز مزاياه أنه حرر الأقلام والعقول والأفكار من القيود

وسمح لكل صاحب رأى بأن يعبر عن رأيه حتى لو كان ما يقوله صاحب الرأى نقداً للنظام أو حتى رئيس الجمهورية.

الذى يتقبل برحابة صدر كاملة ما ينشر فى نقده، ونقد الحكومة والنظام ويتمسك بالدفاع

عن حرية التعبير للجميع؟ ومضى الأستاذ رجاء فى كلامه قائلا: – 

” هل يمثل الدكتور الدسوقى نظاماً آخر غير النظام الذى نعيش فيه؟ ” هل هو ملكى أكثر من الملك؟

هل يعارض الدكتور ما جاء فى كتاب نسيم مجلى عن الشاعر أمل دنقل؟ وإذا كان معارضا

لما جاء فى الكتاب فلماذا لا يكتب رأيه ويعلنه للناس وهو صاحب قلم يستطيع ان ينشر ما يراه

ويؤمن به مثله مثل غيره من أصحاب الأقلام فى هذا البلد وهذا العصر؟

إن الطريقة الوحيدة المقبولة للاعتراض الفكرى، هى التعبيرعنه بالقول والشرح وليس من حق أحد أن يصادر

آراء الآخرين، والدولة لا تعطى هذا الحق إلا لوزارة الداخلية فهل المركز القومى للآداب تابع لوزارة الداخلية

أو هو تابع لوزارة الثقافة؟ ” إن هذا الموقف لا يمكن وصفه إلا بأنه عبث أدبى غير مقبول.

ولا نجد ما نقوله للدكتور الدسوقى ولمن يتخذون موقفه إلا كلمة وهى: –   

كفاية لقد سأمنا من الضغوط الفكرية المفتعلة وآن لنا أن نتنفس بحرية، وان نشم أنسام التفكير المتحرر

من كل القيود   ثم يشير الأستاذ رجاء إلى فيلم ” 451 فهرنهيت ” الذى عرضه نادى السينما عدة مرات

وبه فرقة إطفاء مهمتها ضبط الكتب. كل الكتب وإحراقها، حتى لا يفكر الناس. وعلق على ما فعله

الدكتور عبد العزيز بقوله: –

” لو كان المخرج العظيم تريفو،الذى قدم لنا هذا الفيلم يعلم ان عندنا من يصادرون الكتب

ويضيقون بالرأى الحر، فلعله قد صور جزءا من فيلمه فى بلادنا تخليدا لأعداء الفكر وأعداء الثقافة “.

 وهنا يتوقف رجاء النقاش امام كتاب ” أمير شعراء الرفض ” فيقول: –

لقد حصلت بالحيلة – على نسخة من هذا الكتاب وقرأته ولى عليه ملاحظات ، وبينى وبين كاتبه خلافات

فى بعض آرائه.

ولكن الكتاب بكل المعايير كتاب ممتاز يحرك الفكر ويلقى كثيراً من الضوء على فن شاعر كبير هو أمل دنقل

ويثبت بالدليل ان هذا الشاعر الموهوب الجاد كان – فى جيله – جيل الستينيات أميرا لشعراء الرفض

حقا وصدقا. فأشعار أمل دنقل إن لم نقل كلها كانت عن الرفض.

 ثم يتحدث الكاتب الكبير رجاء النقاش عن مؤلف الكتاب قائلا: ” أما نسيم مجلى مؤلف كتاب

” أمير شعراء الرفض” فهو كاتب مثقف فنان لــه العديد من الكتب والمسرحيات المترجمة والمؤلفة

والتى تثبت جميعاً انه بلغ سن الرشد “الفكرى” منذ سنوات بعيدة وأنه بغير حاجة إلى وصاية أحد،

وانه يستطيع أن يتحمل مسئولية ما يكتبه, ويواجه الناس بآرائه، ولن يتحمل مسئولية هذه الآراء أحد سواه.

