الإثنين , أبريل 29 2024

أقلُّ من الحياةِ، وأصعبُ من الموت

12002128_1015470091819884_1305235564973248329_n
بقلم الأديبة السورية نادية خلوف،
جريدة الاهرام الكندى

نبحثُ عن أشياءَ نفتقدُها، قد تكونُ في ذاكرتِنا منذُ أجيالٍ قديمةٍ. نسينا أن نوّظفَها فاستقرّت في القاع.
نسينا الكثيرَ من الأشياء التي خُلقنا من أجلِها، أهمُّها ذلك الشّيء الوحيدُ الذي خُلقنا له ” الحياة”
لم نتعلّمْ فنَّ العيشِ، نذرَنا ذلك المجتمعُ الآثمُ إلى الموتِ. علينا أن نموتَ فداءً للوطن، فداءً للعقيدة، أو الطائفة ، وبينما نذهبُ إلى رحلةِ الموتِ بأرجلنا أو مرغمين يضعون لنا رسالة نعوى قبل أن نحتضرَ. هما رسالتان، وليس رسالة واحدة .الأولى:
– يقف فيها الزّعيم أمام الجثمان بكامل أناقته، وبزيّ جديد جداً يمجّد نفسه ويترّحم على الشّهيد،
-وفي الجهة المقابلة صورةٌ الشّخص صاحب الجثمان. تدوسُها الأقدامُ، وجمعٌ من النّاسِ يصرخون خائن. خائن.
الموت حزين. فقد هيبته منذ أن اختار موطناً له بيننا. يرغبُ الموتُ أن يعاتبَنا، ولا يجدُ فرصة له للحديثِ.
واقفةٌ قربَ الموتِ أبحثُ عن نفسي.
أبحثُ في قواميسِ اللغةِ عن معنى الوطن، العقيدة، الشّهيد، والخائن.
ألتقي مع الآلهة الذين مرّوا على البشريةِ وأسألُهم.
أحدّثُ نفسي في الحلمِ، ويجثمُ على صدري كابوسٌ يكادُ يودي بي.
أصواتُ الآلهةِ تصمُّ أذني.
الهتافاتُ التي تمجّد قتلي أسمعُها بينما أنزُفُ قربَ صخرة.
أعيشُ في حالة كابوسٍ دائمٍ. كابوسُ النّوم وكابوسُ اليقظة.
في الماضي كنتُ أهربُ من الواقع إلى أحلام أمارسُها يومياً وأنا في حالةِ صحوة، تنقلُني إلى عالم بهيجٍ، أعيشُ معهُ الحياةَ للحظةٍ قبلَ أن أغفوَ، أبتسمُ للحلمِ، وتظلّ ابتسامتي مرسومةً على شفتيّ حتى الصّباح. أمّا اليوم فقد توقّفَ ذلك الحلمُ عندي. سرقَ أحدُهم أحلامَ يقظتي، وضعَ بدلاً عنها كوابيسَ. لم أعدْ أرغبُ في النّوم ولا في اليقظة.
تصعدُ روحي إلى عالمِ الأثيرِ مستنجدةً بالعالم الأزرق:
دعوني أعيشُ بينكم أيّها الأشباح. لا أرغبُ في الهبوطِ إلى الحياة.
أنا الآن في حالةِ استقرارٍ، اهتزازاتُ جسدي اللولبية تحاولُ أن تلتصقَ باهتزازات شبح آخر. ما أجمل أن أكون هنا!
ليتَهُ لم يكنْ حلماً.
عندما كانت روحي تصعدُ في الحلمِ لم أشعرْ بالألم.
انتهى الحلمُ. هنا مكان آخر.
أقفُ الآن بين الحياة، واللاحياة. هي منطقة واطئة تقع تحت نبع الحياة ، تكون في وضع لا تستطيع فيه الصعود إلى الحياة، أو الهبوط إلى الموت.
أتعبَني الجلوس في ذلك المكان ، بدأتُ أقرأ عنه بين صفحاتِ عيني الثّالثة. رأيتُ لوحة كتب عليها:
ابتسم أنت في بلاد العرب.
وضعت كفّيً في عينيّ، وأنا أجهشُ في البكاء. . .

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …