الخميس , مارس 28 2024

نادية خلوف تكتب : شيء ما يدفعني للرّكض

 أركض في كلّ الاتجاهات، وفي كلّ جهة تقف أمامي  قيود .

أركض جهةالبحر  .أرى السّفن في انتظاري كي ترحل بي إلى العمل في مزارع قصب السّكر في الغرب. كيفما ألتفتُ   يلوّح لي رجل بيده سلاسل وقيود كي أكون جزءاً من الصّفقة التي يتاجر بها. أعود راكضة إلى ذلك البيت المهدّم وأختبئ في الليل .

أسجن نفسي  في انتظار أن أسّر لنفسي ببعض الأمور التي لم أستطع البوح بها في النّهار. أستعدّ لجلسّة صادقة تدوّن كلّ المشاعر والحالات التي مرّت معي نهار البارحة. أرى أنّني مجرّد هارب من الليل إلى النّهار ومن النّهار إلى الليل.

أبثّ شكواي:

كان النهار ثقيلاً، بحثت فيه عن أمور هامة في مساحة واسعة اسمها الفراغ.

لو تدري أيّ فراغ أعمل وسطه أيّها الليل!

فراغ الجسد من الرّوح، فراغ العقل، وفراغ من الأمل.

لا قيمة للسّهر والليل إن لم تكن رائحة المطر تنبعث من التّربة، تشدّني إليها.

تذكّرني الرّائحة بحياة أخرى عشتها في مكان ما من العالم، أحنّ إلى جميع حيواتي بما فيها حياتي في الصّين في عام القرد الأوّل حيث كنت تنيناً خالفت وصايا الرّب فألبسني قميص بشر وعشت هنا في مملكة الخوف أنفّذ عقوبة الرّب .

في الليل يمرّ شريط الذّكرى في حيواتي التي عشتها من قبل، والتي كانت مرتبة إنسان هي الأسوأ بينها، ففي حياتي التي ما قبل الإنسان كنت كلباً شارداً، تمتّعت بالحرّية كثيراً، ومن بين الحريّة التي كنت أمارسها حريّة جنسيّة غير محدودة. كم كنت أسخر من الكلاب المربوطة، أو المدلّلة. لم أعتبرهم كلاباً مثلي. شعرت بالتّفوق، لكن الله عاقبني لأنّني قمت بعضّ ضابط الجمارك أبو أعسر عندما كان يريد أن يسرق من الموارد القريبة من ساحتي .أخذ الله روحي ووضعها في قميص إنسان أنا اليوم شكلي بشر وروحي تحنّ إلى الكلاب.

انتهى الليل ولم ألتق بنفسي. أردت أن أفصل نفسي عن جسدي ، ولم أستطع.

شمس الصّباح تثير فيّ غريزة العواء ، لم لا؟ أنا حرّ يمكنني الرّكض جهة الشّمس

، ركضت فعلاً وآلاف البشر يركضون خلفي. لم أكن أعرف أنّ العواء حاجة بشريّة أيضاً، وبينما كانوا في أوج حماسهم وقعت تحت أقدامهم . عدت راكضاً، احتميت بحرّ الظهيرة، لا زلت ألهث، سوف أرتاح قليلاً ثم أبحث عن طعام. رأيت في مكبّ قمامة عند قصر أمير الزّمان فطائر مرميّة. عندما ألتقط أنفاسي سوف أذهب لأجلب الكيس كاملاً ، تلك المنطقّة محرّمة على البشر. يخافون على أمير الزّمان إن تعدّى أحد عليه سينهار الزّمن، لكنّ الكلاب، والقطط، والحشرات تمرّ بسهولة.

تعبت من الرّكض. تعرّقت كثيراً، قبل أن أجلب الفطائر يجب أن أستحمّ.

نظرت إلى المرآة . لم أر نفسي منذ العيد . أرعبتني الصّورة. أقف أمام صورة إنسان من عصر النياتردال، وطوال الوقت أفكّر، وأشعر بشعور كلب من عصر

العالم الافتراضي. لا أعرف هويتي، وأنا حائر بين أن أكون كلباً ، أو أكون إنسانا . . .

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.