سيمون نصيف باحث دكتوراة في العلوم السياسية
من توازن القوى إلى إحتكار الشرعية نشأ حق النقض (الفيتو) كنتاج لموازين القوى بعد الحرب العالمية الثانية، حيث منحت الدول المنتصرة (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا، فرنسا، الصين)
هذا الامتياز لضمان مصالحها، والذي تمت صياغته في مؤتمري دمبارتون أوكس ويالطا (1945-1944)
كبديل عن نظام الإجماع الفاشل في عصبة الأمم، بحجة تعزيز الاستقرار الدولي، غير أن المادة 27
من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على ضرورة موافقة الأعضاء الدائمين لقبول القرارات
حوَّلت الفيتو إلى أداة سياسية تحمي مصالح القوى العظمى على حساب المبادئ التأسيسية للمنظمة
مثل المساواة في السيادة بين الدول.
وهنا يظهر التناقض البنيوي، وكيف يشوّه الفيتو أسس العدالة؟
أولاً: الفيتو انتهاك صارخ لمبدأ المساواة القانوني يمنح الفيتو الدول الخمس سلطة غير متوازنة
حيث يمكن لدولة واحدة إسقاط قرارات تحظى بأغلبية في المجلس، هذا يتعارض مع المادة الثانية
من الميثاق التي تؤكد المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء.
ثانياً: إضفاء الشرعية على الإفلات من العقاب كالحالة الفلسطينية استخدمت الولايات المتحدة الفيتو
ما يزيد عن 40 مرة لصالح طرف ما ، ضد قرارات تدين وتطالب بدخول المساعدات الإنسانية
فأصبح الفيتو الأمريكي درع دبلوماسي لحماية طرف ضد الأخر، ولا سيما الحالة السورية
استخدمت روسيا الفيتو 17 مرة منذ 2011 لحماية النظام السوري، رغم تصاعد عدد القتلى
إلى أكثر من نصف مليون شخص.
ثالثاً: أصبح الفيتو كعامل تفكيك للعدالة الإنسانية، ففي يوليو 2023 منع الفيتو الروسي قرارات
تسمح بدخول المساعدات الإنسانية، مما ترك ملايين من الشعب السوري دون غذاء ودواء، وفي يونيو 2025
استخدمت أمريكا الفيتو ضد قرار يطالب بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة
رغم تقارير الأمم المتحدة عن مجاعة جماعية وأطفال يموتون بسوء التغذية.
رابعاً: تقويض المحاكم الدولية يمنح الفصل السابع لمجلس الأمن سلطة إحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية
الدولية، لكن الفيتو يحول دون محاسبة جرائم حلفاء الدول الدائمة، كتعذر إحالة النظام السوري للمحكمة
بسبب الفيتو الروسي.
وتوالت محاولات للإصلاح والتغيير بين الواقع والطموح أبرزها مبادرات دولية باءت بالفشل
كميثاق المستقبل (2025) حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى توسيع مجلس الأمن ليعكس
“عالم اليوم لا عالم ما قبل 80 عامًا”، لكنه واجه رفضًا من الدول دائمة العضوية
وأيضاً فشل قرار “الإتحاد من أجل السلام” الذي يسمح للجمعية العامة بالتصويت عند تعطيل مجلس الأمن.
لهذا يمثل الفيتو طعنة في صدر العدالة، لذا نرى بعض المقترحات العملية للتخفيف من الأزمة
كتقييد استخدام الفيتو في الجرائم الجسيمة كجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، والتمثيل العادل
للمناطق المهمشة
وإضافة مقاعد دائمة لأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتفعيل الآليات القضائية مثل اللجوء لمحكمة العدل الدولية
التي لا يخضع قرارها للفيتو عند عرضه على مجلس الأمن لتنفيذه.
الفيتو ليس حقًّا بالمعنى القانوني، بل هو تجسيد لحكم القوة وهيمنتها على البشرية، بمعزلٍ كاملٍ
عن إدعاء المبادئ والأخلاق، فالفيتو كرمز لأزمة الشرعية الدولية تحول من أداة لحفظ السلم
إلى آلية لهيمنة القوى العظمى
يُستخدم لتحصين الانتهاكات بدل المحاسبة، التحدي الأكبر ليس قانونيًا فحسب، بل سياسياً وأخلاقياً
فهل يمكن لنظام قائم على اللامساواة أن يحقق عدالة عالمية؟
الإصلاح يتطلب إرادة دولية جماعية لموازنة الشرعية والعدالة، وإلا ستبقى الأمم المتحدة سجينة ميثاق
كتب بدماء الحرب العالمية الثانية.