كان شابًا كمثل أي شاب لديه أحلام وطموحات، ولكن سرعان ما اصطدم بواقع آليم، وإذ به يخطو خطوات نحو درب مظلم ليس له معالم ولا أول ولا آخر، وعندما أفاق من غفلته أيقن أنه ليس الطريق الذي يجب أن يسير فيه، فجثا على الأرض باكيًا ومرّغ وجهه في التراب لله عز وجل يطلب منه الرحمة والمغفرة،
فكان هذا أنين مذنب…
| كم من دُمُوع على خَدِّي تَتَقَطّرُ | على مَاضٍ ألِيم القَلْبُ مِنْه يَتَفَطّرُ | |
| تبًّا لغَافِلٍ يَعِيشُ دُنْيَاه مُسْتَهْتِرًا | يَظُنُّ الزَّائِفَةَ دَارَه وفيها يَتَكبّرُ | |
| مُذْنِبٌ ظَلُومٌ للأبْريَاءِ ولِنَفْسِهِ | أُلْقِيَ بسِجْنٍ فَمَتَى عَسَاه يَتَحَرَّرُ؟ | |
| لنا في الكِتَابِ مواعظٌ وعِبَرٌ | فما بالُ فُؤادِه لها لا يَتَأثّرُ؟! | |
| أكْرمْ بمَنْ بَاعَ رُوحَه فِدَاءً | لنَيْل رضَا رَبّه أبَدًا سَتُبَشَّرُ | |
| يامَنْ بَاعَ جَنَّةً لأجْل دُنْيا | ويُفَضِّلُ الرَّخِيصَ بئْسَ ما تَتَخَيْرُ | |
| فلو فُتِحَتْ عليه أبْوَابُ خَيْر | تَهَلّلَ وللمِعْطَاءِ هو لا يَتَشَكّرُ | |
| وإذا ابْتُلِيَ ببَلْوى لِدَفْع شَر | تَجَهّمَ وتَرَاه سَاخِطًا يَتَذَمّرُ | |
| وإنْ دُعِيَ لمُنَافَسِةٍ كُبْرَى عَظِيمَةٍ | أعْرَضَ وهو مُتَكَعْكِعٌ يَتَأخَّرُ | |
| ألم تَكُنْ نُطْفَةً في بَطْن أمِّك؟ | لا تَهْتَدِي سُبٌلًا أفلا تَتَذَكّرُ؟ | |
| إنَّ لك ربًا ذا كَرَم وسَخَاءٍ | فَكَمْ أطْعَمَكَ وأنْتَ جَائِعٌ تَتَضَوّرُ | |
| فَلِمَ البَعْدُ عنه وخُسْرَانُ سِلْعَتِهِ؟ | ولِمَ لا تَرَى آيَاتِه فيك وتَتَفَكّرُ؟ | |
| لن تَدُومَ الدُنْيا لِطَوَاغِيتٍ وجَبَابرَةٍ | فَكَمْ قَصَمَ الله من ظالِم يَتَجَبّرُ | |
| عَجَبًا لهذا الزَّمَان ومَكْره | يُخْفِي الكُفْرَ وبالإيمَان يَتَنَكّرُ | |
| حَسِبَ النَّاسُ فيه الحَرَامَ تَحَضُرًّا | تَتَقَدّمُ به أمَمٌ لَكِنَّها تَتَدَمّرُ | |
| مَنْ ذا الذي يَتَذَلّلُ لِغَيْر رَبّه؟ | ألك مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ؟ إنَّها تَتَحَقّرُ | |
| جَهَرْتُ بقَوْلِي فَعِ إيّاه مُنْصِتًا | أما من تَوْبَةٍ الآن لَعَلّك تَتَغَيَّرُ؟ | |
| كم من فِتَنٍ تَأتِيكَ مُتَرَبّصِةً | وتَكْويكَ البلايا أفلا تَتَصَبّرُ؟ | |
| في جَوْفِ الدُجَى يَعْلُو أنِينُ مُذْنِبٍ | يُرتّلُ آياتٍ وتَرَاه خَاشِعًا يَتَدَبّرُ | |
| يا لَيْتَ المَرْءُ لِوَقْتِ السَحَر سَبَّاقٌ | يَعْلُو نَحِيبُه والدَّمْعُ مِنْه يَتَحَدَّرُ | |
| لو رَأيْتَ مُنْكَرًا تَجَاهَلْتَ أنْ تُغَيَّرَه | فما بالُ الغَضَبِ فيك لا يَتَفَجّرُ؟ | |
