الجمعة , أبريل 26 2024
الرواية

الفصل التاسع من أسياد حارتنا

الرواية
الرواية

المؤلف.. إيليا عدلى
(9) ما بين حب وضمير
فريدة دخلت حجرة نومها في الثالثة عصراً لإيقاظ نصار الذي كان ممدداً جسده على السرير محتلاً به كل مساحته الواسعة، رامياً يداه ورجلاه للخارج كحرف الاكس مبتسماً في نومه ، وكأنه يكمل الواقع الجميل بحلم أجمل..لمست فريدة جسم نصار برقة شديدة وهمست له كالبلبل:
– نصار..نصار..أنا حضرت الغدا..انت ماجوعتش؟!
– اعتدل نصار وجلس في تراخ ساندأً ظهره على السرير..يفرد ذراعاه في خمول وبشاشة متثائباً..ثم نزل من السرير واتشح بالمنشفة استعداداً لدخول الحمام..يفاجيء فريدة بالهجوم عليها بحضن قوي ويرميها على السرير ويقبلها في خدودها عدة مرات سريعة وهي تضحك وتصرخ من حبه العنيف..ثم يتركها ويهم واقفاً مبتسماً وهو يقلد الفنان يحيى شاهين في فيلم “بين القصرين”:
– اعمليلي كوباية “زفت” يا فريدة لغاية ما اخرج من الحمام.
تضحك فريدة وتقلد بدورها الفنانة آمال زايد:
– ما بزيداك “زفت” يا سي نصار.
خرج نصار الى الحمام ضاحكاً، وتلاحقه فريدة وتحضنه من الخلف، ثم تتركه وتدخل المطبخ قائلة:
– حالاً تكون القهوة جاهزة يا حبيبي.
دخل نصار الى الحمام وجهز ماكينة الحلاقة والموس ليحلق..نظر الى المرآة وتسمر كالتمثال امامها يغوص فيها وكأنه رأى شيء ما جديداً عليه، وجد مشاعر جديدة في داخله وحدث ضميره في حوار يميل الى التحقيق اكثر منه حوار:
– أنا بقيت بطل شعبي.
– وانت يعني عملت ايه زيادة عن بقية اهل الحارة؟
– إزاي يعني؟ دا انا اللي بخدم اهل الحارة، وكل مشكلة انا اللي بحلها لهم وييجو لي جري اساعدهم!
– يبقى الفضل لحبهم ليك مش لفضلك عليهم.
– حبهم ده سببه خدمتي ليهم.
– ولو بطلوا يحبوك؟!
– إحم..طول ما أنا قلبي عليهم هيفضلوا يحبوني.
– وقلبك كان على خالد لما كنت هتدي أوامر للناس تهجم على وكر البلطجية؟!
– عنصر المفاجأة كان هيشل البلطجية عن أذى خالد، وبعدين ما أنا غيرت الخطة والنقيب صلاح المر بعت فلوس مزورة وخرج الولد في أمان.
– ودي كانت فكرتك؟!!
– ها ؟!! ماهو..أنا ورفيق واحد..و..
– إنت بتحب الناس ولا بتحب طموحك؟
– أنا..ممم..وإيه المانع لما يكون عندي طموح، وفي نفس الوقت أحب الناس؟!
– مفيش مانع ان يكون عندك طموح..
– شفت إزاي اتهزمت يا ضميري العزيز..أنا صح..
– ما هو..
– انت لسة هاتقاوح..انا لازم أحلق دلوقتي ونلتقي فيما بعد.
أمسك نصار بماكينة الحلاقة..وحلق النبتات الصغيرة من شعر لحيته، وأخذ حماماً ساخناً وخرج، ليشرب فنجان القهوة الساخن قبل أن يخرج في برد يناير الى الديوان وهو يشعر ان الفرح فرحه، بميلاد شعبيته الكاسحة في الحارة، وليس فرحة انقاذ خالد، وخصوصاً أنه خطط لتحويل مسار الاحتفال لصالحه بعرض المشروع الذي أعده لنهضة الحارة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وبذلك يثبت بطولته واستحقاقه السياسي لحلمه الأكبر في المرحلة التالية وهي عضوية مجلس الشعب، والتي يحضر نفسه لها مبكراً لأن السن القانوني لعضويته يفصله عنها عدة سنوات..وسط كل هذه الأفكار التي تدور في ذهن نصار كانت فريدة تجلس بجواره على السفرة تتأمله في حنان وفخر ثم سألته:
– انا لسة ما أكلتش مستنية أتغدى معاك..وإنت شربت قهوة.
– ماشي يا روحي هاتيلنا الغدا.
– لا استنى كمان ربع ساعة علشان تقدر تتغدى.
– طيب..عندي شويه أوراق هأبص فيهم وبعدين نتغدى.
– فيه خبر حلو..هأقولهولك تحلي بيه بعد الغدا.
– لا..انا أحب احلي الأول..قولي لي الخبر..
– رحت امبارح للدكتورة أنا وماما زي ما قولتلك..وقالتلي..
انتفض نصار واقفاً واكمل بفرحة غامرة:
– قالتلك انك حامل..صح؟!!
لم ترد فريدة ولكنها أومأت بالإيجاب ووجهها تملأؤه حمرة الخجل والفرحة بسعادة زوجها..نصار يقبل جبينها وقال:
– الحمد لله..خدي بالك بقى من نفسك الفترة دي ومتعمليش مجهود.
– حاضر.
وضع نصار بعض الوريقات على المنضدة..تحتوي هذه الوريقات على ملخص المشروع الكبير الذي أعده للحارة..تفحصه، وكتب قليلاً فيها حتى أعدت فريدة الغداء..تناول غداءه في جو مليء بالبهجة والحديث مع زوجته..ومع حلول وقت المساء ودع زوجته وأمسك يديها وقبلهما بإحساس عال اشعر فريدة بأنها ملكة مصر الجميلة، لذلك هي تحب اسمها جداً لأنه اسم قرينة الملك فاروق الفاتنة..ودعت نصار اثناء خروجه:
– مع السلامة حبيبي..
– مع السلامة يا روحي.

 

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …