الجمعة , أبريل 26 2024
أخبار عاجلة
هانى شهدى

خـــــــداع الـمـلائـكــة .

هانى شهدى
                         هانى شهدى

الجزء الأول
بقـلـم / هـانـي شـهـدي
لا أدري لماذا عندما تأتيني أعلن تخلىّ عن كل ما هو غالى و رخيص و أسافر فيك .. تُرى لأنك الأغلى أم أن سحرك لا يعطينى فرصة للمقارنة بغيرك ؟!
فى هدوء شديد تركت أوراق مذكراتى الساكنة وأعلنت ندالتى المعهودة لها ، لأذهب بإرادتى إلى سحر جاذبيتك التى تصعقنى عن بعد .. أذاكرك كتاباً جديداً ، بقدر ما أقرأه أتوه بين أوراقه ، لا أفهمه فأعود فيه من حيث بدأت..
(1)
رسالتى إليك فى العشق و السفر .. لن أرجع بذاكرتى كثيراً لوطنى ، فآخر ما أذكره فيه وأنا واقف فى صالة المطار أودع الوجوه والأماكن و كل الأشياء تودعنى ، أختنق الكلام بداخلى ، و بقدر ما أجيد السـكوت فى لحظات الوداع ، خانتنى عينى بدمعة أحسستها لأول مرة ، واكتفيت برفع يدى المرتعشة بالوداع و اليد الأخرى – بالحقيبة – ممتدة إلي ما هو قدام .. ودعت غــربة أعـرفها إلى غـربة لا أعـرفها ..
بدأت رحلة غربتى على أرضى الجديدة وسمائى الجديدة في بلاد العم سام .. جذبتنى أخذتنى في البداية لكن سرعان ما اعتدت جنونها .. و صارت الحياة تمضى سريعاً كقطار أُلغيت محطات توقفه .. تعرفت فيها على الكثير من أبناء وطنى طالباً الدواء فوجدت الألم ، و في كل مرة كانوا يبرهنون على ندالاتهم بجدارة و حيث يكون الحب منتظراً هناك يكون الألم ، و يكون الجرح أعمق و أكثر نزفاً .. فاخترت منهم أوفى الأندال و استبعدت الخونة.. و بذلك زادوا من قسوة غربتى .. فصرت أتعايش مع الحياة و لا أعيشها .. أحيا فيها ولا أحياها.
ومــــــرت الأيام……
(2)
بدايتى معكِ .. حيث ذهبت لأشترى بعض مستلزماتى من الـ ” store -المحل التجاري ” الذى تعملين فيه ، فإخترتِـنى دون كل زبائنه وإندفعت نحوك مهملاً كل ” الكاشيرات ” ، شئ ما لا أدريه أخذنى إليك وصار يأخذني في كل مـرة أتواجد فيها في حيز وجودك .. إرتعاشة قلب و إحساس بالدفء إفتقدته من زمن طويل لكنى عرفته بالخبرة .. برغم زحام الـ ” store ” الذى كان يخمد كل نيران أسئلتى ، لكنى قررت الحديث معك .. ولمـّا كان سحر السعادة في قِصر عمرها ، اختفيتِ كما يختفى الثلج بشروق شمس النهار .. فكنتِ كالبدر الذى يظهر قليلاً ثم يمضى ،و ما عرفت من أثرها شيئاً و مضيتُ .. و مضى عام انستنى فيه زحام الحياة إياكِ و لكنى لم أنساكِ و برغم هذا كنت واثقاً من عودتها ..
و عــــادت .. و في أحد الأيام الساطعة التى تحمل المفاجآت السعيدة .. دخلت الفرع الآخر للـ”store” فوجدت ضالتى التى أبحث عنها .. تذكرتنى عيناها و تذكرها قلبى لأن كلانا محفور في ذاكرة الآخر، استقبلتنى بإبتسامة الصباح التى تضحك معها الدنيا ، فرحتى بها كانت فرحة قائد برجوع أرضه المفقودة .. و رحت أكرر لقاءتنا عن عَمد ، تنطلق بيننا الكلمات عذبة شفافة الروح .. أرتوى فيها لأتعطش إلى لقاء جديد يشبعنى من ملامحكِ الشهية ، تعزفين فيه نشيداً للرقة كثيراً فيه هربت من المواجهة مع عينيكى .. فسافرت فيهم فى زيارة سريعة لوطنى ، هبطت فيه على صفحات النيل وشربت من ماء الحياة حيث يكون للماء طعم الشهد .. صافحت كل شوارع القاهرة وأشخاصها ..