في كل مرة يُعلن فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا يبعث الأمل في قلوب المعلمين، تظهر فجأة كائنات مالية غريبة من أعماق المكاتب، ترتدي عباءة «العجز في الميزانية»، وتبدأ في تلاوة نشيدها الوطني المحفوظ: «الميزانية لا تسمح يا فندم».
وكأن الدولة عبارة عن ماكينة طباعة أعذار لا تنضب، جاهزة دائمًا لتبرير أي تقصير في تنفيذ
توجيهات القيادة السياسية.
ا
لرئيس يقول بوضوح: «صرف حافز التدريس بقيمة 1000 جنيه للمعلمين اعتبارًا من نوفمبر 2025»
فيتحرك الشارع بالامتنان، وتتنفس المدارس الصعداء، وتبدأ الأسر في حساب ما يمكن شراؤه
من هذا الحافز الذي طال انتظاره.
لكن على الجانب الآخر، تبدأ بعض المؤسسات في ممارسة هوايتها المفضلة: «التحنيط الإداري»
لكل توجيه جديد، تحت لافتة «ندرس آلية التنفيذ» — تلك الجملة المطاطة التي صارت المقبرة الرسمية
لأي قرار رئاسي قبل أن يرى النور.
ديا سادة، هل نحن أمام دولة تسير بتوجيهات القيادة أم أمام جزر مالية منعزلة لكل منها برلمانها وحكومتها؟
كيف يمكن أن يُعلن الرئيس بنفسه، وتخرج بعده بعض الجهات تلوّح بورقة «الميزانية لا تسمح»؟
وهل أصبحت الميزانية «السيد الأعلى» الذي يُطاع أكثر من رأس الدولة نفسه؟
الساخر في الأمر أن الميزانية لا تسمح بالتحفيز، لكنها تسمح بالمؤتمرات المكيفة
واللجان المتعددة الأسماء، والسفريات «الدراسية» التي تخرج لتتأكد من أن «العجز حقيقي».
أما تحسين أوضاع المعلمين – الذين يحملون على أكتافهم مستقبل أولادنا – فدائمًا مؤجل إلى حين ميسرة…
لا تأتي أبدًا.
يا سادة، الرئيس لم يقل «إن سمحت الميزانية».. قال «اعتبارًا من نوفمبر 2025».
الفرق بين الجملتين هو الفرق بين دولة تعمل برؤية، ودولة تعمل بـ«الحسبة».
الفرق بين الإرادة السياسية، والإرادة الورقية.
فلنتوقف عن دفن القرارات في مقابر «اللجان المالية»، ولنتذكر أن توجيهات الرئيس
ليست اقتراحات قابلة للنقاش، بل خارطة طريق ملزمة لدولة تحترم نفسها.
فمن لا يسمع صوت القيادة، فليستعد ليسمع صوت الشعب.
جريدة الأهرام الجديد الكندية 