ثم ختم مقاله بالنداء الآتى:

” فأرفعوا أيديكم أيها الباطشون بحرية الفكرعن كتاب ” أمير شعراء الرفض” فلم يكلفكم أحد بحراسة

حرية الرأى فى مصر.

ولم يكلفكم أحد بإعطاء تأشيرة دخول أو خروج للأفكار والآراء فى عصر ينادى كل شئ فيه

بأن الخلاص من أزمتنا قائم على الحرية والتمسك بالحرية، وتعميق الممارسة الديمقراطية “.

 وبدلاً من الإفراج عن الكتاب، أمر الدكتور عبد العزيز بنزع أغلفة جميع نسخ الكتاب

وإلغاء الصفحة التالية التى تحمل عنوان ” أمير شعراء الرفض ”   ووضع غلاف جديد بدون عنوان لايحمل 

سوى عبارة ” امل دنقل ” أى أنه حذف العنوان الذى يعبر عن رأى المؤلف، وهذا عدوان خطير

على حرية التعبير يضر الكاتب ضرراً بالغاً …. إذ هو فى حقيقته يعد خرقاً لأهم مبادئ حقوق الإنسان

وهى حق التفكير والتعبير الذى يكفله الدستور والقوانين وكافة التشريعات.

 ثم رد الدكتور عبد العزيز الدسوقى على مقال رجاء النقاش …. محاولاً تبرير هذه الجريمة قائلا: 

(المصور فى 15 يوليو 1988). ” ناقشت المؤلف فى كل ذلك فإقتنع بتغير العنوان إلى

” أمل دنقل شعره وحياته ” وهو عنوان يتفق مع طبيعة ما فى الكتاب. ومع الأسف

فقد حدث أثناء الطبع خطأ عندما دس على المشرفين على الطبع العنوان المرفوض

وكان لا بد ان تصحح هيئة الكتاب الوضع منعاً للالتباس فى المحاسبة المالية. وقد تم ذلك.

وهذا الكلام يقلب الحقائق رأساً على عقب ويوجه للمؤلف تهمة الدس، وهى تهمة أخلاقية خطيرة كما يتهم المشرفين على الطبع بهيئة الكتاب بالاهمال والغفلة وعدم الأمانة … وهو كلام يتحمل تبعته القانونية

الدكتور الدسوقى فالدكتور عبد العزيز وهو رئيس المجلس القومى للآداب ورئيس مجلس إدارة

ورئيس تحرير سلسلة ” كتاب المواهب ” التى يصدرها المجلس، وقد أصدر ثلاثة كتب

في ثلاثة شهور متوالية (اكتوبر / نوفمبر / ديسمبر 1987 والكتب هى:-

  1. واحد ضد الجميع – تأليف: إدريس على (عدد 46). 
  2. اعترافات شاعر الكرنك تأليف: محمد رضوان (عدد 47)
  3. مزامير العصرالخلفى تأليف: عبد الستار سليم (عدد 48)

وفى أخر كل كتاب نجد قائمة تعلن أن من بين الكتب القادمة: – ” أمير شعراء الرفض “

تأليف نسيم مجلى، فمن دس على الدكتور عبد العزيز هذا الإعلان المتكرر لمدة ثلاثة شهور

وأين كان سيادته طيلة هذه الشهور الطويلة؟ وهو المسئول الأول والمشرف على هذه السلسلة.

 إن قيام الدكتور بتمزيق غلاف الكتاب بعد طبعه وتجليده، و نزع الصفحة الأولى هو تصرف غير عادى

وغير مفهوم.. من جانب الدكتور عبد العزيز. ولكنه يمثل عدواناً خطيراً على حرية التفكير والتعبير

وسابقة لا مثيل لها فى مصر فضلا عن كونها تبديد للمال العام من قبل رئيس مصلحة حكومية

وبدون سبب معقول وإنما إشباعاً لرغبته فى الوصايا والتسلط على أفكار الأخرين وهو أمر لا يقبله أى منطق سليم.

 لهذا نترك لهيئة المحكمة الموقرة تقييم هذا الفعل المعادى لحرية الرأى. وتقدير ما وقع من ضرر على موكلنا

نسيم مجلى مؤلف الكتاب ومن أساء لسمعته حيث اتهمه الدكتور وشهر به على صفحات الصحف

مثل الأهالى والمصور وقد بينا بطلان هذا الإتهام لذلك نطلب الحكم بالآتى:

1- إن عنوان الكتاب ” أمير شعراء الرفض – أمل دنقل ” هو العنوان الحقيقى للكتاب.

اختيار العنوان حق مطلق للمؤلف تحميه كافة التشريعات الوطنية والعالمية. وقضاؤنا العادل..

  1. الحكم بمبلغ 101 جنيها على سبيل التعويض المؤقت.

عند هذا الحد قررت التوقف حتى لا أترك أى فرصة لإساءة تقدير موقفى. وبالنسبة لإتهامى بالدس

فهى تهمة عبثية ومضحكة لا يقبلها عقل ولا بأس من التسامح بشأنها. ٍخصوصا لأننى شعرت

أن الدكتور عبد العزيز قد دفع دفعا الى هذا الموقف المناقض لأنه لم يكن أبدا ضد الكتاب

 وكان يحتفى بمقالاتى فى مجلة الثقافة التى كان يرأس تحريرها، فما الذى حدث وجعله

يبالغ في الهجوم على وعلى الكتاب بهذه الطريقة؟

كذلك تذكرت أننى كنت مع الد كتور عبد العزيز فى مكتبه فى اليوم السابق على مصادرة الكتاب

وهنانى على خروجه من المطبعة، وأهدانى نسختين ثم كتب تصريحا لى باستلام عشرين نسخة أخرى

من هيئة الكتاب، كهدايا للمؤلف وكان ذلك حوالى الثانية بعد الظهر، وفى صباح اليوم التالى ذهبت

لاستلام هذه النسخ فصدمت بخبرمنع الكتاب من التداول، وبناء عليه رفض المسئول تسليمى نسخ الكتاب

وكانت مفاجاة مؤلمة. فهل يمكن أن يكون الدكتور عبد العزيز قد انقلب على نفسه

في مدة لا تزيد عن ستة وثلاثين ساعة ؟ لابد أن هناك جهة أخرى تدخلت فى الأمر ودفعته الى محاولة

التبرء من مسئولية نشر الكتاب. وقد يفصح هو عن هذه القوة الخفية فى يوم من الأيام ومن

ثم يكفيه ماتعرض له من نقد وهجوم بسبب هذا الكتاب.

 وقد صدق حدسى فقد أعترف لى الدكتور عبد العزيزفيما بعد، وكان يسكن الى جوارى في مدينة 6 أكتوبر

وقال بالحرف الواحد ” لقد اتصل بى مسئول كبير في الأمن في الثالثة صباحا وطلب منى التحفظ

على جميع النسخ المطبوعة وعدم السماح بتوزيعها”

 ويكفينى أنا الأن توضيح موقفى للقراء. فالأمر لم يعد يتعلق بمسألة كتاب أو بعـنوانه

بل يتعلق أساساً بمشكلة حياتنا جميعاً وهى الحرية، حرية التعبير بمعناها الحقيقى الذى

لا يخضع لأى مصادرة أو تضيق.، فحق الإختلاف فى الرأى هو الذى يؤكد حرية التعبير.

 إن المثقف لا يمكن أن يكون حراً حقيقة إلا إذا عمل على ضمان حرية الآخرين، ممن يخالفونه فى الرأى

بالدرجة الأولى.

أما أن يطلب الحرية لنفسه فقط لكى يحكم ويتسلط فهوهنا لا يعرف معنى الحرية.

ومن أجل هذا، لم يعد المهم هو إدانة شخص بذاته وإنما إدانةالفعل أى فعل المصادرة والتعدى على حرية

الكتاب والمبدعين بشتى الطرق.

وذلك حتى يكون كل منا حارساً لحريته وحرية الآخرين. وبهذا فقط يمكننا ان نقيم حياة كريمة للجميع.  

على اى حال، فإن صدور الكتاب كان مناسبة هامة، أثبتت أن أنصار الحرية أكثر كثيراً

وأقوى من أعدائها.

وان صحافة مصر تعرف دورها الصحيح فى حماية حرية الكلمة الشريفة الصادقة

سواء كانت صحفا موالية كالمصور والأخبار، أو صحفا معارضة كالأهالى والوفد وصوت العرب وغيرها.

 كذلك كان الأمر بالنسبة لصحف عربية مثل الرياض وغيرها بالسعودية، والسياسة والوطن بالكويت

وجريدة إتحاد الإمارات ومجلة الكفاح العربى بقبرص، وكان موقف هذه الصحف والمجلات

يتميز بالتركيز على مادة الكتاب ومنهج البحث فخصصت مساحات كبيرة لعرض وابراز أهم الأراء النقدية

الواردة فى هذه الدراسة، لكنها لم تغفل تماما ًموضوع الخلاف فكان عنوان جريدة الرياض

” الكتاب الذى تسبب عنوانه فى مصادرته “. وكان اجمل التعليقات وأشدها سخرية فى السياسة الكويتية

مقال بدون توقيع يقول فيه كاتبه: 

” وتأتى هذه الضجة إنطلاقا من أن الكتاب قد تأخر فى صدوره بضعة أشهر، لا لشئ فى مضمونه

ولكن لشئ فى عنوانه.

فقد كان عنوانه الأول الذى اختاره المؤلف – وأهل مكة أدرى بشعابها – هو ” أمل دنقل – أمير شعراء الرفض ”

وكان هذا سبب رفض الكتاب من قبل رئيس المركز الدكتور عبد العزيز الدسوقى الذى رأى

ان لقب أمير الشعراء ليس لقباً رسمياً لأمل دنقل.

إنه لم يصدر مرسوم حكومى مثلا يمنحه اللقب فكيف يأتى فرد مثل نسيم مجلى ويمنحه ما لا يملك؟ “

(السياسة 18 أغسطس 1988)

 2- فى البحث عن مصادر أمل دنقل

 وبعيداً عن الضجة الصحفية فإن نشر هذا الكتاب قد أثمر ثماراً طيبة وعديدة فى حقل النقد الأدبى

إذ أيقظ الإهتمام بشعر أمل دنقل وحياته، وطرح أسئلة هامة حول مصادر ثقافته، وعلاقاته الفكرية

والفنية بأسلافه وأساتذته الراحلين، والمعاصرين فى تراث الثقافة العربية والإنسانية.

 إذ لم يكد ينشر الأستاذ رجاء النقاش مقاله ” شاعر من الصعيد وشاعر من اليونان والذى يشير

إلى وجود علاقة بين شعر أمل دنقل وشعر الشاعر اليونانى كفافى الذى عاش وكتب أشعاره كلها بمدينة

الإسكندرية، حتى جاءته رسالتان تؤكدان على تأثر أمل دنقل بشاعر آخر هو الشاعر السورى محمد الماغوط. 

 فى ذلك الوقت تلقيت رسالة من الشاعر والصديق وصفى صادق ومعها صورة لمقال منشور بمجلة

” الآداب” اللبنانية (نوفمبر 1967) بعنوان “اتهامات امام أمل دنقل” يقول فيه كاتبه الأستاذ

محمد على الخفاجى من كربلاء بالعراق:

  ” إن الشاعر استفاد من تجارب شعراء آخرين، ومع تطويره الذكى لهذه الإستفادة

إلا أنه لم يستطع التخلص من الشبهة، ونفى العلاقة، وكان اول ما وجدته فى قصيدته (لا وقت للبكاء)

التى لا تعدو ان تكون فى بعض أبياتها امتصاصا لأبيات من قصيدة (وصفى صادق مينا) المنشورة

فى مجلة الآداب العدد 11 لسنة 1967 والتى عنوانها (أمى والجرح الذى يدمى).

ثم قدم أمثلة على صحة ملاحظاته.

بعد ذلك إنتقل الأستاذ محمد على خفاجى للمقارنة بين قصيدة ” الضيف ” لنازك الملائكة

وبعض أبيات أمل دنقل دون أن يتمكن من تحديد من الذى أثر ومن الذى تأثر، وذلك لأن هذه القصائد

لا يوجد تاريخ محدد لكتابتها، لنعرف من منهما سبق الآخر. لكنه يؤكد بشدة على تأثر امل دنقل

فى قصيدته (ميته عصرية) بقصيدة (الفرح ليس مهنتى) لمحمد الماغوط، رغم عدم وجود تواريخ

لهذه القصائد أيضاً. 

هكذا انفتحت آفاق البحث فى شعر أمل وفى مصادر ثقافته وفنه، بفضل هذه المساهمات وغيرها.

وكان هذا الجانب مثار تساؤل وجهه إلى الأستاذ رجاء النقاش فى مقاله  الثانى

” أمل دنقل أمير شعراء الرفض ” بالمصور ( 11 أغسطس 1988) على النحو التالى:

” على ان الكتاب على قيمته وجديته يثير فى الذهن عدداً من النقاط السلبية، فقد كان بحاجة

إلى فصلين كبيرين يتحدثان بوضوح ودقة عن حياة الشاعر وثقافته. فالميسور أمامنا – حتى الأن – من حياة الشاعر ضئيل ولا يكفى للكشف عن الحقيقة، أو رسم صورة دقيقة للشاعر.

ورغم ان أمل دنقل كان يعيش فى شوارع القاهرة ونواديها الأدبية ومقاهيها المختلفة.

وكان بطبيعته المتمردة والفضولية والمقتحمة، يعرف عدداً كبيراً جداً من الناس ويعرف أخبارهم

وحقائق حياتهم، فإنه هو نفسه كان يخفى بذكاء ودهاء شديدين كثيرا من الحقائق حول حياته

ونحن لا نعرف مثلا أى شئ عن الفترة التى قضاها فى السويس …. لماذا سافر إلى هذه المدينة

وماذا كان يفعل بالضبط هناك، وما البيئة التى ارتبط بها فى هذه المدينة؟ …. كذلك فإن فترة إقامته

فى الإسكندرية كانت أكثرغموضاً، فقد أقام هناك عدة سنوات، انقطع فى معظمها عن كتابة الشعر

فكيف كان يعيش فى الإسكندرية؟  وما البيئات التى كان يختلط بها وماذا كان يعمل وماذا كان يقرأ؟ 

هذه الأمور كلها أشار إليها الناقد إشارات عابرة، ولم يبذل ما كان مفروضاً عليه أن يبذله

من الجهد فى سبيل الكشف عما فيها من غموض، ولقد كان كشف الغموض عن حياة امل دنقل

وخاصة فى المرحلتين الأولى والوسطى منها، أمراً ضرورياً لفهم هذا الشاعر ورسم صورة واضحة ودقيقة له.

وانا فى ظنى ان الكشف عن غموض هذا الجانب فى حياة أمل دنقل ليس بالأمر الميسور أو السهل

لأن الشاعر لم يكن يحب أن يتحدث عن ذلك حتى إلى أقرب الناس بالنسبة له.

ومع ذلك فلن تكون لدينا صورة حقيقية لهذا الشاعر الكبير بدون الكشف عن هذه الفترة الغامضة من حياته “.

هذه إحدى السلبيات التى سجلها الأستاذ رجاء النقاش فى نقده، وأنا أتفق معه على أهمية استكمال هذا الجانب، ولكن كيف السبيل؟

وقد أشار هو إلى السبب الأساسى الذى يجعل هذا الأمر صعباً عسير المنال، بقوله إن الشاعر أمل دنقل

كان يخفى قراءاته وأسرار فنه عن أقرب الناس إليه …. كذلك لم يكتب لنا شيئاً عن حياته أو تعليمه أو ثقافته، كما فعل صلاح عبدالصبور والبياتى والسياب مثلا.

كذلك لم ينشر أحد من أصدقائه أو القريبين منه ما يفيد فى كشف غموض هذه المراحل الهامة من حياته

فماذا يفعل الناقد فى هذه الحالة غير ان يعتمد على ما هو متاح وعلى شعر الشاعر وماتيسر من حوارات معه، لكى يستضئ بها فى دراسته.

لقد كان الشعر هو طريقى إلى أمل دنقل ولم تكن لى به أى علاقة شخصية. فأنا لم ألتق به سوى مرتين

فى أوائل السبعينات فى مجلة الكاتب، وعند ظهور كتابى سألنى عن ذلك أحد الأدباء المعروفين

قائلاً: “ربما لوعرفت امل كما عرفناه لما تحمست للكتابة عنه”.   

 كان طبيعياً جداً فى ظل هذه الظروف، أن أعتمد على الشعر بالدرجة الأولى، ليكون دليلى إلى الشاعر.

فالشعر أولاً وبعد ذلك تأتى اهمية الشاعر وحياته وثقافته. لأن الشاعر يعرف بشعره

فما أكثر الذين يقولون الشعر وتحتفى بهم وسائل الإعلام وليسوا بشعراء. وقد ساعدنى هذا الموقف

على أن احافظ على قدر كبير من الحياد والموضوعية فى دراستى له وتقييم دوره. 

 لقد عمدت إلى دراسة المؤثرات التراثية والثقافية فى شعر أمل دنقل وفى عقلى وذاكرتى إحدى مقولات

ت . س . اليوت فى مقاله ” التقاليد والموهبة الفردية ” التى تقول ان شكسبير خرج من قراءته لبلوتارك

بشئ هام جداً وجوهرى لم يكتشفه أحد ممن قرأوا معظم كتب المتحف البريطانى.

هذا القول يبين أن الموهبة الفردية لها الدور الحاسم فى عملية الإبداع الشعرى والفنى عموماً.

فليس المهم أن يقول كاتب أو شاعر إنه قرأ لهذا أو ذاك بل المهم ان نجد أنه قد استفاد بهذه القراءة، ثم نقرر:

هل كان ذلك له أم عليه؟ وهذا ما طبقته على امل دنقل دون إغفال لأى معلومة مفيدة، مما وقع تحت يدى

واطلعت عليه، وهذا الكلام يمهد السبيل لتوضيح نقطة أخرى خاصة بدراسة أمل للقرآن

وأثر هذه القراءة فى شعره، وهو ما أخذه على الأستاذ رجاء النقاش حين قال:

” أما النقطة الثالثة التى أحب أن اثيرها هنا فهى تركيز الناقد ” نسيم مجلى “على تأثير” العهد القديم والإنجيل”

على شعر أمل دنقل. ولا شك ان ما وصل إليه الناقد، فى هذا الميدان هو أمر صحيح ومفيد ودقيق

ولكنه مع ذلك – يبدو شديد النقص، فامل دنقل – كما يتضح من شعره – قد أهتم اهتماما واسعاً بقراءة الكتب

الدينية عموماً، ولم يقتصر على القراءة الدقيقة للعهد القديم والانجيل، بل قرأ القرآن. وربما تكشف معلومات

أخرى فى المستقبل، أنه حفظ القرآن. وقد ترك القرآن أثره الواضح على الأداء الفنى لامل دنقل

فى صوره وإيقاعاته، وفى القصص الدينية الكثيرة التى استخدمها فى قصائده المختلفة

فلماذا تجاهل الناقد الأثر القرآنى على شعر أمل دنقل، واكتفى بالاهتمام الواسع بأثر الانجيل والعهد القديم على الشاعر؟

والأستاذ رجاء النقاش على حق فى طرح هذا السؤال، لأن أمل تأثر فعلاً بالقرآن فى شعره

وقد أشرت أنا لهذا التأثير فى عدة أماكن وبالأخص فى الفصل الأخير الخاص بـ ” القيم التراثية

فى شعره ” (ص 260) حين تناولت الجزء الثانى من قصيدة ” صلاة “:

تفردت وحدك باليسر إن اليمين لفى الخســـــــــــر

أما اليسار ففى العسر إلا الذين يماشـــــــــــــــــون

إلا الذين يعيشــــــون يحشون بالصحف المشتراه

العيون فيعشـــــــون إلا الذين يــوشـــــــــــــــون

 ياقات قمصانهم برباط السكوت

وهذا يؤكد انه لم يكن هناك تجاهل أبداً. ولكن ما حدث فعلاً هو أننى أشرت إلى كل المؤثرات والرموز التراثية

فى شعر أمل دنقل ، ولكنى أعترف أن هناك قصصاً ظننتها من التوراة مثل قصة ” يوسف محبوب زليخا ” فى قصيدة ” العشاء الأخير ” وحكاية الطوفان فى  قصيدة ” لقاء خاص مع ابن نوح ”

وقد وردت فى التوراة فعلاً لكن أمل أضاف إليها جوانب أخرى وردت فى القرآن،  وهذا ما عرفته من قراءة

كتاب الدكتور جابر قميحه ” التراث الإنسانى فى شعر أمل دنقل ” حيث قدم  المؤلف رصداً دقيقاً لمصادره

التراثية وتناول فيه طريقة تناوله للتراث ، واحتج على صياغة أمل للعبارات والرموز القرآنية

بطريقة بدت للدكتور قميحة،  مخالفة  للمفهوم القرآنى دون مبرر، لكنه أثبت فيه تلاحم الأسلوبين

الإنجيلى والقرآنى فى بعض القصائد.  

 وقد انتقد الدكتور سيد البحراوى منهج الدكتور قميحه بقوله: –

” وكان أمينا فى رصده ما جاء فى شعر أمل وحواراته، ولكن مع الأسف لم يستطيع أن يقدم تحليلاً- ولو جزئياً –

لمنهج الشاعر فى التعامل مع التراث، فيما عدا انتقادات ايدولوجية أثبت فيها رفضه لتمرد أمل على الصيغ

التى قدم بها القرآن، الشيطان وابن نوح …. الخ، دون ان يحاول استيعاب ما إذا كان ذلك التمرد ممتداً

وعميقاً أم هو مجرد مخالفة ظاهرية، ولماذا فعل الشاعر ذلك فى ضوء بناء القصيدة … الخ ” (البحث عن لؤلؤة المستحيل ص 154). 

 وهذا الخلاف الواضح بين الناقدين فى التفسير انما يؤكد إشكالية التعامل مع الرموز الدينية

فى القصيدة الحديثة.

وهذا الاختلاف فى التفسير ليس وقفا علينا كمصرين أو كعرب، بل أنه قائم فى الغرب أيضاً

وهو مرتبط عادة بالموقف الايديولوجى للمتحاورين. فقد أوردت فى الفصل الأخير من كتابى هذا القصيدة

التى كتبها أحد الشيوعيين قبل الثورة الروسية سنة 1917 ليسخر فيها من القيصر وحكومته على النحو التالى:

 أبانا الذى فى بطرسبورج

اللعنة على اسمك

ليهوى ملكوتك

ولا تتم مشيئتك حتى فى الجحيم

خبزنا كفافنا الذى سرقته منا

أعطنا اليوم وسدد لنا ديونك حتى الآن

ولا تدخلنا فى تجربة لكن نجنا من الشرير

من بوليس بالسيف، وضع حدا لحكومته اللعينة

ولكن لأنك ضعيف ومنسحق فى الروح

وفى القوة والسلطان …. فليسقط إلى الأبد اسمك

آمين.

(كتاب” كارل ماركس ” ترجمة: عزت زكى – لم يذكر اسم الناشر ولا تاريخ النشر).

ليس فى القصيدة أى مساس بالمشاعر الدينية طبعاً لأن السخرية واللعنة موجهه بشكل واضح جداً إلى الساكن

فى بطرسبورج، أى القيصر ثم رئيس حكومته المسمى (بالسيف) الذى كان يطارد الثوار.

ورغم هذا الوضوح فإن الكاتب الغربى (ريتشارد رمبراند) مؤلف الكتاب، يقدم هذه القصيدة على أنها

صلاة تجديفية ضد الله، وهذا يردنا إلى نقطة البداية فى مناقشة هذا الإتجاه الخاص باستلهام عناصر

التراث الثقافى والدينى فى الشعر، ولماذا يلجأ إليه الشاعر الحديث.   

إن القصيدة الحديثة كتبت أساساً للتعبير عن تجربة إنسانية يعيشها الإنسان في هذا العصر، وتزداد خصوبة هذه التجربة وقوتها بمدى صدقها فى التعبير عن واقع الإنسان فى وطن معين أو بيئة معينة، وذلك لأنها تجربة خاصة

وليست تعبيراً عن كليات او مفاهيم فلسفية أو دينية مجردة. وهذا ما يضفى عليها صفة الحداثة

وفى شعر أمل دنقل – هذا الشاعر القومى الثائر تكتسب هذه الطريقة بعداً جديداً، فتصبح القصيدة

عنده سلاحاً نضالياً لتدمير كل المفاهيم الخاطئة التى تكبل العقل العربى ….. وتعجزه عن استيعاب المفهوم

الحقيقى للحرية بمضمونها الاجتماعى والسياسى، الذى لا يقبل الفصل أو التجزئة، وإلا انقلب الحال

إلى سيادة طبقة طاغية مستغلة للمكافحين والمنتجين الحقيقيين على كل صعيد.

 إن الشاعر حين يستعين بالرموز التراثية أوالدينية، لا يقصد فى أغلب الأحيان إلى إحياء قيمة من قيم الماضى

أو شرح نص دينى أو موقف دينى أساساً، وإنما يقصد إلى إضاءة جانب من تجربة إنسانية عصرية

ويصبح من الضرورى النظر لهذا العنصر الدينى فى إطار السياق العام للقصيدة كجزء من كل: هو القصيدة.

 فإذا ذكر الشيطان فى قصيدة ” كلمات اسبارتاكوس” مثلاً، فإنما ليبرز زاوية واحدة فقط

هى تمرد الإنسان المعاصر على السلطة المهيمنة التى تسحقه بطغيانها، وليس أبداً تمجيداً لعصيان

الشيطان لله سبحانه وتعالى كما قال أحد الكتاب فى مهاجمته لى فى مجلة ” أدب ونقد “

(فهذه السلطات حينما تقهر الإنسان وتقتله فهى تؤله نفسها وتدعى ما لا يحق لها من سلطان.

شاهد أيضاً

تأجير العقارات من العمليات الحيوية التي توفر السكن والدعم للعديد من الأفراد والعائلات

بقلم احمد اللبودي يعتبر تأجير العقارات من العمليات الحيوية التي توفر السكن والدعم للعديد من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.