فى المساء جلست و أصدقائى على المقهى بشارع هارون ..” مقدرش على بعد حبيبى ” الله يا ست فضحكتُ معهم ضحكة من القلب كنت أضحكها بطعم الغربة فصرت أضحكها بطعم دفء الوطن .. اخترقتْ أذنى ” زغرودة ” مدوّية موقعة بلسان ” الست أم طارق ” .. ذهبنا لحفل منتصف ليلة الخميس بسينما روكسى – سنيمتنا المفضلة – و عدتُ أمام عينيكى ، تذكرة سفر ذهاب و عودة مهداة من سحر عينيكى حيث قضيت يوماً كاملاً في وطنى مدته دقيقة واحدة بتوقيت عينيكى ، فبعد أن كنت أشد المدافعين عن العيون الخضراء في كل محافل الحب مع أصدقائى ، عيناكى جعلتنى أتوارى خجلاً بكل دفاعاتى .. اتصلت بهم و أعلنت لهم على الملأ :- ” من الآن .. العيون العسلية هى لغة التحدث الرسمية لي فى كل كتابتى ” و رفعت شعاراً ضاحكاً ” العسلية تكسب ” لأنها تحمل لون العسل و طعم المر .
.. و كم أطمعنى رحيق شفتيك فى سفر بالتأكيد سيكون بلا عودة ، يلغى فيه الزمن و يكون أكثر متعة و لكنى أجلت ذلك حتى لا ترجمينى بالحجارة حتى الموت .. كثيراً ما وضعتك أيضا – فى مآزق طفولية سريعة لأرى إحمرار وجهك و تفتح الورد الأحمر علي خدودك فى موسم ربيع أحدده أنا .. و كم كان يضحكنى تلعثمى في جمع بعض الأرقام البسيطة – عند دفع ” الفاتورة ” – فتدركين بإبتسامة ماكرة أن السبب الحقيقى لذلك لم يكن في صعوبة الأرقام .. فتتوارين عنى قليلاً .. بدأت ملامحك تسكُننى ، و زاد منه تشابهنا الغير متوقع .. نفس مدينة الوطن ، نفس عمر الغربة و ألمها و مواقفها ، نفس أرقامنا الحياتية .. فسافرت فيك فوجدت نفس التشابه في ملامح الروح يا سيدتى .. حتى حروف إسمينا واحدة .. إلا حرف واحد كان هو مساحة الحرية الوحيدة التى منحتيها إليَّ كى أتمرد عليكى .. أقتحمتينى إقتحاماً هادئاً لم يكن لى منه هروب .. فاقتحمتك بنفس القوة و الدليل .. إسألى فرحة قلبك وإرتعاشة جسدك عندما ترينى .. أحضرى مرآتك لترى وجهك الوردى مبتهجاً بقدومى أو ضاحكاً لمزاحى الذى صار هوايته المفضلة .. و بذلك أعفيتينى من سؤال كان يراودنى ، حيث لا يسأل طفل عن شعوره عندما يرتمى فى أحضان أمه .. كنتِ المرأة التى أبحث عنها كنت أبحث عن
إمرأة ” تفهم ” أفهم كلامها و تفهم سكوتى ، و نفهم – سوياً – الحياة كلاماً و سكوتاً
إمرأة ” مريحة ” ليست لها أنياب
إمرأة ” ثابتة ” أثق فيها ، سعتها رجل واحد قلباً و روحاً و جسداً و برغم بساطة ما أطلب لكــن لم أكن أدرى صعوبته ، لكنك كنتِ أقربهم إليَّ .. رحت أتأكد من ذوقى فطالعتك لبعض أصدقائى – كصديقة – فاتفقوا و إختلفوا فى إنوثتك من مبدأ إختلاف الأذواق ، و لكن ما لم يختلفوا عليه ذلك الكم من السلام و الوداعة التى تحملينها ، تكفى لوقف كل الحروب على ظهر الكرة الأرضية وتجعل الأعداء أصدقاء حميــمين ، و ملائكية صوتك التى علمتنى كيف أكون مستمع ممتاز وجدتك تلغين كل النساء قبلك .. فاختصرت كل النساء فيك .. و لمـّا صرت عندى إمرأة بكل النساء ، أعلنت عليكى الحب .. أدركت أنك هدية السماء التى لو صنعتها بيدى لما خرجت بهذه الروعة .. فأحياناً نُعطىَ أجمل مما نطلب ..
و سريعاً .. جلست أنا وعقلى وقلبى فى غرفة صنع القرار ، وفى لحظة مجنونة إتخذنا قرار كل عاقل قرار العمر كله بأن تكونى إمرأة العمر كله .. و أرسلت لك القرار مكتوباً بماء الورد .. و جلست فى إنتظار رد متوقع – كثيراً ما قرأته من كل ما فيكِ ..

 

1000

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …