الخميس , مارس 28 2024
منير بشاى

بين حقوق الغالبية وحماية الأقلية!

من وقت لآخر يطلع علينا احد كبار المسئولين المصريين متظاهرا بالمدافع عن الأقباط وانه يرفض ان يطلق عليهم توصيف الاقلية المهين ويعلن ان الاقباط جزء اصيل من الغالبية. (كتر الف خيره!) ولكن هل حصل الاقباط يوما على حقوق متساوية مع الغالبية؟

الباحث المدقق سرعان ما يكتشف ان هذا لم يحدث، ثم سرعان ما يتاكد ان الاهداف الخفية وراء الاصرار على وصف الاقباط بانهم من الغالبية لا تعنى تكريم الاقباط او معاملتهم بالمساواة، بل العكس تماما.

الاقليات بحكم قلة عددها عادة تتعرض للاضطهاد والظلم وتحتاج الى معايير لحمايتها من بطش الغالبية. كان هذا موضوع المؤتمر الذى حاول مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية عقده سنة 1994 فى القاهرة لدراسة حالة الاقليات فى العالم العربى. وكان ادراج الاقباط ضمن تلك الاقليات قد تسبب فى جدل كبير فالبعض كان يرى ان الاقباط اقلية بينما البعض الآخر كان يرفض هذا.

من بين من اعترضوا على توصيف الاقباط بانهم اقلية كان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذى كتب وقتها مقالا بجريدة الاهرام عنوانه “اقباط مصر ليسوا اقلية ولكن جزءا من الكتلة الانسانية الحضارية للشعب المصرى” وكان نتيجة الزوبعة التى اثارها المقال انه تم رفض عقد المؤتمر بمصر فاضطر منظمو المؤتمر لنقله الى قبرص.

وكانت حجة هيكل ان الاقباط ليسوا عرقا مختلفا كما هو الحال مع الاكراد فى العراق او البربر فى المغرب. كما انهم ليسوا طائفة مختلفة مثل الدروز او الارمن. ويضيف هيكل ان “الاقباط ليسوا اقلية بالمعنى الدينى وحده وذلك هو سر الخصوصية المصرية طوال التجربة الدينية الانسانية فى هذا الوطن”. وشخصيا استغرب من قول هيكل ان “الاقباط ليسوا اقلية بالمعنى الدينى (وحده)”. فهل المعنى الدينى (وحده) ليس كافيا فى عرف هيكل؟

ثم ما هذا الكلام الهلامى الذى اشتهر به الكاتب البارع؟ وكلنا نعرف مقدرته على تغيير الحقائق، فهو ذات مرة حول “الهزيمة” التى خربت مصر فى عهد عبد الناصر الى مجرد “نكسة”. فهنا يطلع علينا بمقدرته فى مفردات اللغة بكلمات مثل “الخصوصية المصرية للتجربة الدينية الانسانية”. هل اصبح الاضطهاد الدينى الذى تقشعر له الابدان مقبولا بعد تغليفه بمعسول الكلام فينطبق قول الشاعر: يعطيك من طرف اللسان حلاوة***ويروغ منك كما يروغ الثعلب.

السؤال المطروح: هل الاقباط اقلية أم من الاغلبية؟ قبل الاجابة على هذا السؤال يجب ان ننزع عن كلمة “اقلية” اى معنى سلبى مهين يراد ان يلصق بالكلمة. فالاقلية ببساطة معناها الاقل عددا وهى ليست معناها الاقل تحضرا او أقل علما او ذكاء او مالا. بل ان بعض الاقليات فى عديد من البلاد ومن بينها مصر متفوقة فى مجالات كثيرة على الغالبية. والمعروف انه من خصائص الاقلية انها تحرص على التفوق ليس بالضرورة لانها الأكثر ذكاء او الاكثر تحضرا ولكن لانها تحاول تعويض الظلم المحتمل ضدها بمحاولة التفوق فى مجالات اخرى.

اما بالنسبة لمعرفة ما اذا كان الاقباط اقلية فهذا يتحدد على اساس عاملين أولهما ان يكونوا اقلية عددية فى مجال ما. والثانى ان يسبب هذا لهم معاناة من الدولة او المجتمع بحيث يلزم اتخاذ معايير تساعد على حمايتهم والحفاظ على حقوقهم.

فمن ناحية العدد قد يكون الاقباط مشاركين للغالبية فى الملامح ولون البشرة وقد يشاركوهم (قليلا او كثير) فى الاصول الاثنية. واقتبس عن اللورد كرومر قوله: انك لا تعرف فى مصر من هو المسيحى ومن المسلم الا عندما ترى الواحد يذهب للصلاة فى الجامع والآخر فى الكنيسة. فالخلاف موجود فى مجال الدين. فهناك من يدينون بالاسلام ونسبتهم قد تصل الى 80% او تزيد، وهناك من يدينون بالمسيحية ونسبتهم قد تصل الى 20% أو تنقص. (هذه الارقام لغرض التمثيل فقط وليس هدفنا هنا الدخول فى جدل حول النسبة الحقيقية) والسؤال المهم اى من هذه يكون الغالبية الدينية واى منها يكون الاقلية؟ الجواب على السؤال واضح.

اما من ناحية تاثير هذا على اوضاعهم فلا جدال ان هوية المسيحيين الدينية كانت سببا فى تعريضهم لغبن لا يمكن انكاره. هذه الخاصية (اللانسانية)، كانت وما تزال كفيلة (وحدها) ان تجعل الاقباط يعاملون كأقلية منبوذة من العناصر المتشددة. هذه المعاملات تشمل شروط بناء الكنائس بدءا بالعهدة العمرية ونهاية بالخط الهمايونى وعروجا بقانون دور العبادة الموحد الذى ما يزال حبيس الادراج. اما التحيزات الاخرى بناء على الدين فهى لا يكفيها حيز هذا المقال وتشمل الحرمان من الوظائف القيادية والغبن فى التمثيل النيابى والعديد من الممارسات الأخرى الظالمة.

دعنا نكون صرحاء فنقول ان التخوف الكبير عند السلطة واخوتنا فى الوطن من كلمة “الأقلية” انها قد تعنى فى مفهومهم التبرير للتدخل الاجنبى لحماية الاقباط. هذا المفهوم مرفوض من الاقباط قبل غيرهم فهم من رفضوا عرض حماية قيصر روسيا على لسان البطريرك بطرس الجاولى الذى رد قائلا “قيصر روسيا يموت اما نحن ففى حماية من لا يموت” وعندما حاولت بريطانيا تبرير احتلال مصر جاء رد الاقباط على لسان القمص سرجيوس حاسما ” اذا كان هدف الانجليز احتلال مصر بحجة حماية الاقباط فليمت الاقباط وتحيا مصر”.

الأقباط لا يعنيهم اى توصيف الا بان يحمل معه ما يتطلعون له من مساواة. اطلقوا علينا توصيف الغالبية واعطونا حقوق الغالبية فى المساواة، او اطلقوا علينا توصيف الاقلية واعطونا حقوق الاقلية فى الحماية. ولكن ان لا نحصل على هذه او تلك، ونأخذ بدلا من ذلك مجرد الشعارات الرنانة الفارغة، فهى المراوغة المكشوفة بهدف تبرير واستمرار الظلم.

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …