السبت , أبريل 27 2024
كارولين
كارولين كامل

تزوجوا حتى يرضى «البواب»!

بقلم : كارولين كامل

“خليه يا ختى يبطل السجاير.. ويجيب لنا الحاجات اللي عايزينها بالأسعار اللى قلنا عليها.. اللى قلنا عليه بعشرة ميجيش بتسعة.. ولا صعبان عليكي يا روح أمك.. ده خطيبك من شهرين بس.. هو عاجبك ولا إيه؟!”.

هكذا صرخ جارنا في ابنته التي ردت عليه “يعني عايزني أطلب منه يبطل السجاير عشان يشتري حاجات أغلى.. طيب مهو إحنا لقيناه بأسعار أحسن.. أنا مش حطلب منه يبطل سجاير.. لأنه حر.. ومش حخليه يعمل حاجة زيادة عن قدرته” هكذا دافعت عن خطيبها باستماتة.

مؤخرًا استطعت اختبار قسوة المجتمع وقهره للرجال، وإجباره على دفع ثمنًا باهظًا فقط لكونه “الرجل” في طرف المعادلة المعروفة بالزواج و”الغاوي ينقط بطاقيته”، ولنكن صريحين مع ذواتنا ونعترف أن الزواج في نظر

المصريين ليس رفاهية وإنما هدف وغاية الحياة بأكملها، هكذا تربينا بنات ورجال، بأن الله أوجدنا على الأرض من أجل التزاوج وإنجاب الذرية الصالحة التي تنجب بدورها ذرية صالحة أخرى ودواليك، بمعنى أن أي عمل أو تفوق أو حلم أو نجاح لا يؤدي للزواج لا معني له، وأي علاقة بين رجل وامرأة لم تنتهِ بالزواج فهي “عار”.

ناهيك عن أن الزواج في مصر هو القناة الشرعية لممارسة الجنس برخصة مجتمعية، أو هو العقد الذي بموجبه لا يغضب “البواب” عندما يجتمع رجل وامرأة في شقة واحدة، وينام مرتاح البال والضمير أن البيت الذي يقوم على حراسته “طاهر وهيفضل طول عمره طاهر”.

ودون الزواج يقضي الشباب والبنات سنوات طويلة يسيطر عليهم هاجس واحد وهو الزواج من أجل البوسة والحضن.. إلخ، ويُختزل الزواج في شهر العسل والبحر وأكل الجمبري والحمام، وهو ما يصدم الكثير منهم فيما بعد

في هذه المنظومة بأكملها وتتضح حقيقة أن الزواج ليس كله شهر عسل، وما كانوا ينتظرونه بشغف لم يكن يستحق كل هذا العناء ربما، فما تجاهلونه عمدًا طوال فترة الخطوبة فقط لتمر بسلام حتى يقفوا على عتبة “أوضة النوم” لم يعد من الممكن تجاهله بعد الخروج منها، فتكتظ محاكم الأسرة بقضايا الطلاق.

وتوضح إحصائيات أجراها مركز المعلومات لدعم اتخاذ القرار، عام 2015 أن مصر الأولى على مستوى العالم في حالات الطلاق، حيث ارتفعت نسبة حالات الطلاق من 7% لتصل إلى نسبة 40% فى الخمسين عاما الأخيرة فقط، بمعدل حالة طلاق كل 6 دقائق، وهي الأعوام التي زاد فيها تدين الشعب المصري بفطرته “السمحة”.

كيف لشاب لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرون، إن لم يكن أكبر بقليل وأحيانا أكبر بكثير، ورصيد فترة عمله سنتين، إن لم يكن أقل وربما أكثر، ومرتبه إذا افترضنا حسن حظه يصل إلى 2000 جنيه شهريًا، رغم أن غالبية الشباب يبدأون حياتهم المهنية بـ 800 جنيه ولا أتحدث هنا عن فئات أخرى تتقاضي ألوفات “ربنا يبارك لهم..

واللهم لا حسد”، أن يتكبد وحده مئات الألوف من الجنيهات، حيث يُطالب بادئ ذي بدء بتوفير شقة تمليك لا يقل ثمنها عن 150 ألف، لأنه حتى لو أراد بمبالغ أقل لن يجد، وفي حال وافقت أسرة العروسة الكريمة على تأجير شقة ربما لم يصل راتبه لنصف إيجارها، وغيرها من باقي متطلبات الحياة والزواج

التي تعيش الأسرة المصرية تدخر من أجل الأبناء لمساعدتهم في هذا الموقف المشئوم، ولكن ما حيلة من لا يملكون من أدخر لهم، أو من كانت حالتهم المادية أصعب من أن يتم اقتطاع جزء من مدخرات الأسرة من أجل زواج الأبناء مستقبلا.

مثلما تتعرض الفتاة في مصر لضغوط من أجل الزواج إما لإجبارها علي الزواج أو معايرتها بتأخرها أو حتى بـ “قلة بختها”، فإن الشاب نفسه يتعرض لضغوط من نوع أخر ولا حيلة له منذ أن يجلس أمام والدا العروسة ولا تعني أخلاقه وأحلامه وطموحه وربما حبه للعروسة أي شئ طالما لا يستطيع دفع “عشرة جنيهات” في ما يمكن شرائه بـ “خمسة جنيهات”.

وأخيرًا لمن يرفعوا شعار “اللى معهوش ميلزمهوش”، نحن في مجتمع يُولد فيه الأطفال ويتم تربيتهم منذ اليوم الأول علي أن دورهم في الحياة إنتاج أطفال آخرين، بداية من ضرورة التعليم والحصول علي مؤهل عالي حتى تحصل الفتاة علي عريس “كويس” ويتزوج الشاب من بنات “الأصول” وتحولت الشهادة الجامعية لرخصة تعريف عريس وعروسة المستقبل.

كيف نطالب هؤلاء الشباب الذين للأسف تربوا علي هذه الفكرة بعدم التفكير في تحقيق غاية وجودهم والتي تطلب هدر أجمل سنين عمرهم في ادخار المال فقط للزواج، ثم تمضية السنين الأولي من الزواج في تسديد ديون ما قبل الزواج، وبعدها البدء في الادخار من أجل زواج الأطفال في المستقبل، وذلك لأن مجتمعهم المتدين بالفطرة يدفعهم للزواج كحل وحيد للبقاء سويا من أجل إرضاء “البواب” والمجتمع.

الحب في مصر مرهون بالزواج، والزواج مرهون بالمال، والشباب مرهونون بأحلام لا يعرفون أنها حقوق، لأننا في مجتمع معنى بالمظاهر والقيود، وازدواجية جعلت من الزواج غاية الوجود، وفي الوقت ذاته أسوأ كوابيس الحياة.

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.