| وتَسْمَعُ نِدَاءَ الفلاح لك دَاعِيًا | وقد شُلَّتْ جَوَارحُكَ وكَأنَّها تَتَخَدّرُ | |
| قد تَخَبَّطَتْكَ دَوْمًا هُمُومٌ ومَصَائِبٌ | فصِرْت مُتَرنّحًا كالسَّكِير يتَبَخْتَرُ | |
| النَفْسُ دَاعِيَةٌ للعِصْيَان وها هي | أفْنَتْكَ عُمْرَكَ وبالبُكَاءِ تَتَحَسَّرُ | |
| وحَسِبتَ الذَنْبَ صَغِيرًا هَيّنًا | فتَسَمَّمَتَ مِنْه فهو يَكْبُرُ ويَتَطَوّرُ | |
| للهِ عِبَادٌ ظَلَّوا يَرْجُونَ رَحْمَتَه | والقَلْبُ من عَذَابه خَائِفٌ يَتَوَتَّرُ | |
| يُنَادِي الوَدُودُ أمَا من تَائِبٍ؟ | ولَكِنَّك كُنْتَ نَائِمًا تَتَدَثّرُ | |
| كَفَاكَ يا هذا تَخَاذُلًا وبُؤسًا | فورَبّي إنِّي من أمْرك لأتَحَيَّرُ | |
| إنْ كُنْتَ تَطْمَحُ لِبُلُوغ مَنْصِبٍ | كم حَلِمْتَ به فإذ بالحُلْم يَتَبَخّرُ | |
| تُهْدِي العُمْرَ للهَوَى مُضَحِّيًا | ولو دُعِيتَ لِبر فذا عَلَيْكَ يَتَعَذّرُ | |
| كالمُدْمِن يَذْبَحُ نَفْسَه رَاضِيًا | ويُهْلِكُ ذَاتَه بذَاتِه ويَتَضَرّرُ | |
| فَمِنّا مَنْ يَحِيدُ عن الصَّوَابِ مُتَعَمِّدًا | ومنّا مَنْ يبيعُ إسلامَه ويَتَنَصّرُ | |
| ومنّا مَنْ يَعِيشُ بذَنْبه سِنِينًا | ويَتَخَفّى بالذَنْب عن النَّاس ويَتَسَتّرُ | |
| ومنّا من يُبَارزُ الله مُجَاهِرًا | فيُمْهلَه رَبُه والذَنْبُ مِنْه يَتَكَرَّرُ | |
| في زَمَن قَلَّ فيه المُصْلِحُونَ لأنَّه | كَثُرَ الفَسَادُ وشَمْسُ الصلاح تَتَكَدّرُ | |
| يُشْركُ المُسْلِمُ برَبّه بغَيْر عِلْم | ولو دُعِيَ للفلاح إذ به يَتَطَيّرُ | |
| قد دَعَا الرَّحْمَنَ خَائِفًا وَجِلًا | وصَرَخَ من ألَم فقَلْبُه يَتَحَجّرُ | |
| أي رَبّي أغِثْ الإسلامَ فإنَّه | أضْحَى غَريبًا لَعَلَّ حالَنا يَتَيَسّرُ | |
| وارْحَمْ عَبْدًا تَغَافَلَ عنك دَهْرًا | لَعَلَّ ذَنْبَه يَنْزَاحُ ويُكَفّرُ | |
| قد سَمِعْتَ شَكْوَى وأنِينَ مُذْنِبٍ | لا أجدُ لِحالِه قَوْلًا يُعَبّرُ | |
| أأخُيَّ خُذْ بنُصْحِي ولا تُهْمِلْه | فَمُسْتَقْبَلُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ سَيَتَقَرَّرُ | |
| عُدْ لِرَبّك وغُفْرَانِه مُهَرْولًا | لَعَلَّ القُيُودُ من حَوْلِكَ تَتَكَسَّرُ | |
| الله يَدْعُوكَ لِجنَان ورضْوان | فلا تَخْسَرْهُما وأنْتَ وَاقِفٌ تَتَسَمّرُ | |
| ولا تَغْفَلَنَّ عن المَوْتِ بلَذَّةٍ | فله سَكَرَاتٌ والنّفْسُ تَتَغَرْغَرُ | |
| كَفَى ما ضَاعَ من العُمْر فَانِيًا | الجَنَّةُ ها هُنَاكَ فهل هُنَاكَ مُشَمَّرُ؟ | |

جريدة الأهرام الجديد الكندية
