السبت , ديسمبر 6 2025
قنا
المجمع الانتخابى لقبيلة الحميدات

القبيلة . . قراءة في الجذور والدلالات من هوارة التاريخ – – – إلى حميدات الحاضر

نصر ياسين

منذ أن عرف الإنسان معنى الانتماء، ظل يبحث عن سور يلوذ به، ودرع يحميه في مواجهة الفوضى.

في لحظات تراجع الدولة أو غياب مؤسساتها، يطل وجه قديم جديد: القبيلة.

ليست مجرد دم يجري في العروق، بل كيان اجتماعي وسياسي وثقافي، كان عبر التاريخ ضمانة للاستمرار

وسلاحًا في معركة البقاء.القبيلة حين تعيد صياغة التاريخ حين انهارت روما العظمى في الغرب

لم تقم أوروبا على أنقاضها فورًا بدولة جديدة

بل نهضت القبائل الجرمانية — القوط، الفرانك، والأنجلوساكسون — لتملأ الفراغ.

تلك القبائل لم تكن مجرد جماعات متناثرة، بل هي التي أسست اللبنات الأولى لممالك ستصير

فيما بعد فرنسا وإنجلترا وألمانيا.

كان المشهد يومها يقول إن القبيلة ليست عودة إلى الوراء، بل جسر حضاري عبَرَت عليه أوروبا

من ظلام القرون الوسطى إلى فجر النهضة.

القبائل العربية… سلطة قبل السلطة

وعلى الجانب الآخر من التاريخ، كانت القبيلة العربية دولة الصحراء قبل أن تنشأ الدولة الحديثة.

هي التي أمنت الطرق للقوافل، فضّت النزاعات، وأقامت نظامًا للتكافل لم تعرفه أوروبا يومها.

ومع مجيء الإسلام، ارتفعت القبيلة إلى مستوى جديد: رافد للجيوش، حارس للهوية، وذراع في مشروع الأمة.

وحتى بعد قيام الدول العربية الحديثة، لم تغب القبيلة، بل بقيت سندًا اجتماعيًا، وحائطًا خلفيًا تتكئ عليه الدولة كلما اهتزت أركانها.

هوارة… القبيلة في خدمة الدولة

وفي مصر، كان لصعيدها النصيب الأوضح من هذا الدور.

هناك، حملت قبائل هوارة عبر القرون أمانة حماية حدود الدولة المركزية. فكان أول من لمع اسمه

الشيخ عمر بن عبد العزيز البنداري، بما عُرف عنه من حكمة وحنكة في تأمين أطراف الدولة وتثبيت نفوذ القبيلة.

ثم جاء بعده همام بن سيبيه، الذي يُعد المؤسس الأول للبيت الهواري، والجامع لشمل القبيلة.

ومع تعاقب الأجيال، بلغ المجد ذروته مع حفيده شيخ العرب همام بن يوسف، الذي وحّد القبائل تحت راية واحدة،

وأقام في الجنوب شبه دولة لها نظامها وجبايتها وجيشها، حتى رآه بعض المؤرخين مشروعًا موازيًا للدولة العثمانية.

الأوضح من هذا الدور. هناك، حملت قبائل هوارة عبر القرون أمانة حماية حدود الدولة المركزية.

ومن هذا الجذر التاريخي انبثقت قبيلة الحميدات، لتواصل المسيرة وتثبت أن القبيلة ليست صفحة من الماضي

بل فصل ممتد في كتاب الحاضر.الحميدات… من حماية الحدود إلى حماية الوحدةاليوم، تقدم الحميدات نموذجًا جديدًا في السياسة.

لم يعودوا فقط حماة الحدود كما كان أسلافهم، بل أصبحوا حماة الوحدة الداخلية. ففي مجمعهم الانتخابي الأخير، اختاروا التوافق على مرشح واحد، مقدمين درسًا في التنظيم الجماعي والقرار الموحد.

ما يلفت النظر أن هذه التجربة قامت على الطوعية الكاملة:

لا إكراه

لا مال سياسي

لا ( كراتين سلع غذائية )

كما تفعل بعض الأحزاب.

إنما كان الحشد نابعًا من الانتماء، والقرار صادرًا عن الجماعة، في ظل الدولة ورعايتها.

هكذا تحولت القبيلة من كيان تقليدي إلى فاعل وطني مسؤول، يمد الدولة بعناصر الاستقرار، لا بمصادر القلق.الدلالة هنا أعمق من مجرد اختيار مرشح.

إنها تقول إن القبيلة، التي كانت يومًا حارسًا للحدود، يمكن أن تكون اليوم رافعة للتنمية السياسية والاجتماعية.

القبيلة ليست عائقًا أمام الدولة، بل ذراعًا تمدها بالقوة، حين تُمنح فرصة التعبير والتنظيم الحر.

من القبائل الجرمانية التي نهضت من أنقاض روما، إلى قبائل هوارة التي حمت حدود مصر، وصولًا إلى تجربة الحميدات في مجمعهم الانتخابي، تظل الحقيقة ثابتة:

القبيلة طاقة متجددة، تتبدل أدوارها بتبدل الزمن، لكنها في كل عصر تظل الضمانة الأولى للانتماء والاستقرار.

شاهد أيضاً

انتخابات البرلمان المصري

انتخابات وانتخابات

عرفت الانتخابات التي شهدتها مصر عقب ثورة يناير نسب مشاركة كبيرة وقوة في المعارك السياسية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.